الريجيسير جامع الكومبارس ومكتشف النجوم

لكل هيكل مفاصل يتمحور حولها الجسد، وتربط بين أجزائه؛ ليؤدي وظائفه وتستمر حياته، والمفصل المهم في هيكل أي عمل فني، هو الريجيسير، فهو حلقة الوصل بين أطراف الجسد الفني ككل، يمشي وفي ذهنه خريطة متكاملة بأسماء الفنانين وعناوينهم والأماكن التي يترددون عليها وتليفوناتهم الخاصة.. يرفع الكومبارس من هامش النجومية إلى متنها.

وتتردد شائعات غير مكتوبة بأن كل ريجيسير كان في أصله ممثلا صامتًا، يعوّض نجوميته التي لم ينل منها شيئًا في آخرين يصنعهم نجومًا فوق العادة، يكسب الكثير بعيدًا عن عيون الضرائب، يعمل في الخفاء بمهارة وهدوء، (فَهْلَوي)، يستخدم فئات دنيا في الوسط الفني ليعلو فوقها..وهذه الشخصية تم تجسيدها ببراعة في المسرح المصري في ستينات القرن العشرين، عندما أداها الفنان الراحل توفيق الدقن في مسرحية سكة السلامة، وإن كان الدور لا يبوح بكل مكنونات الشخصية.

ولا يشرح ماهية المهنة، بل يقدمه على أنه ذلك الشخص الذي يُلمّع شخصيات ويُخفي أخرى، ويدور ليل نهار على (كعب رجليه)، لا يتوانى في البحث عن الرزق بكل الوسائل التي تبررها الغاية.. السطور التالية تغوص في شخصية الريجيسير فإلى التفاصيل. على الرغم من كل الانتقادات التي تتعلق بعمل الريجيسير، فلا ينكر أحد أهمية دوره في الحفاظ على منظومة العمل داخل البلاتوهات، أماكن التصوير، ليخرج العمل الفني بالشكل الناجح، بعد أن يتلقى تعليمات المخرج، والمنتج بمكان وموعد التصوير، وبدوره يقوم بإبلاغ الممثلين المشاركين في المشهد ليكونوا موجودين في التوقيت نفسه.

إضافة إلى تجهيز الملابس المناسبة، وتوفير المجاميع والكومبارس، خاصة في الأعمال التاريخية والدينية التي تحتاج إلى أعداد كبيرة، لكنه في الوقت ذاته ظل يعاني من ضعف الدخل الذي لا يزيد على 40 جنيهًا في اليوم، ينفق معظمه على الاتصالات التليفونية، والانتقالات.

فبدأ يبحث عن زيادة دخله عن طريق الاقتطاع من أجور نجوم الصف الثالث، وأحيانًا من جهات الإنتاج التي تكلفه بشراء بعض المستلزمات.

تنجيم

الريجيسير قد يكون سببًا في سطوع نجم أحد الفنانين؛ إذ بدأ معظم الكبار من مكاتب الريجيسير منهم رشدي أباظة، محمود المليجي، محمد هنيدي، عبدالمنعم مدبولي.

وهذا ما يؤكده الريجيسير نبيل محفوظ بقوله: إن مكاتب الريجيسير تلعب دورًا مهمًا في تقديم الفنان إلى أحد المخرجين للحصول على فرصة، ولو صغيرة، في أحد أعماله، وفي حالة نجاحه يستمر صعوده شيئا فشيئا، حتى يصبح نجمًا مشهورا.

مؤكدا أنه كان له فضل على عدد من نجوم هذه الأيام مثل أحمد السقا، محمد هنيدي، علاء ولي الدين، الذين بدأوا من مكتبه، واستطاع بحنكة شديدة تقديمهم إلى عدد من المخرجين الذين يثقون به، وبالفعل كان لهم نصيب في اختراق الأضواء.

يضيف: الريجيسيرات زادت أعدادهم بصورة كبيرة، ما أدّى إلى قلة الدخل عما كان، إذ أصبح المخرج الواحد يعمل لديه أكثر من 5 ريجيسيرات في فيلم واحد.

الأمر الذي يجعله يقسم المبلغ على المجموعة، فانتشرت البطالة بين عدد كبير منهم، خاصة مع ثبات أجورهم منذ أعوام فبدأوا يبحثون في دهاليز الكومبارس، ويتقاسمون معهم المبلغ الذي يحصلون عليه، حتى تتم الاستعانة بهم في عمل تالٍ، ومن يرفض، فلن تطأ قدماه أماكن التصوير بعد ذلك.

