حكاية طويلة تمتد لـ55 عاماً يحتفظ بها الفيلم العربي مع جائزة الأوسكار التي لا تزال حلماً يراود صناع الفيلم العربي، الذين دأبوا منذ 1958 وحتى الآن على تكرار محاولات الوصول إلى منصتها، بدأت مع المخرج المصري يوسف شاهين بفيلمه "باب الحديد"، لتظل الجائزة طوال السنوات الماضية عصية على الفيلم العربي، باستثناء محاولات الفلسطيني هاني أبو أسعد ومواطنيه إيليا سليمان وعماد برناط، الذين وصلوا إلى تصفياتها النهائية دون الحصول عليها.

عدم وصول العرب إلى الأوسكار، يعكس سؤالاً ملحاً في ذهن المتابع لإنتاج السينما العربية، لاسيما وأن معظم الأفلام العربية التي تقدمت للأوسكار منذ 1958 وحتى الآن وتجاوزت 45 فيلماً، تعد مهمة، وسنجد أن نحو 15 فيلماً منها، وردت ضمن قائمة أفضل 100 فيلم عربي التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي العام الجاري.

7 أسباب على الأقل من بينها سياسية وأخرى فنية وتقنية وبعضها يرتبط بعملية الاختيار والتوزيع والتكلفة العالية، تقف وراء عدم تأهل الفيلم العربي للأوسكار، بحسب ما خلصت إليه الآراء التي استطلعتها "البيان"، واتفقت على أن الفيلم العربي قطع مرحلة الترشح للأوسكار، مستندة إلى ما حققه فيلم "الجنة الآن" في 2006 من اختراق للأوسكار بوصوله إلى باقة الخمسة الأخيرة، ومن قبله فيلم ايليا سليمان "يد إلهية" الذي حرم الجائزة لأسباب سياسية، وتجارب الجزائري رشيد بو شارب التي اعتبرتها أكاديمية العلوم والفنون السينمائية غير عربية.

تطوير الإنتاج

تحديد الفائز بالأوسكار، يظل أمراً مرتبطاً بطبيعة لجان تحكيم الجائزة واختياراتها الذين يعملون في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية الأميركية، وهو أمر ذكره الناقد والمخرج السينمائي العراقي عرفان رشيد، حيث قال: "علينا أن ندرك أن الفوز بالأوسكار هو عملية مرتبطة في لجان تحكيم الأكاديمية ووفق اختياراتهم، وبالتالي فالأمر لا علاقة له بكون الفيلم عربياً أو غير ذلك، لا سيما وأن الفيلم العربي سبق له الوصول إلى باقة الخمسة الأخيرة، وبتقديري أن المهم هو حاجتنا للتفكير في كيفية تطوير الانتاج العربي قبل التفكير في كيفية الحصول على الأوسكار، فحتى الآن لا تتوفر كافة المقومات التي تعزز وصوله إلى الأوسكار سواء من طرفنا أو من طرف الذين يرشحون الأفلام لباقة الخمسة الأخيرة".

وأشار رشيد إلى أن الدور الذي تلعبه شركات الانتاج للارتقاء بصناعة الأفلام، لا شك فيه، مع ملاحظة أن دورها يقل حال الترشح للأوسكار.

وقال: "فيلم "الانفصال" للإيراني أصغر فرهادي، الفائز في أوسكار الـ84، لا يتميز بشيء عن الأفلام العربية، ما يقودنا إلى أن عمليات الاختيار ومنح الجائزة أحيانا تستدعي اعتبارات أخرى خارجة عن النطاق السينمائي والفني، تكون أحيانا سياسية، كما كان يحدث أحياناً مع الأفلام المعارضة للنظام الشيوعي، التي كانت تحظى برصيد عال وتأهيل للفوز بالجوائز".

ويرى الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي أن الفيلم العربي وصل إلى شفير الفوز بالجائزة، وقال: "تمكن الفيلم العربي من الوصول للأوسكار، كما حدث مع "الجنة الآن" للمخرج هاني أبو أسعد، الذي وصل إلى المرحلة الأخيرة من ترشيحات النقاد، وهذا يعطينا أملاً في أن الفيلم العربي ليس بعيداً عن منصة الجائزة، ولكن الأهم هو حاجتنا إلى تفعيل دورنا في دعم السينما العربية للارتقاء بإنتاجها وأفلامها، وهو جزء تتحمله شركات الانتاج والتوزيع والقائمون على الفيلم نفسه".

