يرفضها المبدعون شكلاً ومضموناً، الرقابة على الافلام السينمائية بين القيود والحدود

الخميس 15 شوال 1423 هـ الموافق 19 ديسمبر 2002 شغلت قضية الرقابة على السينما أعضاء جمعية نقاد السينما المصريين - عضو الإتحاد الدولي للصحافة السينمائية - فقامت مؤخرا بعرض ومناقشة أربعة أفلام كانت قد منعت من العرض في بلاد إنتاجها كل أو بعض الوقت، على أساس أن يؤدي إلى مناقشة في إطار أوسع عن الرقابة في عالم جديد ولهذا عقدت بعد ختام العروض ندوة شارك فيها نقاد ومخرجون سينمائيون وكتاب ومدير سابق للرقابة ثم ظهرت بعد هذا فكرة إصدار كتاب يضم آراء وأفكار عن الرقابة ومفهومها ويرصد تاريخها وتطورها، ويقدم شهادات لمبدعين ولمسئولين. قام بإعداد أو تقديم كتاب «الرقابة على السينما - القيود والحدود» للناقد حسين بيومي، ليخرج مشتملا على عدة أبواب عن الرقابة وشهادات لرقيبين سابقين، ولمخرجين أحدهم يتجاوز الرقابة المصرية إلى الرقابة السورية وهو المخرج محمد ملص، وحوارات مع الرئيس السابق للرقابة والرئيس الحالي، ثم نظرة تاريخية للرقابة، وتسجيل لندوة جمعية النقاد، ويختم بوثائق عن قوانين الرقابة، وبهذا يقدم الكتاب صورة شاملة تناقش مختلف جوانب القضية في محاولة للإجابة على أسئلة هل الرقابة على السينما ضرورة ؟ ما هي حدود هذه الضرورة؟ وما هي القيود التي تحد من حرية التعبير والتلقي وكذلك حرية الإنتاج ؟ يدعو الناقد أمير العمري إلى الغاء كلمة رقابة ويطالب بتبني نظام تصنيف الأفلام أي فرز الأفلام وتصنيفها حسب نوعية الجمهور التي تصلح للعرض له، ويقترح لجنة من الشخصيات العامة في المجتمع: قضاه ومعلمون ومحامون وفنانون ورجال دين مستنيرون وكتاب وصحفيون وأهل فكر ورجال إعلام.. هذه اللجنة - في رأيه - أكثر مصداقية بكثير من جهاز بيروقراطي مكون من موظفين مجهولين لا علاقة لهم عادة بالحياة العامة أو بالفكر وقضايا الفنون.. في حين يدعو الناقد حسين بيومي إلى تطوير الرقابة مما يحتم تغيير مفهومها، ليشمل ليس فقط حرية التعبير إنما أيضا حرية التلقي، وفتح آفاق جديدة أمام أشكال جديدة للإنتاج على السواء فهي أيضا وثيقه الصلة بتطور ونمو الوعي الاجتماعي والفكري والسياسي. وتنظر الكاتبة سلوي بكر إلى الرقابة نظرة إتهام فالرقابة في رأيها «تعكس قدرا هائلا من الخوف، والحرص على المصالح والمكاسب المتعلقة بجماعة بعينها أو سلطة ما، لذلك لايمكن عزل الرقابة عن جملة التدابير العامة والمنحدرة من جذر واحد هو القمع التي من خلالها تقيد أيدي الآخرين وتبعدهم تماما عن كل ما يمس هذه المصالح وهذه الأمتيازات، وهي ترى أن الرقابة أصبحت واحدة من أهم آليات الفساد الراهن وإستعبدت قوتها المركزية الطاردة كل إبداع حقيقي وكل فن متشوق بعين واعية للحياة عن مناطق الفعل والتأثير وقذفت به بعيدا إلى حواف التهميش تتناقض شهادات مسئولي الرقابة السابقين ففي شهادة لنجيب محفوظ سبق نشرها - يقول ان الرقابة ضرورة للمحافظة على ما يخرج