الاحد 15 ذو الحجة 1423 هـ الموافق 16 فبراير 2003 تتواصل في هذه الحلقة من رواد السينما مع كمال رمزي وكتابه الشيق «نجوم السينما» حيث يأخذنا إلى عالم سامية جمال وكيف استطاعت ان تشق طريقها بصعوبة ويصفها بالنبات الذي يحفر طريقه بين الصخور في الأجواء الموحشة، يكون غالبا أكثر قوة واشد تمسكا بالبقاء.. كذلك، ذلك النوع من الناس، الذي ينشأ في ظروف صعبة، ويطمح إلى أن يثبت جدارته في الحياة، ويعمل بارادة هائلة، على النجاح والتفوق. سامية جمال من النماذج الفريدة التي استطاعت، باصرارها، ان تتغلب على واقعها الضنين، فتخرج من دوائر النسيان، الى عالم الشهرة، وتهرب من ظلال المناطق المعتمة لتغدو، لسنوات طويلة وسط الاضواء. كما صعدت سامية جمال في عالم الرقص من القاع، دخلت عالم السينما من ثقب إبرة.. فعن طريق «ريجيسير» ظهرت، لأول مرة، في لقطة عابرة، ضمن المجاميع، في «ممنوع الحب» لمحمد كريم 1942، ثم.. ضمن الكومبارس.. في افلام اخرى.. إلى ان حظيت بلقطة طويلة، تجلس فيها على ذراع كرسي محمد عبدالوهاب، وتمر بأصابعها على شعره وقد استبد بها الحب الولهان، في «رصاصة في القلب» لمحمد كريم 1944.فيما يبدو ان ولي الدين سامح مهندس ديكور ومنسق مناظر «رصاصة في القلب» لاحظ ما تتمتع به سامية على الشاشة، من حضور آسر فضلا عن وجهها الحساس الذي تعبر به، ببساطة وعفوية، عن انفعالاتها الداخلية، لذلك أسند لها بطولة أول أفلامها «أحمر شفايف» 1946، أمام نجيب الريحاني.في «أحمر شفايف» قامت سامية جمال بدور عاملة في مصنع يفصلها صاحبه فيعطف عليها، مسئول الحسابات نجيب الريحاني، فيأخذها الى بيته لتعمل كخادمة لأسرته.. وسرعان ما تتحرك عواطف، أو قل رغبات الكهل نجيب الريحاني تجاه الفتاة، فائقة الأنوثة، باعثة الحرارة، المتفجرة بالشباب، سامية جمال.. وطوال الفيلم، لا يدري الريحاني، ولا ندري معه، هل هي تريده فعلا؟.. إن شقاوة عينيها ونظرتها الجانبية وجاذبية ابتسامتها ودلال حركاتها، كلها أمور تتضمن معنى الغواية، لكن شيئا ما، طفولي البراءة يمنعه من التقدم نحوها، لقد نجحت سامية جمال في أول اختبار كبير لها في أن تمزج الاغراء بالملائكية والدعوة بالتحذير. وتوالت بطولات سامية جمال أمام فريد الاطرش، الذي ارتبطت معه بقصة حب شهيرة في الواقع، وبدت آثارها واضحة في أفلامها معه، مثل «حبيب العمر» لبركات 1947، «أحبك أنت» لأحمد بدرخان 1949 و«عفريته هانم» لبركات 1949 «وآخر كذبة» لأحمد بدرخان 1950 و«تعالى سلم» لحلمى رفلة 1951 و«ما تقولش لحد» لبركات 1952. في هذه الأفلام قدمت سامية جمال أجمل رقصاتها على انغام اغاني فريد الاطرش، في «تابلوهات» تستوحي رقصات معظم الاقطار العربية، ومن ناحية الأداء التمثيلي اكتسبت سامية جمال خبرة وداية بعملها مع كبار المخرجين، فإلى جانب صلاح أبوسيف الذي قدمها في «الصقر» 1949 و«الوحش» 1953 ثم عز الدين ذو الفقار، الذي منحها بطولة افلام عدة مهمة: «قطار الليل» 1953، «رقصة الوداع» 1954 و«الرجل الثاني» 1959. وإذا كان لكل نجمة شخصية مميزة تتألق بها على الشاشة، فإن سامية جمال حققت أفضل مستوياتها في الادوار التي تظهر فيها كامرأة ذات معدن طيب، تسيطر عليها قوى الشر ممثلة في عصابة تجبرها على اقتراف العديد من الأعمال الاجرامية.. ولكن وسط انغماسها في مستنقع الشر، تتمرد على الاغلال المكبلة لها، وتندفع، بكل قوتها، ضد العصابة التي تستخدمها.. ولعل دورها في «زنوبة» لحسن الصيفي 1956، قد يكون نموذجا كلاسيكيا لهذه الأدوار.. إنها هنا تقع فريسة لعصابة يقودها محمود إسماعيل ومساعده العنيد استيفان روستي، ويجبرانها على استدراج الشاب الطيب شكري سرحان، كي يسقط في حبائلها وتتزوجه وتجعله مدمنا للأفيون الذي تذيبه له في فناجين القهوة.. لكن لبها يتفتح له فتحبه.. وها هي تتضور ألما عندما يتوسل اليها من اجل ان تعد له فنجاناً من قهوة أدمنها.. إن أداء سامية جمال، في مثل هذه المواقف المعتمد على عفوية الصدق، الداخلي والفهم المستند الى خبرة لا يستهان بها من تجارب الحياة، يثبت جدارتها كممثلة قدمت أكثر من خمسين فيلما، من استعراضي، إلي ميلودرامي إلى كوميدي.تزوجت سامية جمال، مرتين، الأولى في بداية الخمسينيات، من أميركي محتال، اسمه «شبرد كنج» ذهبت معه إلى بلاد العم سام حيث اكتشفت أنه «بلطجي» مدمن للخمر، لاعب للقمار، عنيف ففشلت الزيجة فشلا ذريعا، عادت بعدها إلى بلادها، نادمة على ثمانية عشر شهراً أضاعتها بعيدا عن الفن. ثأرت سامية جمال من هزيمتها تلك ثأراً مزدوجا فمن الناحية الفنية أخذت تعمل بلا كلل، وبكل جدية، ومن الناحية الشخصية، اقترنت بالفنان رشدي اباظة حيث احتفظت به كزوج لاكثر من عقد ونصف العقد. بعد اعتزال سامية جمال عام 1972، عندما لم يحقق فيلمها «الشيطان والخريف» لأنور الشناوي نجاحا يليق بها، خصص لها مهرجان القارات الثلاث المقام بمدينة «نانت» الفرنسية، برنامجا عرض فيه مجموعة من افلامها، عام ,1984. وأمام ألف مدعو، قدمت سامية جمال، للمرة الأخيرة، احدى رقصاتها ووصفتها وكالة الانباء الفرنسية بقولها: «إن سامية جمال رقصت في البداية على انغام الموسيقى المصرية ثم على ايقاع تصفيق المشاهدين وأكدت أنها لاتزال تتربع على عرش الرقص الشرقي الذي احترفته منذ ما يقرب من 50 عاما».. وجاء في تقييم النقاد وبقية وكالات الأنباء «أن ما قدمته سامية جمال كان أجمل ختام للمهرجان». في صمت رحلت سامية جمال، في اول ايام ديسمبر 1994 بعد حياة تموج بالعمل، اثبتت فيها أن الإنسان يستطيع بصموده وجلده واصراره، أن يشق طريقه ويساهم في صنع مستقبله، برغم أو بفضل، ظروفه القاسية.