الجمعة 15 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 16 مايو 2003 حظ النقاد السينمائيين من التكريم كان طيبا خلال عام 2003 حيث تم تكريم ثلاثة نقاد سينمائيين: الناقدة خيرية البشلاوي في مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما المصرية، والناقد يعقوب أحمد وهبي في مهرجان جمعية الفيلم السنوي للسينما المصرية، وكرم المهرجان القومي للسينما المصرية الذي نظمته وزارة الثقافة الناقد مصطفى درويش. وأصدر المهرجان القومي كتبا عن المكرمين، وعلى غير ما جرى عليه العرف أن يكلف ناقد أو باحث أو متخصص باعداد بحث أو دراسة عن الشخصية المكرمة، فقد صدر في تكريم الناقد مصطفى درويش كتاب ـ بقلمه هو نفسه بعنوان «أربعون سنة سينما» ـ في 267 صفحة، متضمنا فصلين أولهما: «قصاقيص من شاشة الذاكرة» ـ متضمنا ذكرياته عن انتدابه من القضاء ليكون مسئولا عن الرقابة على المصنفات الفنية التي يقول عنها «وجدتني أمارس مهنة على النقيض تماما من مكوني الرئيسي وهو الايمان الذي يكاد يكون مطلقا بالحرية لا سيما ما كان منها متصلا بحرية التعبير»، وقد تولاها درويش مرتين حتى ألغي ندبه وعاد الى عمله في سلك القضاء، ويكشف درويش عن ضمه الى التنظيم الطليعي في عهد عبدالناصر. أما الفصل الثاني فهو «مختارات» يضم بعض ما نشر له من دراسات في دوريات فصلية أو مقالات في مجلة شهرية مصرية. وكذا مقدمة كتاب نشرته الجامعة الأميركية بالقاهرة بالانجليزية بعنوان «صانعو الأحلام على ضفاف النيل». تتميز دراساته في الدوريات الفصلية بجدية البحث كما في دراسته عن «الصهيونية في السينما» التي نشرت في «شئون فلسطينية» في أكتوبر 1973 بادئا بفيلم «دريفوس» 1899 اخراج جورج ميليس، وقد نبه نجاح الفيلم قادة الحركة الصهيونية ودعاتها ـ ومنذ وقت مبكر ـ الى اهمية السينما باعتبارها أداة دعاية سريعة وفعالة للفكر الصهيوني.... وبعد هذا في عام 1916 ظهر فيلم يخدم مباشرة الصهيونية وهو «حياة اليهود في أرض الميعاد» ليعقوب بن دوف ـ وهو مخرج صهيوني من أصل روسي استقر به الأمر في فلسطين، وكان درويش قد أشار الى الرواد الأوائل لهوليوود وخاصة الممول هربرت روتشلد الذي لعب دورا هاما في بناء «مصنع الأحلام» وهو أشهر بيت مال، ومنه البارون روتشلد الذي قدم الدعم المالي للمستعمرات الصهيونية الأولى في فلسطين.. ويتناول درويش كيف استغلت الصهيونية الدين في السينما، والتأكيد على عودة «الشعب المختار» الى «أرض الميعاد».. التركيز على قصة خروج سيدنا موسى من مصر الى «أرض اللبن والعسل».. حيث أنتج فيلم «الوصايا العشر» مرتين.. مرة 1923 صامتا بلا ألوان في أيام قل فيها اقبال اليهود على الهجرة، ومرة ثانية ناطقا وبالألوان عام 1958 عقب اعلان دولة اسرائيل في أيام انحسرت فيها الهجرة وكلاهما من اخراج سيسيل دي ميل.. وقد اتخذت الصهيونية من معاداة النازية لليهود ذريعة لإنشاء وطن قومي ـ وتركز السينما الصهيونية على ما فعلته النازية باليهود، رغم أن ما فعلته في شعوب الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا وغيرها من شعوب شرق أوروبا أكثر منه بكثير.. وبدأت سلسلة من الأفلام الأميركية تتناول العنصرية ضد اليهود من أبرزها فيلم «الخروج» 1960 اخراج أوتو برنجر وبطولة بول نيومان.. وهو فيلم أميركي مطابق للدعوة الصهيونية وهو أقرب الى الجنسية المزدوجة الجانحة في جموح الى الجنسية الاسرائيلية.. وعن