بإسمنا ليكون في مستوى معين أخلاقيا وأدبيا.. الرقابة كانت متشددة معي ومع ذلك أؤمن بضرورتها في حين أن شهادة الرقيب «المتمرد» مصطفى درويش تؤكد أن بعض السينمائيين كانوا منزعجين جدا من تحطيمه لقواعد الرقابة وكانوا يرون أن سماحه لأفلام مثل «هيروشيما حب» و«إنفجار» و«رجل وإمرأة» يأتي على حساب السينما المصرية وفور تعيينه طلب قائمة بالأفلام الممنوعة ووجدها كلها ممتازة فصرح بعرضها. عن تجربته مع الرقابة يتحدث المخرج توفيق صالح عن الرقابة المهنية والمؤلمة مع فيلمه «السيد البلطي» وكيف سحب الفيلم بعد عرضه، بسبب احتجاج بعض الرقيبات على «إنحطاط» الفيلم بسبب قيام إحدى ممثلاته بتنظيف ساقها تحت الركبة وتعرض فيلمه «المتمردون» لمشاكل رقابية بسبب إشارات مزعومة نحو الثورة وبعد حرب 1967 سمحت به الرقابة أما فيلمه «يوميات نائب في الأرياف» فقد أعترض عليه وزير الداخلية شعراوي جمعه بسبب تقديم رشوة - في الفيلم - إلى المأمور (رئيس الشرطة) وشاهدت اللجنة المركزية للإتحاد الإشتراكي الفيلم، ثم شاهده رئيس الجمهورية بنفسه وأمر بعدم حذف أي كادر من الفيلم بعد الثناء عليه ويتساءل توفيق صالح بعد هذه السنوات الطوال هل من واجبات رئيس الجمهورية رقابة الأفلام ؟! تقدم المخرجة التسجيلية عطيات الأبنودي شهادتها مكتوبة تحت عنوان «ايهما أشد قسوة: رقابة الحكومة أم رقابة النقاد السينمائيين ؟ ناهيك عن التليفزيون ومعهد السينما» «تبدؤها بقولها» لم يتعرض مخرج للأفلام التسجيلية في مصر لمثل ما تعرضت له أنا، ثم أفلامي من بعدي من تشويه للسمعه وتشكيك في الإنتماء للوطن أول فيلم تسجيلي لها على مستوى الهواة حصان الطين 1971أعترضت الرقابة على لقطة لطفل فقير أنفه تسيل، ولم يسمح بسفر الفيلم إلى مهرجان قليبية لأفلام الهواة بتونس إلا بعد حذف اللقطة، وأعترضت الرقابة على مشهد لكلب هزيل في فيلم «الساندوتش 1975» وإستعدت ناقدة في صحيفة يومية السلطات البوليسية عليها وطالبت بمنع الفيلم والمخرجة من عرضه في الخارج وحينما عرض فيلمها «الاحلام الممكنه 1982» في تليفزيون برلين 1983 أحتج أحد المشاهدين المصريين بالخارج وأرسل خطابا إلى جريدة الوفد نشر بخط عريض بعنوان «مخرجة مصرية تسيئ إلى سمعة الوطن» ثم خرجت مجلة أسبوعية بمقال لناقد سينمائي شهير يطالب وزير الداخلية بسحب جواز سفرها! فيلم «اللي باع واللي اشترى» الذي أنتجه المركز القومي للسينما 1992، عن كارثة الأرض الزراعية على ضفاف قناة السويس أثار اعتراضات قبل عرضه بمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية، وكان مدير الرقابة قد وافق على عرضه داخل مصر تأكيدا للديموقراطية لكن نقيب السينمائيين وقتئذ ممدوح الليثي اعترض أن الفيلم يقوم بتأليب الطبقات على بعضها كما هاجمته ناقدة سينمائية معروفة باعتبار انه كان يجب منع الأفلام «التي تسيئ إلى سمعتنا أمام العالم»! وأما ثالثة الأثافي كما تكاد تصرخ عطيات الأبنودي فهي أن أفلامها ممنوعة من