سمسرة

يتدخل في الحديث صابر حسن ريجيسير، مؤكدا أن قلة الأعمال الدرامية قد تكون سببًا في قيام الريجيسيرات باقتسام دخول الكومبارس.

وممثلي الصف الثالث؛ لأنهم سيجلسون في منازلهم شهورًا، غير أن معظم الأعمال يمكن أن تتركز في وقت معين من العام، قبل رمضان بشهرين أو ثلاثة، وبقية العام يقضي الريجيسيرات الوقت بين المكاتب والمقاهي ومدينة الإنتاج الإعلامي.

وعن المبالغ التي يتم تحصيلها من كل كومبارس يقول: إن المجاميع تنقسم إلى قسمين، الأول خمس نجوم، وهم من يعملون مع النجوم الكبار مثل عادل إمام.

وهؤلاء لا بد أن يتوفر فيهم المظهر الحسن، اللباقة، سرعة البديهة، وقد يحصل الواحد منهم في اليوم على 200 جنيه في بعض مشاهد الأفراح والحفلات. أما النوع الثاني فهم من الأشكال المألوفة التي تقيم في الأحياء الشعبية.

وهذا النوع من السهل توفير أي أعداد منه، ويكون المقابل من 40 إلى 50 جنيهًا؛ إذ يحصل الريجيسير من الأول على الثلث تقريبًا، بما يعادل 70 جنيهًا، ومن الثاني على 10 جنيهات فقط.

إلا أنه منذ عام واحد فقط بدأ مجموعة من المنتجين المنفذين في الاستعانة بمكاتب ريجيسير بعينها تقوم بتوفير المجاميع بأسعار زهيدة للغاية تصل إلى 26 جنيهًا للخمس نجوم، و13 جنيهًا للكومبارس العادي، وبالتالي أصبح دخل الريجيسير هو الآخر ضئيلا؛ لأنه يحصل على 6 جنيهات من الأول و3 جنيهات من الثاني، وذلك تحت ما يسمى (السمسرة).

ضرب نار

ومع أن الريجيسير قد استحل اقتطاع جزء من المقابل الذي يحصل عليه كل فرد في المجاميع، فإن الكومبارس عمومًا يرفضون ذلك، ويعتبرونه ابتزازًا، لكنهم يخشون من شبح البطالة، وهذا ما تكشف عنه منى عبدالرحمن التي شاركت في عدد كبير من الأفلام مع الفنان هاني رمزي، محمد هنيدي، هاني سلامة.

وتقول: تقوم مكاتب الريجيسير بالاتفاق على مقابل معين، في حين تكون قد حصلت على أضعاف ذلك المبلغ من شركات الإنتاج، وفي النهاية يقدم كل كومبارس مبلغًا ماليًا خارج الحساب، يصل من 10 إلى 30 جنيهًا حتى تتم الاستعانة به في عمل جديد.

من ناحية أخرى يقول حسن هاشم (كومبارس): إننا نعامل معاملة غير آدمية، ففي الوقت الذي يتفق صاحب مكتب الريجيسير مع المنتج على أجر الكومبارس الواحد بـ 50 جنيهًا، يدفع 20 جنيهًا فقط،.

ويحتفظ بالباقي لنفسه، وقد تعرضت لمشاكل مع مكاتب الريجيسيرات على مدى 40 عامًا، على الرغم من أنني تقدمت بشكوى إلى د.أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية.

وبالفعل حقق فيها بنفسه، وحصلنا على حقوقنا بعد أن حذر مكاتب الريجيسيرات من تكرار سوء معاملتنا؛ لأننا جزء لا يتجزأ من العمل الفني، إلا أن الريجيسيرات عادوا يتلاعبون بالصغار مرة ثانية، بعد أن تضاعفت المكاتب، وقلت الأعمال الدرامية التي تحتاج إلى أعداد كبيرة من المجاميع بشكل ملحوظ.

أما عزة سعد جمال التي دخلت الكومبارس منذ 5 أعوام؛ فتقول إنها كانت تحصل على دخل كان يصل إلى 200 جنيه أسبوعيًا، ومع زيادة أعداد الكومبارس بدأت مكاتب الريجيسيرات في القيام بالاتصال بمجموعات معروف عنها أنها لا تطالب بحقوقها.

