لنكن أمناء في سرد إشكاليات كلمات أغاني المغنية الصغيرة الواعدة حلا ترك، بعد الصيت الواسع، الذي ناله ألبومها الأول بعنوان " بابا نزل معاشه ". وباعتبارها طفلة آلاف الأطفال الموهوبة والمحبوبة في الخليج والوطن العربي، حيث وصل عدد مشاهدات كليب أغانيها ما يقارب 28 مليون مشاهد عبر اليوتيوب، وعليه فمتابعة أعمالها ونقدها، يعد جزءاً من المسؤولية الإعلامية، في إعادة توجيه أولياء الأمور لمراقبة الموسيقى المقدمة لصغارهم.
ولعل الفيديو كليب الذي قدمته حلا بعنوان " طفشانة "، والذي عرض على قناة " وناسة "، أثار من جديد أزمة كلمات أغاني الطفل العربي وجعلنا ننظر إلى إنتاجات حلا الغنائية ، حيث تعد مضامينها بشكل عام، تعزيزاً مباشراً ومبرمجاً لعادات سلبية، تقدم للطفل. ويتحمل القائمون على تقديمها بهذا الشكل مسؤولية هذا التوجه الخاطئ.
إلهام صحي
العديد من الأشخاص سيقف إلى جانب حلا ، ويعترض على أسباب نقدها، باعتبارها تقدم صورة جميلة، في ظروف افتقادنا للأغاني الموجهة للطفل. ولعل الإطراء في مجمله ليس عملاً صحافياً، ولا نريد بشكل عملي، إقصاء أوجه الإبداع من قبل القائمين على الموسيقى والديكور وتصوير الفيديو كليب وإخراجه كتقنيات مستخدمة، في أغاني ترك ، ولكن إعادة النظر في مضامين الكلمات، وقراءتها نقدياً، مسؤولية نهدف من خلالها إلى إعادة الإلهام الصحي للقائمين على هذا الفن، في معايير الرسائل الموجهة للطفل.
ولأنه وباعتبارات التنمية، يعد الطفل قيمة بشرية وموردا حيويا للمجتمع ، وتهديد شخصيته وفكره، بتوجهات سلبية تعزز عادات سيئة لديه ، كما ورد في بعض أغاني حلا ، مثل: طريقة خاطئة في مخاطبة والديه، قضاء الطفل وقتاً طويلاً في البيت يعتبر مللاً، والهروب من المنزل هو الحل، انتظار الراتب الشهري للوالدين، وتبذيرهم فيما لا ينفع، استخدام سمة العناد ليحقق الطفل ما يريده. جميعها تودي بالأطفال إلى حالات سلوكية لا تناسب نماءه الفكري، وتخلق بدورها تأثرا في الممارسات اليومية للطفل، ويصعب بعدها على الوالدين والمؤسسات التعليمية إعادة تصحيحه في فترة عمرية متقدمة.
" طفشانة " نموذجاً
ويعد نموذج الفيديو كليب " طفشانة " الأخير، في مضامين فكرته، دليلا واضحا على اختلال معايير العرض الموسيقي، لدى الصغيرة حلا، حيث يبدأ العرض، بكلمة " طفشانة " وأداء تمثيلي تتقنه حلا، بشكل احترافي، وهو أنها تعاني من الملل الشديد، لانشغال والديها عنها، بشكل مفرط، ما يجعلها في جو تأنيبي طوال الوقت، من دون أن يقدم الكليب، في هذا الموقف، خيارات للطفل، في استثمار أفضل لهواياته مثلاً، أثناء جلوسه في المنزل. وأن الخروج والسفر لقضاء وقت ممتمع، من دون عمل شيء مفيد، هو ما يجب أن يسعى له الأطفال.
ويستوقفنا في عرض الكليب، مشهد يقدم فيه مخرج الكليب ، وهي تمسك بلوحات كتب عليها مفردات، مثل: " أنا مليت " و " زهقانة "، والتي تدل على مطالبة الأطفال، عن طريق تشكيل مظاهرة صغيرة في البيت، بحقهم، ما يجعلنا نبحث في معاني طرق الحوار، ومعايير الحرية داخل البيت، وكيفية بيان العلاقة بين الوالدين وأبنائهم، وأهمية تعزيزها بمعايير تحفظ فكر الطفل، وبأن رأي الوالدين يظل، القيمة الأسمى. وما قدمه نهاية الكليب من تفضيل الأطفال في النهاية الهروب من البيت وتجاوز رأي الوالدين، وجعله حلاً، بأنه الطريقة الأفضل، لعمل ما يريدونه، تأسيس يسيء لمعايير التنشئة الاجتماعية في مجتمعاتنا.
وضمن إقامة قراءة موضوعية لكلمات أغنية " طفشانة "، نعرض بعض الأبيات للتأكيد على البعد غير المنطقي، في تعزيز الرسالة السلبية للطفل ونترك الحكم عليها للقارئ،: "أنا مليت من البيت من البيت، أنا ودبدوبى وبس، ما حد يبى فينا يحس، كل ما .. قولتلولي نو، لو مره واحدة تقولوا يس،... فى بالي خطة لازم تصير،أنا وأخوي لازم نطير، بنسافر نعيش الحياة، ناكل فشار ونشرب عصير، .. طفشانه طفشانه ".
ترفيه تجاري
المتابع للموهبة التي تمتلكها المغنية الصغيرة، يؤمن بتصنيفها ضمن المبدعين، المتنبئ لهم بمستقبل زاهر، في مجال الغناء الأدائي والمسرحي، ويدرك أن افتقاد الصناعة الحقيقية لأغاني الطفل، المعنية بقراءة تطلعات الطفل وأحلامه، وطموحاته وأمنياته وإبداعاته، أدى اليوم إلى جعل ثقافة الطفل الموسيقية، محتكرة فيما يسمى ترفيهاً تجارياً، وتسطيحاً لمعاني الحياة. وتعتبر تجربة حلا ترك، في طبيعة الرسائل المقدمة، في جو من الموسيقى، والتمثيل الفني، إساءة عميقة لفكر الطفل في مجتمعاتنا العربية.