العرض على طلبة معهد السينما! ويروي المخرج السوري محمد ملص تجربته المريرة مع فيلمه عن الفرات من إنتاج التليفزيون السوري، وسحبه من المشاركة بمهرجان دمشق السينمائي، رغم إحتجاج بعض الضيوف والسينمائيين العرب الذين تمكنوا من مشاهدة الفيلم، وقد أبدى وزير الاعلام استياءه من الفيلم - ولحق فيلم «الفرات» بمصير فيلم «الدجاج» لزميله عمر أميرالاي الذي كان قد منع من العرض. يضم الكتاب حوارين مع الناقد على أبو شادي الرئيس السابق للرقابة على المصنفات الفنية والدكتور مدكور ثابت الرئيس الحالي ويعترف أبوشادي كناقد أنه كان ينادي مع النقاد والمثقفين بالتحريض ضد الرقابة بشكل كامل، وضد أسلوب ممارستها للعمل وما ترتكبه من إنتهاكات في حق الإبداع، وبإمكان الرقابة أن تحقق مفهومها الحقيقي لحماية المبدع والمجتمع معا، بل قد تتحول في لحظة ما من رقابة حكومية إلى رقابة شعبية، وقد وجد في هذا المنصب فرصة ليطبق إيمانه بالحرية والديمقراطية واحترام الأخر وإحترام الإبداع وكذلك ترشيد الرقابة ورغم وقوفه مع الإبداع إلا أنه سياسيا يختلف الأمر، أما عن مشكلة رقابة المجتمع فهذه هي الرقابة التي يجب أن نحذرها فيما أصبح الرقيب مثل المبدع في سلة إتهام واحدة. يرى الدكتور مدكور ثابت أن الكاسيت جاء بعده شريط الفيديو، ثم أسطوانات الليزر، وأسطوانة الكمبيوتر . مما استدعى مهام أخرى دقيقة، بحيث أصبحت الرقابة على الإبداع الفني لا تمثل إلا ركنا من مهامها، وأصبحت قضية حقوق المؤلف وحقوق الملكية الفكرية تحديدا هي المهمة الرئيسية، وإذا مارست الرقابة دورها في هذا المجال لأصبحت عنصرا مساعدا للمبدع، بدلا من أن تكون كما كانت طوال تاريخها سوطا مسلطا على حرية الإبداع.. يعود الدكتور ثابت ليقول: «حلم حياة المبدعين وأنا منهم ألا تكون هناك رقابة، لكن أيضا حلم العقد الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد أن يكون هناك من يمثلهم في مسئولية الحفاظ على قيمتهم ومشاعرهم، لذلك يوجد في أكثر البلاد تحررا جهاز للرقابة.. ولا شك أن تحقق درجة معينة من النضج في التجربة الديمقراطية سوف يطور النظرة إلى الرقابة. وتحدث المخرج مجدي أحمد على عن الرقابة الشعبية.. وقال لقد شعرت بإستياء بعض المشاهدين من لقطة في فيلمه «البطل» فذهب إلى رئيس الرقابة - على ابو شادي وقتئذ - وطلب حذف هذه اللقطة لأنه لا يرغب في الاصطدام بالناس، ورفض أبو شادي بشدة وإنحاز إلى الإبداع ويعلق المخرج بأن جميع الأجهزة الرقابية بلا إستثناء حتى في قمعها ومنعها للأفلام لديها إيمان بالحرية أكبر من المفهوم الشعبي للحرية بمعنى لوشكلنا لجنة شعبية ستكون أسوأ من الرقابة ولو أعتمدنا على ما يسمى بالحس الجماهيري سوف نحصل على نتائج أكثر سوءا.. الرقابة الموجودة الآن أفضل من استقبال الناس للأفلام وهذا شئ خطير جدا.. ولهذا فأنا بحس المسئولية أجد نفسي ضد الغاء الرقابة.. لأن هذا سيخلق حالة من الفوضى. القاهرة ـ فوزي سليمان:

الأكثر مشاركة