ترعرع فاسوديو سانتو غايتوند، في ما كان يعرف حينها ببومباي، وارتاد مدرسة الفنون هناك، وتخرج عام 1950، أي بعد ثلاثة أعوام من حصول الهند على استقلالها. كانت تلك فترة اندفاع وتشويش بالنسبة للرسامين الهنود الشباب، إلا أن إبداعات غاينتود، في مهنة استمرت نحو نصف قرن من الزمان، ضمها متحف غوغنهايهم في نيويورك، في معرض حمل عنوان «فاسوديو سانتو غايتوند: الرسم كصيرورة، الرسم أسلوب حياة».
الجدلية المتناقضة
ينبغي على كل من يقوم بزيارة معرض «فاسوديو سانتو غايتوند: الرسم كصيرورة، الرسم أسلوب حياة»، أن يحفظ هذه الجدلية المتناقضة، بما يكفي ليتمكن من فهم كيفية عمل المحازبين لها. ثم يتعين عليه أن يضعها جانباً، ويستسلم بكليته لبعض أكثر اللوحات التجريدية سحراً وجاذبية في نيويورك، اليوم. إنها أعمال رسام القرن العشرين فاسوديو سانتو غايتوند، الهندي الحداثي الذي اتجه بمخيلته غرباً وشرقاً، ومحلياً، وروحياً ليبتكر نسخةً شخصانية خالصة، عابرة للثقافات، وهوية أكسبت صاحبها مكانةً أسطورية في بلاده، ودفعته إلى قمة أصحاب الأعمال المدرجة على لائحة المزايدات.
تجربة غنية
انقسم معظم الرسامين التشكيليين الهنود في اصطفافات سطرت جانبي المعادلة، إلا أن غايتوند المهتم الدائم بالفن القديم والحديث، سعى إلى التوليف بينهما. واتخذ لنفسه مكاناً بين مجموعة رسامي بومباي، المعروفين بإعجابهم القديم، ومحاكاتهم لأعمال شخصيات فنية أوروبية، من أمثال بيكاسو، وتميزوا في الوقت ذاته، بانسجامهم مع التيارات العالمية.
وهكذا انغمس غايتوند في دراسة النماذج المصغرة من الأعمال الهندوسية، واليابانية، والمغولية، وحرص على نسخ وتشريح صورها الروائية، في تجربة تدريب ذاتي أكسبته غنىً في تعلم استعمال الألوان كعنصر تعبير مستقل، وتفتيت الهيئات التمثيلية وصولاً إلى عمقها التجريدي. وأظهر بذلك حقيقة تاريخية مهمة مفادها أن الرسم الهندي، لطالما كان، في الأساس متمحوراً حول التجريد، كطريقة جمالية، لطالما ادعت الحداثة الغربية أنها من ابتكارها.
إلا أن مجهود غايتوند العظيم اختزل في المتحف، بحذف لوحات تبدو «هندية» على وجه التحديد، في خطوة تجعل الرسام ينساب بسلاسة في مشهدية الحداثة التي يهوى غوغنهايم تصويرها. كما أن المعرض بتصويره لوحات غايتوند الناضجة منزوعة من إطارها التطوري، يعزز على نحو غير مجدٍ نشر أجواء من الغموض حول الرسام، وجعله يبدو أشبه بظاهرة منعزلة داخل ثقافة جنوب آسيا، كعبقري وحيد.
التقييم بمعيارين
أفادت صحيفة «هيرالد تريبيون» البريطانية، في تقرير نشر أخيراً، أن العديد من رسامي الغرب التجريديين في مطلع القرن العشرين قد تأثروا كثيراً بالفلسفة والفنون الآسيوية، ولم يصنفهم أحد عندئذٍ بالمستشرقين. وشكل توجههم العالمي نقطةً في صالحهم. وفي المقابل، كان الرسامون الآسيويون، إذا ما أبدوا تأثرهم بالنماذج الغربية، يتم ازدراء أعمالهم بحكم الثانوية، وغير الأصلية.
ضغوط سياسية
تأثر الفنانون الهنود الشباب بالاستقلال، فشعروا من جهة، وهم المشبعون بروح التحرير، بضغوط تدفعهم للتفكير والتصرف على نحو عالمي. وطالبتهم القوى السياسية الوطنية، في الوقت عينه، بتحويل اهتماماتهم إلى تاريخ وتقاليد جنوب آسيا. وساهمت تلك الضغوط في صياغة مفهوم الحداثة المحلية المركب، التي سبق أن شقت طريقها إلى النور فاتخذت شكلها المتعجل.