جاء الفيلم الوثائقي «كاريوكا.. صفحات من تاريخ حافل»، الذي عرض في مهرجان الشرق الأوسط في دورته الأخيرة، ليلقي الضوء مجددا على الفنانة الراحلة تحية كاريوكا، التي كانت ملء السمع والبصر طوال حياتها.
العمل الذي أخرجته نبيهة لطفي أقرب إلى البرامج التلفزيونية منه لمفهوم السينما صورة وتوثيق، ورغم افتقاره إلي المادة الأرشيفية المصورة واعتماده على قصاصات الجرائد والمجلات، وبعده التام عن رصد الأفلام الشهيرة للنجمة التي أثرت السينما المصرية، لكنه تعمق في حياة الممثلة الراحلة منذ هروبها من أسرتها لتحترف الرقص حتى آخر 16 عاما من حياتها قضتها في قراءة القرآن، وبين البداية والنهاية تفاصيل كثيرة ربما تحتاج ساعات طويلة لسردها حاول الفيلم تقديمها في 60 دقيقة فقط. أدركت المخرجة نبيهة لطفي أنه من الصعب اختزال حياة تحية كاريوكا في 60 دقيقة، لذا اختارت أن تنتقى صفحات معينة من حياتها، تسردها للجمهور مستعينة بمجموعة كبيرة من الشخصيات والفنانين واللقطات والصور.
بدأ الفيلم بالتطرق إلى الواقعة التي فتحت طريق الفن أمام كاريوكا، والتي جاءت بعد أن رآها شقيقها ترقص، حيث ضربها وربطها بالحبال في المنزل إلى أن فك شقيقها الآخر أسرها، ومنحها «قرشين صاغ» لتأخذهما وتهرب إلى الإسكندرية وتبدأ طريقها في عالم الفن. وبعد أن سرد الفيلم قصة هروبها جاءت قصة اسم الشهرة، فاسمها الحقيقي هو تحية محمد، وكان الكل يعرفونها به خلال عملها في فرقة بديعة مصابنى، ولكن بعد اتقانها لرقصة الكاريوكا، التي قدمتها في فيلم «داون تو ذا ريو» أطلق عليها الجمهور لقب كاريوكا. واستعانت المخرجة في تلك اللقطات بصوت تحية كاريوكا وبلقاء آخر لبديعة مصابنى، ثم انتقلت نبيهة بعد ذلك إلى قصة وقوفها أمام نجيب الريحاني كبطلة مطلقة في فيلم «لعبة الست»، وكيف بكت تحية من الخوف في أول مشهد ما اضطر الريحاني إلى وقف التصوير وتناول الطعام معها حتى لا تخشاه.
وتتابع الفيلم إلى عدة أحداث في حياتها منها، ذهابها مع المخرج صلاح أبو سيف مهرجان برلين لعرض فيلم «شباب امرأة»، وشجار تحية مع النجمة العالمية سوزان هيوارد في مهرجان «كان» عندما أعلنت الأخيرة مساندتها لإسرائيل، فما كان من كاريوكا إلا أن أمطرتها بوصلة ردح مصرية خالصة، وكتب في الخبر الذي استعان به الفيلم من أرشيف الصحافة أنه ردح على طريقة «حوش بردق».
كما تعرضت المخرجة لقصة تهريب تحية كاريوكا السلاح للفدائيين داخل سيارتها وكيف كانت تحب الثورة ثم انقلبت عليها وقالت: ذهب فاروق وجاء فواريق، نسبة إلي مراكز القوى ومن تسببوا في نكسات متوالية عسكرية وسياسية لمصر، ثم سردت حكاية انضمامها للحركة الوطنية وعلاقتها بالسياسة والسياسيين.
والتي أدت لسجنها 3 أشهر، وعندما زارها المخرج السينمائي حلمي رفله تم القبض عليه، وكيف أنها بعد خروجها من السجن ساهمت في جمع تبرعات للجيش وكرمت من أجل ذلك، وجاء في الفيلم على لسان الموسيقار عبد الوهاب في مذكراته عن تحية أنها كانت «رمز للاستقلال الفني».
وانتقل الفيلم بعدها إلى زيجاتها المتعددة والتي بلغت 13 مرة، وكيف قالت عن رشدي أباظة إنه الزوج الوحيد الذي دخل قلبها والوحيد الذي ندمت على قرار الطلاق منه، وأيضا تطرقت إلى تدخل الشيخ الشعراوي بينها وبين زوجها فايز حلاوة ليتم الطلاق بعد سنوات من النزاع الشخصي والرسمي.
وغاص الفيلم أيضا في الفترة الأخيرة في حياتها وكيف تم طردها من شقتها لتعيش بشقة أهدتها إياها ثرية عربية، وتم الكشف عن أسرار جاءت على لسان الممثلة رجاء الجداوي التي كانت تحيه خالتها، حيث أكدت أن سمير صبري وشادية هما من توليا الإنفاق عليها لفترة طويلة.
كما عرض الفيلم مجموعة من مواقفها القوية، وتحديدا أمام قرار 103 الذي أصدره سعد الدين وهبة تحجيما لعمل النقابات الفنية، وعارضه الكثير من الفنانين لدرجة قيامهم باعتصام داخل نقابتهم، ورصد إضرابها عن الطعام مع زملائها الممثلين خلال الاعتصام، وكشف أيضا موقفها خلال الانتفاضة عندما أصرت على الذهاب مع وفد كبير من الفنانين إلى فلسطين للتضامن مع شعبها، وكيف تحدت مع الفنانين تهديدات الموساد بضرب سفينتهم المتجهة إلى سواحل غزة.
وكانت آخر وصايا كاريوكا هو طلبها من رجاء الجداوى أن تقوم فيفي عبده بتربية بنت صغيرة كانت تتولى تحية الاهتمام بها.
دبي - أسامة عسل