تمتاز بثراء وتنوع الأماكن التاريخية التي تروي قصص مسافرين وحضارات يسبر إنسان الحاضر من خلالها غور الماضي ويخلفها رسالة للمستقبل حول شعوب وثقافات عمرت المنطقة عبر الزمن.

مدينة تقع على تلة مرتفعة شمال الأردن، وتشرف على بحيرة طبريا، وهضبة الجولان، وتعتبر من أبرز المواقع السياحية في الأردن، وتشتهر بمدرجاتها ومبانيها اليونانية والرومانية. عند زيارتها ينتابك شعور بالتسامي وانت تمشي على طريق هذه الحضارات القديمة التي كانت مزدهرة في يوم من الأيام، فبقايا هذه الحضارات تروي لنا قصة الكثير من المسافرين الذين دخلوا أبوابها القديمة، ابتداءً من المكدونيين الذين قاموا في البدايه بتأسيس الاكروبوليس مروراً بالرومان البيزنطيين والأمويين والعثمانيين.

المدينة الأردنية، أم قيس، قد أنعم الله عليها بأرض خصبة ومياه الأمطار الوفيرة، وقد ازدهرت هذه المدينة من الناحية الفكرية، وأصبحت مدينة مميزة لجوها الجميل؛ فلا يزال قسم كبير من المسرح الروماني الغربي قائماً حتى يومنا. هذا على الرغم من الاضطرابات التي حدثت في المدينة على مدى التاريخ. فلا تزال الممرات المقنطرة وصفوف المقاعد شاهدة للعيان، وهي مبنية من حجر البازلت القاسي. ويوجد في المسرح صف من المقاعد المحفورة للشخصيات المهمة بالقرب من الأوركسترا.

ويوجد في الوسط تمثال رخامي كبير لا رأس له، وهو يعود الى (تايخي)، وهو معروض الآن لمشاهدته في المتحف المحلي، وفي الجهة المقابلة للمسرح، يقع الشارع المبلط والذي يرجح أنه كان المركز التجاري للمدينة. ويوجد مسرحان في جدارا؛ اسم يطلق عليها، وهناك مسرح ثالث كان يوجد في الحمة المشهورة بمياهها المعدنية، وهناك بقايا المسرح الشمالي، وهو أكبر المسارح، ويمكن مشاهدته على رأس التلة بجانب المتحف، والمسرح الغربي والذي حوفظ عليه بعناية فائقة هو المشهد المميز لجدارا.

وقد بني المسرح من حجر البازالت الأسود. ويعود تاريخ هذا المسرح الى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد وباستطاعة المرء أن يتمتع بمنظر في غاية الروعة عند الغروب من الصفوف العليا لمقاعد المسرح.

أهم المعالم

ومن أهم معالم المدينة نيمغايوم وهي نافورة لها أحواض ومحاريب ويزينها عادة تماثيل صغيرة من الرخام، وهي تقع على (ديكومانوس) بالقرب من تقاطع الشارعين الرئيسيين المبلطين (كاردور وديكومانوس) في الجهة المقابلة للشرفة.

ويمكن مشاهدة آثار مجمع حمامات يعود الى القرن الرابع الميلادي بالاتجاه شرقاً على طريق ترابية صغيرة تبعد بحوالي 100 متر من تقاطع الشوارع المبلطة وتستطيع أيضا الوصول الى الأجزاء السفلية للحمامات بسلوك طريق ترابية مقابلة للمسرح الغربي، وهي حمامات رومانية تقليدية وفيها غرف تحتوي على الماء الساخن والدافئ والبارد، وكذلك غرفة لتغيير الملابس، ويبدو أن هذه الغرفة قد توقف استعمالها في اوائل القرن السابع الميلادي.