واعتبر أن محاكاة العالم الغربي تظل نوعاً من الضعف، وقال: "أعتقد أننا بحاجة إلى جائزة عربية موحدة، ولا يجدر بنا تسميتها "الأوسكار"، وأجد في هذه المحاكاة نوعاً من الضعف". وأشار إلى أن ما تحتفظ به المنطقة العربية من مهرجانات سينمائية، هو ما نحتاجه للارتقاء بالسينما العربية وانتاجها أكثر من الأوسكار التي تحتفظ بقيمة معنوية عالية فقط.

دفعة قوية

ولكن السؤال، هل يمكن أن يشكل الفوز بالأوسكار دفعة قوية للفيلم العربي نحو الأمام؟ وعن ذلك أجاب الناقد السينمائي السوري زياد عبد الله، قائلاً: "بلا شك أن ذلك يمنحه دفعة قوية ولكنه لا يعتبر مؤشراً على تحقيق السينما العربية لقفزة نوعية". مضيفاً: "لا يمكن انكار وجود أفلام عربية ترشحت للأوسكار كفيلم "الجنة الآن" (2006) الذي قطع شوطاً جيداً في مشوار الأوسكار، ولا أعرف إن كان بالإمكان اعتبار وصول فيلم اسكندر قبطي "عجمي" في 2010 إلى الأوسكار مُنجزاً عربياً، لاسيما وأننا نتحدث عن مخرج عربي يشاركه الإخراج الاسرائيلي بارون شاني".

وتابع: "وصول أي فيلم عربي إلى الأوسكار قد يعني شيئاً للصناعة السينمائية العربية، ولكن ذلك لا يعد مؤشراً على أننا بصدد تحقيق انعطافة تاريخية! ونيل فيلم عربي الأوسكار لن يكون في النهاية إلا "حالة" قد لا تعني إلا الاحتفاء و"السلام"، ما لم تترافق مع ظهور تيارات سينمائية". عبد الله ذهب بعيداً نحو المطالبة بضرورة تأسيس أكاديمية فنون سينمائية عربية، أولاً قبل الوصول للأوسكار.

مستوى تقني وفني

الناقد الفلسطيني بشار ابراهيم، بدا متفقاً مع الآراء الأخرى، مرجعاً السبب إلى انخفاض مستوى غالبية الأفلام العربية فنياً وتقنياً، وعدم قدرتها على المنافسة، حتى مع أفلام قادمة من دول فقيرة. ووجود مشكلة التسويق والتوزيع، مشيراً إلى أن غالبية الأفلام العربية لا تجد طريقها إلى صالات العرض، والأسواق السينمائية، حتى العربية منها، وبالتالي افتقادها إلى توفير الشروط المناسبة لدخول المنافسة على الأوسكار.

وقال: "من المؤسف أن كثيراً من الأفلام العربية لا تزال تفتقد كثيراً من أبجديات الفن السينمائي، لتتحوّل إلى مجرد راوٍ بالصور لحكايات تفتقد الاتقان في كتابة السيناريو، وبناء الشخصيات، ومعالجة الأحداث، وتطوّرها، ولم تبحر في أعماق السينما، بينما قطعت السينما العالمية قرناً ويزيد، وراكمت منجزات إبداعية ونظرية، وحققت قفزات هائلة على المستويات الفنية والتقنية"، معتبراً أن المرور إلى الأوسكار يكون من بوابة صالات العرض، على خلاف ما يحدث في منطقتنا العربية، وقال: "أعتقد أن المسألة ليست في وجود جائزة عربية على غرار الأوسكار.

فما لدينا من جوائز يتفوق بقيمته المادية على جوائز العالم كافة، ولكن الفارق الجوهري، بين هنا وهناك، أن المرور إلى المنافسة على الأوسكار يتمّ من بوابات صالات العرض، فلا يمكن لفيلم لم يتم عرضه خلال العام التقدم للمنافسة على الأوسكار، وبالتالي فكل الأفلام المؤهلة للفوز سبق للجمهور مشاهدتها، وتناولتها الصحافة، بينما غالبية الأفلام التي تفوز بالجوائز العربية لم يسبق أن مرّت بصالات العرض، وغالبيتها لا يمرّ بها حتى بعد فوزه".