قاموس للسينما صدر في فرنسا وردت قائمة لأفلام كان يقال عنها أنها أميركية ثم أعلن أنها افلام اسرائيلية! وتخرج أفلام اسرائيلية الى العالم ويتوج فيلم «فجوة في القمر» بجائزة أحسن فيلم بمهرجان كان 1965 وبعده يفوز فيلم «ثلاثة أيام وطفل» عام 1967 قبيل الحرب. بعد هزيمة 67 تنتج هوليود فيلم «فتاة مرحة» 1969 حيث تجاهر بطلته بربارا ستريسند بيهوديتها.. وفيلم «كاباريد» و«عازف على السطح» وهي أفلام تحمل الدعاية الصهيونية من خلال الاستعراض والموسيقى.. هذه مجرد أمثلة في مجال الفيلم الروائي، أما في مجال الفيلم التوثيقي، فهناك أمثلة عديدة من أهمها فيلم «حائط أورشليم» لفريدريك ردسيف الذي يصور العرب دعاة حرب مستسلمين واليهود دعاة سلام محاربين، من خلال عرض زائف لتاريخ الصراع بين الشعوب العربية والصهيونية، وفيلم «تحيا أورشليم» للناقد الفرنسي ـ هنري شابييه.. وهو فيلم ذو نزعة صوفية جوهرها أن القدس عادت الى أصحابها بعد طول اغتصاب وأن حلم الانسان في السلام قد تحقق بتلك العودة.. في دراسته «شئ من السياسة في السينما العربية» نشرت بفصلية سياسية 1984 يدين درويش واقع السينما العربية الذي تحول الى مستنقع راكد، الى أن انقض عليه كالصاعقة بعد مرور خمسة عشر عاما من ثورة يوليو 52 فيلم «معركة الجزائر» لجيل بونتكورفو كانتاج جزائري ـ ايطالي مشترك ويرى أنه أول فيلم روائي سياسي ثوري أنتج على أرض عربية وأول فيلم يتناول قصة كفاح شعب عربي بكل الصدق والعشق، وينال بذلك الجائزة الكبرى لمهرجان فينيسيا الدولي، وظلت الافلام السياسية العربية قليلة بل نادرة.. من بينها «المتمردون» و«المخدعون» لتوفيق صالح وكفر قاسم لبرهان علوبة وصور من مذكرات خصبة لميشيل حليفي.. ويتوقف عند السينما الجزائرية وأفلامها في مرحلتها الأولى عن حرب التحرير ومن أهمها «الليل يخاف الشمس» لمصطفى بادي، ورياح الأوراس لمحمد الأخضر صافيا والافيون والعصا لأحمد رشدي، وفي مرحلتها الثانية تتشابك أفلام الحرب والأرض، مثل «نوة» لعبدالعزيز طلبة، و«الفحام» لمحمد عمار وذكريات سنوات الجمر لمحمد الأخضر صافيا وهو أول فيلم عربي يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان كان، ويرى أن هذه السينما تتميز بخاصية اعادة تفسير حرب التحرير باعتبارها مرحلة نحو التحرر الاجتماعي، والتحليل الاجتماعي بنظرة علمية للمجتمع وحركته لفضح الاقطاع والبيروقراطية.. وفي دراسته عن قضية المرأة في سينما العالم الثالث، يرى الناقد مصطفى درويش أن السينما المصرية المعاصرة في عرضها لقضايا المرأة ومشاكلها تنحصر أدوار المرأة فيها ـ بغض النظر عن الموقع الذي تشغله في الحياة الاجتماعية، أولا وقبل كل شئ في إطار علاقتها بالرجل يتنقل وفي المقابل يختار فيلمين من بلدين ناميين.. من كوبا فيلم «لوسيا» 1968 للمخرج أومبرتو سولاس، ومن تركيا فيلم «الطريق» للمخرج يلماز جونيه، يحلل كل فيلم بالتفصيل لينتهي بأنهما لا يقدمان أنماطا تقليدية للمرأة ويتصديان لقضية المرأة من أرضية ادراك ثوري ووعي ناضج بأبعاد القضية التي لا يمكن فصلها عن مجموعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. في المقالات التالية يتنقل درويش مع الظروف وحسب مشاهداته بين الأفلام المصرية والأجنبية، يعرض أحيانا لأكثر من فيلم وأكثر من حدث في المقال الواحد في محاولة تغطية شهرية للعروض والفعاليات السينمائية المهمة. القاهرة ـ فوزي سليمان: