بعيداً عن اقتصاد العملاق الصيني، الذي يجتاح العالم كلّه في أيّامنا هذه، يلقى النحت المعاصر، والذي تعتبر (بيجين) عاصمته العالميّة، رواجاً في بلدان الخليج عامةً، وفي الإمارات بشكلٍ خاص، حيث تعتبر التماثيل والمنحوتات الصينيّة الآن علامةً على الذوق الاستثنائيّ، والتميّز في إضفاء اللمسات الراقية على الأثاث المنزليّ.

تأثر فن النحت الصيني بالنحت السوفييتي والفرنسي، ويعتبر النصب التذكاري لأبطال الشعب الذي أبدعه مجموعة من الفنانين عملاً كلاسيكياً للنحت الصيني، والحقيقة أن هذا العمل عبارة عن سلسلة من أعمال النحت، على الجوانب الأربعة للنصب التذكاري لوحات حجرية منحوتة، وكلها تعكس تاريخ النضال، الذي خاضه أبناء الشعب الصيني ضد الإمبريالية والإقطاع. بعد انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، صارت أعمال النحت أكثر تنوعاً وحيويةً، وبعد دخول القرن الحادي والعشرين لم يعد النحاتون يهتمون بالتعبير عن التجربة الشخصية والأسلوب الخاص فقط، بل بالمجتمع والحياة الواقعية أيضاً، ويتابعون أشكال النحت وأساليب التعبير المعاصرة مع الحرص على الهوية الثقافية والوضع الدولي للنحت الصيني.

النحت الخشبي... في السنوات الأخيرة، ظهر في الصين فن جديد يشكل إضافة نوعية لمتوارث عراقة الفنون الصينية المعروفة بدقة صنعتها ونبض عشقها للحياة. هذا الفن جذب آلية العديد من الفنانين الشباب ليخرجوا من عباءة التاريخ بقراءة أُخرى للمخلوقات الأسطوريّة ذات المكامن السحرية والتي تعتبر منذ ذلك الوقت رمزاً للشعب الصيني وفنونه المحافظة على التقاليد. إن ما يميّز هذا الفن الوافد الجديد على صالات العرض الصينية من الجذوع المنحوتة للأشجار، هو تلك البساطة المرهفة والمعبرة عن نبض الطبيعة الولود لآيات الجمال الفطري المعبر، مصحوبة بالإبهار، وكأنها تؤسّس طرقاً مبتكرة نحو فنٍّ طبيعيٍّ جادّ يروق مع ذاكرة الشعب الصيني الهادئة.

لقد فتح استخدام هذه الجذوع أمام النحات روح التجلّي، فجعله يرى بعين العاشق للطبيعة وأسرار الكون عبر فنٍّ لا يعرف حدوداً لآفاقه، حيث إن إضافة إبداع الفنان كفكر إلى إبداع الطبيعة جاء بنتائج مدهشة، فكانت العاصمة الصينية بيجين وهونغ كونغ وشنغهاي وغيرها من المدن تعجّ بعشرات المعارض الفنية لهذا الاتجاه الجديد.

النحت الحجري

تُعرف محافظة هويآن، الواقعة جنوب شرقي الصين باسم (موطن فن النحت) محلياً وعالمياً. وأقدم أعمال النحت الحجري فيها هي منحوتات حجرية أمام قبر لين لو، العائد إلى الأسرة جين الملكية، التي أخذ فن النحت يزدهر في عصرها، إذ كان هناك نحو 1000 نحات، وانتشرت خيرة أعمالهم الفنية في داخل الصين وخارجها.

تنقسم أعمال النحت في هويآن إلى أنواع عدة، منها منحوتات حجرية وخشبية وطوبية وخزفية، وصارت صناعة النحت الحجري والمواد الحجرية من أكبر خمس صناعات في المحافظة، وتستطيع إنتاج وتصدير مئات الأنواع من خمس مجموعات نحتية، وهي تصنيع الشواهد والأنصاب التذكارية، والتماثيل لتجميل البيئة والحدائق، ومكونات البناء، والمنحوتات الفنية.

النحت على البرونز

الحفر على البرونز فن أوروبي دخل الصين متأخراً، وقد أرسلت الحكومة الصينية الفنانين الشبان المتخصصين في الحفر إلى «ليبزغ» بألمانيا لإكمال الدراسة. وبعد ستّ سنوات من الاجتهاد، عادوا إلى الصين بالرسم التخطيطي الألماني الذي يختلف عن الرسم السوفييتي، ووضعوا بذور الحفر على البرونز والنحاس في الصين، وخلال 60 سنةٍ من التطور، ظهر عدد كبيرٌ من أعمال الحفر حتى صار أكثر الفنون ازدهاراً.

تعكس معظم المنحوتات تاريخ النضال الذي خاضه أبناء الشعب الصيني ضد الإمبريالية والإقطاع

روح الفن الأصيلة

بالعودة آلاف السنين في التاريخ إلى الوراء، كان الفن الصيني حاضراً بقوّة وكان هناك العديد من الأعمال المتميّزة والتي خطّت سطراً في كتاب الفن، أما بالنسبة للفنّ الصيني الحديث، تبهت صورة الأعمال المتميّزة شيئاً فشيئاً، وتختفي التقنيّات القديمة والمتميّز، وفنّ النحت الصيني بدوره خسر تدريجيّاً حضارته الحقيقيّة، وبالتالي لم يعد قادراً على نقل الروح الأصيلة والمتميّزة للفنّ الصيني، بالأحرى انتقل إلى نقل وتصوير جماليّات فنّ الغرب، ما سبّب ردّة فعلٍ محبطة لدى بعض النحاتين، خصوصاً أن فن النحت لدى الغرب يختلف تماماً عن الفن الصيني الذي يركّز على الحدود والخطوط المنعكسة عن السطوح.

دبي - علي محيي الدين