سينما حقيقية

الاتفاق على أن الفيلم العربي قطع شوطاً جيداً في أروقة الأوسكار، أصاب رأي المخرجة اللبنانية زينة صفير أيضاً، والتي أشارت إلى أفلام المخرج الجزائري رشيد بو شارب (فيلم خارج عن القانون)، وفيلم اللبنانية نادين لبكي "هلأ لويّن" والذي وصلت تقديرات النقاد أن موسيقاه التصويرية قد ترشحه للأوسكار، وقالت: "يجب أن نتذكر دائماً بأن الأوسكار تبقى جائزة تمنح في أميركا وبالتالي فهي تخضع لشروطهم، ولذلك نجد أن الفيلم الأميركي يجد دائماً اهتماماً عالياً من جهة موزعه.

ورغم ايماني بأنه لا يجدر بنا تحميل كامل المسؤولية لشركات التوزيع العربية، الا أنها تبقى متحملة الجزء الأكبر في عملية توزيع الفيلم العربي وتأهيله ودعمه مادياً ومعنوياً، كما يحدث في الغرب، لأن ذلك يقود إلى دعم السينما العربية عموماً ويرتقي بمستواها".

وعزت المخرجة التونسية ايمان بن حسين السبب إلى طبيعة اختيارات لجان تحكيم الأوسكار، وقالت: "لا شيء ينقصنا كعرب للحصول على الأوسكار، خاصة وأن الفيلم العربي نجح في التربع على منصات المهرجانات السينمائية العالمية، وبالتالي فالسبب يعود أولاً إلى خلوه من مواصفات الأوسكار، وثانياً طبيعة لجان التحكيم التي ترى بأنه لا يستحق الفوز بالأوسكار، لعدم قدرته على حمل الجائزة". وأكدت ايمان أن شركات الانتاج العربية تتحمل جزءاً من هذا الضعف، لا سيما وأنها قدمت في السنوات الأخيرة أفلاماً تجارية ضعيفة في مضمونها ومستواها الفني والتقني.

 

400 ألف دولار لدخول ماراثون الأوسكار

المخرج المصري يسري نصر الله الذي ترأس أخيراً لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية في دورة مهرجان دبي السينمائي العاشرة، أشار إلى أن كلفة الأوسكار العالية، والأسباب السياسية تلعب دوراً مهماً في تحديد فوز الفيلم، وقال: حتى نكون واقعيين، الأوسكار مكلف جداً، والدخول إليه مغامرة كبيرة ويتطلب ميزانية لا تقل عن 400 ألف دولار، لأنه يتعين على صاحب الفيلم خوض حملة ترويجية وسط أعضاء الأكاديمية، الى جانب تحقيق شروط الأكاديمية الأخرى، حتى يتمكن من الدخول في سباق الترشيحات، وبالنسبة لي أفضّل استخدام هذه الأموال في صناعة فيلم جديد، بدلاً من خوض مغامرة لا أعرف طبيعة نتائجها.

وضرب مثلاً بفيلمه "باب الشمس" (2005) الذي عرض في مهرجان نيويورك السينمائي، وكتبت عنه صحيفة "نيويورك تايمز"، واختارته مجلة "تايم" كواحد من أفضل الأفلام في 2005، وقال: برغم كل ما حققه الفيلم من ضجة لم يتبناه أي موزع حول العالم، سواء لأسباب سياسية أو لطوله أو غير ذلك، ولكن ذلك لم ينقص شيئاً من جودة الفيلم.

 

فلسطين تخترق حواجز الأوسكار

شكّل وصول المخرج الفلسطيني إيليا سليمان بفيلمه "يد إلهية" في 2002 الى التصفيات قبل النهائية، حادثة مهمة في تاريخ الأوسكار، حيث كاد يصل للترشح كأول فيلم عربي حقيقي، غير أنه تعرض لضغط من اللوبي الصهيوني في أميركا، دفع بعدم إمكانية ترشحه لعدم وجود دولة تسمى فلسطين، ونجحوا بإقصائه، رغم التقدير الكبير الذي حاز عليه الفيلم دولياً، فيما تمكن فيلم "الجنة الآن" للمخرج هاني أبو اسعد في 2006 من الترشح كأول فيلم عربي في تاريخ الأوسكار، رغم الغضب الصهيوني، وقدم كفيلم للسلطة الفلسطينية.

