تعد اللغة العربية امتدادا لواقع وقوة إعلامنا الذي يتميز باستخدامه لأقدس وأجلّ اللغات على وجه الأرض، حيث استطاع الإعلام العربي في بدايات نشأته التخلص من نظام الاستعباد والاستعمار الثقافي الذي أحاط به في ذلك الوقت، فكان للغة الضاد الفضل الكبير في نهوض إعلام مستقل وواعد شكل مصدرا من مصادر الفكر والتوعية لشريحة كبيرة من قطاع المثقفين في المجتمعات العربية؛ بل وأشاد به العديد من المفكرين والمستشرقين بفضل إسهاماته في البناء والتطوير الذي كان الإنسان العربي بحاجة ماسة له بعد سنوات من الدمار المعرفي الذي خلفته الحروب الاستعمارية والاستبدادية.

مخلفات الاستعمار

كان لزاما على رواد الإعلام العربي تطوير أركان وقوام الفنون الصحفية والإعلامية في ظل التأثير الكبير والاعتماد المتزايد على وسائله وقنواته المتعددة، حيث ظهر لنا في وقت من الأوقات بعض المتخصصين الذين استماتوا لربط عناصر اللغة الإعلامية باللغة العربية، سعيا منهم لإحداث تأثير أكبر في ساحة الوطن العربي، باعتبار تعدد اللهجات واختلاف أواصر الحديث بين العرب بسبب العجمية التي خلفتها الاستعمارات الثقافية والفكرية، ونذكر هنا على سبيل المثال مصر التي شهدت استعمارا فرنسيا وبلاد الشام التي اجتاحها الاستعمار العثماني وغيره من الدول التي طمست هويتها الحقيقية مما شكل تهديدا على ترابط الأمة وتوحدها، حيث أصبح السبيل الوحيد لجمع هذا الشتات هو استخدام الأدوات الإعلامية للوصول لنطاق أكبر من أفراد المجتمعات العربية، فكان القاسم المشترك بينهم هو اللغة العربية التي أجادت وبامتياز كبير في تحقيق ما كان الإعلام العربي يرموا من أجله.

تأثير الوسائل الحديثة

مع تطور قنوات ووسائل الإعلام بشكل عام وتعدد مجالاتها واستخداماتها وتوفرها بين عامة الناس وسهول الوصول إليه، أصبح الحفاظ على دور اللغة العربية الفصحى بها عاملا صعبا لا يستهان به إطلاقا، خصوصا بعد ظهور شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنلوجيا والتقنيات الحديثة بشكل كبير بين اهتمامات الأجيال المتتالية، فقد شكلت اللغة العامية المكسرة والمفردات الأعجمية الدخيلة حيزا كبيرا في نطاق منافذ الاستعمالات الإعلامية سواء أكانت المرئية أم المسموعة أم المقروءة، فلا ننكر هنا أن للغة العامية أهمية لدى بعض شرائح المجتمع غير المتعلمة في فهم ما تسير عليه مجريات أوضاع العالم، إلا أن ذلك يجب ألا يتجاوز نطاق المعقول خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تفشي استخدامها بشكل قد يسبب في تراجع مستوى النهوض بقوام اللغة العربية الفصحى التي تعد لغة رسمية في مجال الاتصالات الدولية بالعالم العربي.

الأخطاء الشائعة

أدى طغيان اللغة العامية في الكثير من برامج وسياسات المواد الإعلامية إلى تفشي وكثرة الأخطاء الشائعة في الرسائل الإعلامية، فمنها ما كان نحويا أدى إلى اللحن المبالغ فيه عند نشر وإذاعة المواد الإخبارية على المستويين المرئي والمسموع، ومنها ما كان لغويا أسهم في انتشار الكثير من المفردات والمصطلحات المخطئة، وهذا ما نجده في كتابات ومراسلات الصحفيين والكتاب بالصحف والمجلات والدوريات التي نتصفحها، فالكثير من الكلمات التي تم إدراجها لا تمت بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد بالمعنى المراد توصيله، والعديد من العبارات التي لاحظنا عدولها عن المعنى الصحيح للاستخدام القرآني الفصيح الذي يعد وعاء اللغة العربية، لهذا ومع توالي الانتقادات وتعاظم الأخطاء والضعف الذي أصاب الإعلامين في استخدام أواصر اللغة العربية، أصبح من الضرورة بمكان استقدام مدققين لغويين لجميع المؤسسات الإعلامية لتصحيح ما ينتج ويبث بواسطة الإعلام، فالسؤال الذي يستحق طرحه في هذا المقام، ما مدى أهمية اللغة العربية لدى الإعلام كمؤسسة وأفراد بالنسبة لاهتمامهم الكبير بالجانب التقني والفني لمتطلبات الإعلام؟

كيانها باق ولكن ..

لا يختلف اثنان على أن اللغة العربية باقية ببقاء العنصر البشري في هذه المعمورة مصداقا لقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، بل وأنها لغة تواصل أهل الجنة وسكانها وهذا فخر واعتزاز ليس بعده ما هو أعظم منه لهذه اللغة، ولكن لابد من العناية والاهتمام بها في شتى مجالات الحياة؛ ويجب أن يكن للإعلام دور بارز في نشر أهميتها بدأ من أن يمارسها هو بالشكل الأمثل، فاللغة كما عرفتها المعاجم هي الوسيلة التي تعكس عن الفكر وتعبر عن الآراء والأداة التي تجيد تبادل العادات والتقاليد والثقافات الرصينة.