حسن بدوي ملك الخزائن القديمة

الخزائن أسرار تحفظ الأسرار، حكايات مغلقة على ذاتها تحمل بداخلها مغارات من الخيال، بعضها سحري يفتح بكلمة سرية تشبه كلمة مرورك إلى بريدك الإلكتروني، ومنها ما يكون كلمة سره جملة منطوقة مثل «افتح يا سمسم» في كتب الخيال، إلا أن هذا الخيال صار حقيقة.

فقد صارت هناك خزائن ببصمة الصوت، ف«الخزائن» كلمة ارتبطت بكل ما يراد حفظه لقيمته الغالية، وبمرور الزمن يتم تمريره إلى جنة التاريخ المليء بالأسرار.. وهناك من يهوى كتمان سره وحفر آبار عميقة بعيدة عن الرؤية لكي يظل كنزه في الخفاء، لكن لم يعد الاهتمام فقط بالكنز.

وإنما بالخزينة التي تحفظ هذا الكنز عن الأعين.. «الحواس الخمس» التقت بأحد هواة جمع الخزائن القديمة.. حسن بدوي، صاحب أول صالة لعرض الخزائن، والتي يعود تاريخها إلى العام 1936، حيث ورث عن والده وأجداده حب الخزائن..

عن هوايته في جمع الخزائن يقول بدوي: أملك عالمًا من الأسرار في صور صناديق حديدية مغلقة؛ فالخزائن مغارة خيالية بدأ وجودها من قديم الأزل، فكان أول من أدخلها إلى مصر هم اليهود، وكان لوالدي أصدقاء منهم، فالخواجة «لآلو» كان والده يتاجر في الأثاث القديم من خلال المزادات والباشاوات القدامى، فقد كان الباشاوات والملوك يعتادون تغيير الأثاث كل عام سواء في المزادات أم القصور.

وكان يتم التبادل بين القصور الكبيرة، ومن خلال ذلك عرض الخواجة «لآلو» على والدي في يوم من الأيام أن يصنع عنده قطعتين من الخزائن؛ لكي يتم عرضهما للبيع مع الأثاث، وعندما يتم تسويقهما يأخذ ثمنهما، وكانت هذه التجارة في ذلك الوقت تسمى «بضاعة الأمانات».

وبالفعل قبل والدي الخزينتين، وكان الخواجة قد أتى بهما من خارج مصر، وعندما تم بيعهما عرض «لآلو» غيرهما إلى أن طلب منه والدي أن يشتري منه أي كمية يملكها أو يستطيع جمعها، وكان ذلك في العام 1936.

خزائن الثورة

يضيف: تم تكليف والدي من قبل أعضاء الثورة المصرية في العام 1952 بأن يورد لهم الخزائن، وذلك لحفظ الملفات ومستندات ثورة 23 يوليو، وبدأ والدي في تجميع الخزائن من الخواجة والمزادات، وكان الخواجة يجمعها أيضًا من الكنائس ومن البضائع القديمة.

ولم تكن الخزائن صناعة أو تجارة في ذلك الوقت، لكن بعد أن راجت في مصر بدأت ورش السكك الحديدية وورش الأهالي في تصنيع الخزائن، لكن كانت النسبة الكبيرة منها تأتي استيرادًا من الخارج إلى أن أصبحت كلها تأتي من خارج مصر.

خاصة الخزائن الحديثة، وهي التي تحتوي على أرقام ديجيتال وأسطوانات وخزائن بصمة الصوت، وهناك بصمة العين، وأشهرها بصمة الصوت والتي لا يتم تداولها في مصر، لكن البنوك أكثر من تستعملها.

أنواع الخزائن

يستطرد هاوي الخزائن: منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية مع إخوتي، كنا نساعد الوالد في الورشة، وكنا ننصت لتاريخ الخزائن حين يرويه الأب، فيقول: إن من أشهر وأقدم هذه الخزائن والتي تعد تحفة تاريخية هي «الفوشنية»، وهي خزينة تحمل الجنسية الفرنسية، وتعد من أرقى الأنواع، ويُقبل على شرائها رجال الأعمال، ويضعونها في القصور والفيلات.

إلا أنها تعد أثاثًا جماليًا؛ لأنها تشبه «الكومودينو» الذي يوجد في غرف النوم، ويتم فتحها بأرقام سحرية معقدة، ويتراوح سعرها من 25 إلى 40 ألف جنيه، ويرجع عمرها إلى مائة عام، أما الخزائن الإنجليزية فكان يفضلها تجار الذهب، فكان من المستحيل أن يتواجد محل لبيع المجوهرات لا يملك خزينة «ميلز» الإنجليزية نظرًا لملاءمة حجمها.