وفي السياق نفسه، نجح فيلم "خمس كاميرات محطمة" في 2012 بالترشح، ضمن جائزة أفضل فيلم وثائقي، وقبيل الحفل تعرض مخرجه عماد برناط للتوقيف في مطار لوس أنجليس، ولم ينقذه سوى المخرج الأميركي مايكل مور، الذي تدخل لدى الأكاديمية لتقوم باتصالاتها للسماح لعماد بالدخول، وهذا العام تمكن فيلم "عُمر" لهاني أبو أسعد من اجتياز المرحلة الأولى في الترشيحات، ليدخل قائمة التسعة، على أن تعلن الأسماء الخمسة المرشحة للفوز بالجائزة في 16 يناير المقبل.

 

سحر الأفلام العربية

سحر الأفلام العربية فتن المخرج الايرلندي جيم شيريدان الذي اشتهر في أميركا بأنه "سيد رواة القصة". شيرايدن الذي ترأس أخيراً لجنة تحكيم الأفلام العربية الروائية في دورة مهرجان دبي السينمائي العاشرة، أشار إلى أن محدودية الفئات التي يترشح لها الفيلم العربي في الأوسكار، تقف وراء عدم تمكنه من الحصول عليه، مضيفاً: "رغم ايماني بقدرة الفيلم العربي على الوصول للأوسكار، الا أنه يتوجب علينا الاتفاق على أنه يواجه منافسة كبيرة في الأوسكار من قبل سينمات العالم الأخرى كونه يترشح فقط لفئة واحدة، وهي أفضل فيلم أجنبي، على خلاف ما يحدث مع الأفلام الأميركية أو الناطقة بالإنجليزية التي تجد أمامها متسعاً من الفئات التي تمكّنها من خوض ماراثون الأوسكار بسلاسة".

شيرايدن الذي ابدى إعجابه بفيلمي "وجدة"، و"عمر"، أشار إلى أن الأفلام العربية تمتلك إثارة غير عادية، وقال: "شاهدت أفلاماً عربية كثيرة حول العائلة والمرأة العربية، وتتطرق إلى السياسة وغيرها، ما يجعل منها أفلاماً جميلة جداً، نابعة من ثقافات عربية مختلفة، وجدت فيها فرصة لفهم هذه الثقافات بتفاصيلها واختلافاته

 

378

لا تزال مصر متربعة على عرش الإنتاج السينمائي العربي. وبحسب الاحصائيات الصادرة عن مهرجان كان السينمائي بالتعاون مع مهرجان دبي السينمائي، فقد انتجت مصر 378 فيلماً بين 2002 و2011، فيما وصل عدد الأفلام المنتجة في 2012 فقط إلى 25 فيلماً، وهو أقل من العدد الذي أنتج في 2011 والذي بلغ 33 فيلماً، علماً بأن مصر تضم أكثر من 200 شركة انتاج عاملة فيها.

 

18

أنتجت المغرب خلال 2012 فقط 18 فيلماً، اثنان منا جاءا في المرتبتين الأولى والثانية في شباك التذاكر من حيث أعداد الحضور، متفوقيّن بذلك على أفلام ضخمة مثل "سكاي فول" و"مهمة مستحيلة 4"، وتفيد الاحصائيات بأن مركز السينما المغربي عزز الصناعة الوطنية في السنوات الأخيرة، حيث خصص 6.5 ملايين دولار أميركي للإنتاج المحلي والعرض في 2012.

 

شروط الترشيح

بحسب شروط أكاديمية العلوم والفنون السينمائية لدخول أي فيلم أجنبي إلى ماراثون الأوسكار، يجب ألا تقل مدته عن 40 دقيقة، وأن يكون قد عرض في إحدى صالات لوس انجليس، كما يجب أن يكون قد عرض في إحدى صالات بلده الأصلية، وأن يكون الفيلم مصوراً على 35 ملم، وأن تتناوله الصحافة.