وكل ما يهمها أن تظهر في المشاهد التلفزيونية والسينمائية فقط، حتى لو أدى ذلك إلى قيامها بدفع مبالغ من جيوبها الخاصة، فتفنن أصحاب مكاتب الريجيسيرات في ظلم المشاركين من فقراء الكومبارس، وعليه فقد قررت الغالبية عدم المشاركة في أي عمل، ما دعا نقيب المهن التمثيلية إلى التدخل الفوري، حتى لا تصاب صناعة السينما بالشلل.

نجوم درجة ثالثة

لم تكن مجاميع الكومبارس فقط هم ضحايا القوانين والقرارات، والتلاعب من مكاتب الريجيسيرات، بل هناك ممثلو الدرجة الثالثة الذين ينحتون في الصخر من أجل الحصول على دور صغير هامشي في فيلم أو مسلسل أو مسرحية، ويتعرضون إلى مضايقات عديدة من أصحاب المكاتب.

وتؤكد إيمان سلامة التي شاركت في مسلسل الفنار مع الفنانة صابرين أن العمل في الوسط الفني صعب للغاية؛ لأن جميع صناع العمل الفني ينظرون إلى الفتاة نظرة سيئة، ويرغبون في النيل منها في تقديم أدوار الإغراء بناء على رغبة المنتج والمخرج.

إضافة إلى أن هناك مرحلة أخرى تمر بها أي فنانة مع الريجيسير ومكاتب العمل تواجه فيها العديد من المضايقات، ويبتزها ماديًا بالاتفاق على نسبة من التي تحصل عليها من العمل، وأحيانًا يطلب منها أشياء أخرى مقابل ظهورها في عمل ما.

وتتضاعف معاناة صغار الفنانين الذين يبحثون عن دور صغير داخل أروقة مكاتب الريجيسيرات، خاصة الذين يرفضون الابتزاز المادي.

وهذا ما حدث مع الفنان الشاب عصام أبوالسعود الذي شارك في فيلم مجانين نص كم، إذ وجد الريجيسير يطلب منه بعد ذلك نصف ما حصل عليه من أجر في الفيلم، على الرغم من تقاضيه مبلغا ضئيلا لم يزد على 3 آلاف جنيه فقط، وساءت علاقته به بعد ذلك، فاتصل بالفنانة أميرة العايدي، والفنان يوسف داود، وغيرهما من الفنانين لمساعدته في إيجاد فرصة عمل.

ولم يحظ بأي فرصة، فذهب إلى أماكن التصوير، وبحث بين الاستوديوهات دون جدوى، فلم يعثر على شيء، فعاد مرة أخرى إلى مكتب الريجيسير، وأعطاه ما طلب، واعتذر له حتى فاز بدور في مسلسل في رمضان الفائت.

ويشاركه الناقد الفني عصام زكريا الرأي نفسه قائلا: إن صغار الفنانين يتعرضون إلى مضايقات متعمدة من أصحاب مكاتب الريجيسيرات لابتزازهم ماديًا.

ويقبلون طمعًا في الحصول على الشهرة، أما بالنسبة إلى الفنانات، فالخيار متروك لهن؛ لأن مشكلة الوسط الفني أنه لا توجد جهات حقيقية تتبنى أصحاب المواهب، وتدفع بهم إلى الوسط كل فترة، بل أصبح الأمر متروكا للاجتهادات الشخصية والعلاقات.

أما المنتج جمال العدل فيرى أن مكاتب الريجيسيرات ليست السبب الرئيسي في ابتزاز صغار الفنانين، فالكومبارس وممثلو الدرجة الثالثة هم السبب الحقيقي وراء ذلك؛ لأن الموهوب وغير الموهوب يريدان التمثيل، ما يدفع بأصحاب المكاتب لابتزازهم ماديًا.

ويطلبون منهم أشياء أخرى نظير الدفع بهم في أحد الأعمال؛ لذلك قامت شركة العدل جروب بعمل اختبارات متعددة لاكتشاف المواهب الجديدة بعيدًا عن مكاتب الريجيسيرات التي تدفع بالموهوب وغيره نتيجة اتفاقات مبيتة بينهم على نسبة معينة من الأجر.

القاهرة - دار الإعلام العربية

الأكثر مشاركة