وعلى بعد حوالي 500 متر من الحمامات الرومانية تستطيع أن تجد نصباً تذكارياً رومانياً تحت الارض، وقد تمت المحافظة عليه بعناية فائقة، وهو النصب التذكاري الغربي، ويقع خلف النصب التذكاري الصهريج المصنوع من حجر البازالت الأسود (صهريج الماء السفلي). وهناك الدرجات التي تؤدي الى القاعة الأمامية، وهي شرفة النصب التذكاري نفسه، وقد تم مؤخراً اكتشاف كنيسة كبيرة لها خمسة ممرات فوق النصب التذكاري.

وتستطيع أيضا أن تشاهد القبور المحفورة من الصخور، وهي منتشرة حول ضواحي جدارا. على بعد 800 متر من النقطة التي يتقاطع فيها الشارعان الرئيسيان المبلطان، أو 200 متر من النصب التذكارية، تستطيع أن تجد آثار البوابة الغربية للمدينة، وهي عبارة عن أساسات البوابة.

ويحيط بالبوابة أبراج دائرية تنتشر حول (ديكومانوس). وعلى بعد 400 متر من البوابة الغربية توجد بقايا بوابة على شكل قوس ثلاثي الأضلاع، وهي تمثل توسع حدود المدينة في النصف الأخير من القرن الثاني الميلادي.

من أهم المعالم أيضا استراحة ام قيس وهي مكان ملائم لراحة المسافر، وهي تطل على بحيرة طبريا (بحر الجليل). وتستطيع ان تتمتع بمشاهدة المناظر الخلابة للبحيرة من داخل أو خارج الشرفة المفتوحة.

ويقع متحف ام قيس في بيت الروسان، وكان يستعمل في الأصل كمنزل للحاكم العثماني. ويعرض في هذا المتحف من ضمن الأشياء الأخرى التماثيل والفسيفساء والعملات المعدنية، وهي من ضمن الاكتشافات الأثرية التي تم العثور عليها.

هي بالفعل مدينة تحول زائرها الى شاعر، فقد خاطب شاعرها القديم آرابيوس ضيوفها بقوله (أيها المار من هنا.

كما انت الآن كنت انا، وكما الآن انا ستكون انت، فتمتع بالحياة لأنك فان)، ولا تزال كلمات الشاعر محفورة على حجر الشاهد في جدارا، لتدلل على المكانة الثقافية الرائدة لام قيس الاردنية.

وهناك ساحة المدرج الكبيرة والمخازن والأسواق المنظمة بشكل هندسي رائع الجمال، وهياكل جدارا كانت مبنية على التلال ومكرسة بأسماء الآلهة المعبودة آنذاك أمثال: زفس، وهيركليس، وبلاس، وعشتار.

والمتعبدون فيها يشرفون والمتفرجون أيضاَ، على المدرجات والمسارح المزدانة بالأعمدة والأقواس والمحاريب والأقبية بالحفلات المفضلّة لدى الرومان، ومنها كانوا يشرفون على بحيرة طبريا، وجبال الجليل في شمال فلسطين وعلى الغور بكامله.

والشاهد لكل هذا، يتعجب ويفتخر بعظمة هذه المدينة، لأن كل ما فيها يُبرز لنا عظمة وجمال وكبرياء جدارا، ومما لا شك فيه أن الحفريات المستقبلية ستكشف لنا الهندسة الكاملة لهذه المدينة الخالدة. فإن كانت أم قيس - جدارا - اشتهرت بالتاريخ بعظمة عمرانها وروعة هندستها، فأبناؤها الذين أنجبتهم قد خلدوها بأدبهم وبشعرهم وفلسفتهم، واشتهرت يجامعتها القديمة في العهد اليوناني التي تخرّج فيها الكثيرون ومنهم الشاعر ملياجر، وكتاب آخرون كانت لهم شهرة بذلك الوقت.

وتحتوي ام قيس (جدارا) الآن على الخدمات اللازمة والضرورية من صحة وكهرباء وتعليم. والبلدية مهتمة بتوفير أفضل الوسائل كي تحافظ على البيئة نظيفة، وتعطي المكان المناسب واللائق باسم أم قيس، كي تبقى على مرّ العصور محافظة على مركزها الحضاري.

دبي ـ ناهد حمود