وسعة مساحتها، وطبيعة نظام الألوان بها لعمل الجواهرجية، بينما الخزائن الألمانية تتمتع بشهرة واسعة، ولكن يطلبها من يريدون الاحتفاظ بأوراق مهمة، ومفتاحها له جناحان، وإذا تعطل لا يمكن فتحها مرة أخرى، ويبدأ ثمنها من 15 ألف جنيه.

يوجد لدينا في معرض الخزائن أنواع مختلفة مثل «الاشترت الإنجليزي»، عمرها يتعدى ال100 عام، كذلك «برمنجهام» الإنجليزية، و«الشامبا»، ويبلغ وزنها طنًا، «جون تاون»، «الشانوت»، «مفتاح السكين النمساوي»، بالإضافة إلى أنواع أخرى منها الكوري والأميركي والنمساوي.

خزائن ديجيتال

ويحدد حسن بدوي الصفات التي يرغبها عملاؤه في خزائنهم الخاصة، فيقول: إن الخزينة تحدد على حسب الطلب وقرار اختيارها يتحدد طبقًا للاستخدامات وللمساحة والحجم، فمقاساتها من 40 سم إلى 2م، غير أن عوامل تحديد سعرها يرتكز على مقومات الأمان التي تتبعها، فمثلاً الخزائن الديجيتال تأتي بشفراتها، ولا يتم فتحها إلا بمعرفة الشخص الذي يشتريها، وهي من أغلى الأنواع، كما أن حجمها وثقل المعادن المصنوعة منها عامل آخر في تحديد سعرها، وأيضًا بلد المنشأ.

وكلما زاد حجم الخزينة ارتفع سعرها، أما عمر الخزينة فيكون حسب الاستخدام والمكان التي توجد فيه، بمعنى أن الأماكن الرطبة يمكن أن تؤثر في الخزينة، فكلما ابتعدت عن الرطوبة كان عمرها أطول، إلا أن العوامل الجوية من الأتربة وغيرها تؤثر فيها نوعًا ما.

فتح الخزائن

ليس من السهل فتح الخزينة كما نشاهد في أفلام السينما، فلا يمكن فتح خزينة دون شفرتها إذا كانت بأرقام، بينما خزينة المفاتيح قد يحتاج فتحها بأي آلة إلى ساعات طويلة جدًا، ولا يتم ذلك دون صهر المعدن نفسه، كما أن ثقل حجمها يصعب تحريكها، وهذا عنصر آخر يزيد من أمنها، فقد تطورت وسائل حفظ الممتلكات الثمينة، ولا يمكن فتح أي خزينة إلا بمحضر شرطة، وقد جاء هذا القرار من كثرة سرقة الخزائن.

زبائن الخزائن

يقول بدوي عن زبائن الخزائن إنه منذ أن كان طفلاً كان زبائن الخزائن من الباشاوات والملوك، وذلك في الأربعينيات والخمسينيات، أما في الثمانينيات أصبح تجار «الكرتونة» من زبائن شراء الخزائن الأساسيين، وكان أغلبهم تجار الخضار والفاكهة أو الخردة، بينما انخفض طلب أولاد الذوات عليها؛ لأن الخزينة الضخمة تم اختصارها في «الفيزا كارد».

لكن لا تزال تطلبها شركات الصرافة ورجال الأعمال والشركات للاحتفاظ بالأوراق المهمة التي يحتاج صاحبها أن تظل بجواره؛ حيث إن ثقافة الخزائن في مصر والوطن العربي تعتبر معدومة، فقد اندثرت صناعتها في مصر، ولم تبق منها إلا الخزائن الصغيرة التي توضع في المنازل أو المكاتب الصغيرة.

والتي يبدأ سعرها من ألف جنيه، أما الأنواع الأخرى الموجودة لدينا والتي تعد تاريخية أو الحديثة كلها عن طريق الاستيراد، غير أن الأزمة العالمية أثرت في ذلك، فيأتي إلينا زبائن بأعداد كبيرة يطلبون بيع خزائنهم، وفي المقابل انخفض الطلب على الشراء، فنحن المتحف التاريخي الوحيد والموجود في حي عابدين لأقدم وأشهر أنواع الخزائن.