- لغتنا الأم تزداد صمــوداً في مهب العولمة (PDF)

تحتفل «البيان» عبر هذا الملف، باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبرمن كل عام ، وهو يوم اتخذت فيه لغتنا الأم مكاناتها المستحقة بين اللغات العالمية الست الحية المستخدمة رسمياً في قاعات وأروقة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها.

وهو يوم لا بد يذكرنا بمسؤولياتنا تجاهها، في زمان هيمنة العقوق والاستلاب الثقافي، وقد عم الدنيا لصالح اللغة الإنجليزية بوصفها وحدها لغة العلم والفن والأدب والتخاطب، في مخيلة البعض.

وفي المناسبة، لا بد من جردة حساب تستجلي وتستعرض ما أهملنا وما قصرنا فيه، وأيضاً ما حققناه تجاه بنت عدنان التي خلواً عنها لا تبقى لنا حضارة ولا ثقافة ولا هوية، بوصف اللغة مستودعاً وحاملاً مؤتمناً على المنجز المعرفي والإبداعي الحضاري.

حتماً، كلنا مسؤول بدرجة ما، بدءاً من المستوى الفردي مروراً بالأسرة وحتى المجتمع والأمة عن ازدراء هذه اللغة العظيمة وجحود بعض ابنائها تجاهها، ولذلك فإن لكلنا دوراً، بل أدواراً ينبغي الوفاء بها فوراً من باب البر تجاه لغة كرمها الله تعالى أيما تكريم.

ولعل من تجليات الشعور بالمسؤولية والقيام بالواجب، ما قدمته الإمارات من جهود مهمة، تجيء في صدارتها جائزة محمد بن راشد للغة العربية تشجيعاً ودعماً لجهود تعزيز مكانة هذه اللغة العزيزة وغيرها من خطوات نوعية. ولكن يبقى الشعور بالتقصير مطلوباً باستمرار، وهو من باب الوفاء والإخلاص وطلب المزيد من المكاسب.

وفي هذا اليوم نستذكر جوانب من عبقرية هذه اللغة وخصائصها وجانباً من شجونها وما لها وما علينا تجاهها، وفي هذا السياق سنبدأ بمنجزات معاصرة لا تزال تنبض بالحيوية والتأثير الإيجابي الفعال:

فلقد كان إطلاق ميثاق للّغة العربية من المبادرات الإماراتية التي تحمل في طيّاتها بُعداً مميّزاً يتضمّن ارتباطاً بالهويّة العربيّة، وقد تلا ذلك إطلاق تقرير «العربيّة لغة حياة»، والذي يركّز على الجوانب العمليّة لإعادة صياغة مفهوم تعلم اللّغة العربيّة بأسلوب مبسّط وواقعي. وقد كان هدف التقرير تقديم خارطة طريق للعاملين في مجال تعليم اللّغة العربيّة للنّهوض بمناهجها وطرائق تدريسها وتقييمها، إضافة إلى تشجيع ثقافة التّعلّم والقراءة باللّغة العربيّة.

جائزة محمد بن راشد

هي أرفع تقديرٍ معاصر لجهود العاملين في ميدان اللّغة العربيّة أفراداً ومؤسّسات، وتندرج في سياق المبادرات التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، للنّهوض باللّغة العربيّة ونشرها واستخدامها في الحياة العامة، وتسهيل تعلّمها وتعليمها، إضافة إلى تعزيز مكانة اللّغة العربيّة وتشجيع العاملين على نهضتها.

ومن أهم أهداف الجائزة: تكريس مكانة دولة الإمارات وموقعها كمركز للامتياز باللّغة العربيّة، وتكريم المبدعين في استعمال اللّغة العربيّة من أجل تطوير التّعريب والتّعليم والتكنولوجيا والإعلام والتّخطيط والفكر اللّغوي، ومن أهدافها إبراز المبادرات النّاجحة في فئات الجائزة المختلفة لتمكين العاملين في ميدان اللّغة العربيّة من الاستفادة منها.

مبادرة «بالعربي»

يقول العضو المنتدب لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، جمال بن حويرب، إن المؤسسة أطلقت مبادرة (بالعربي) بهدف محاولة تغيير الصورة النمطية عن اللغة العربية، وإثبات أنها لغة عالمية وحيوية، وتشجيع العرب على استخدام لغتهم الأم عبر الإنترنت، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي. وأضاف أن المبادرة تهدف كذلك إلى التنبيه بشأن الفجوة الكبيرة بين عدد المستخدمين العرب والمحتوى العربي في الإنترنت، والإسهام في التقليل من هذه الفجوة، هذا إلى جانب زيادة التعرض للمواقع أو التطبيقات التي تدعم العربية، وزيادة ردود الفعل والكشف عن الأخطاء للنسخة العربية من تلك المواقع.

وتنص فكرة مبادرة «بالعربي» على قيام جميع مستخدمي الإنترنت ممن يتحدثون العربية، لغة أولى أو ثانية، أو حتى الأشخاص المهتمين باللغات باستخدام اللغة العربية في جميع صور وأشكال التواصل عبر الإنترنت.

ولما كانت جهود خدمة لغتنا الأم وتوفير اسباب عزتها قد بدأت منذ قرون، فإنه وفي هذا اليوم لابد من توجيه التحية لمثابرات رموز الثقافة العربية عبر التاريخ، خاصة الذين انفقوا جهودا مضاعفة واستثنائية في سبيل نصرة "بنت عدنان" ويأتي في مقدمتهم أبو الأسود الدؤلي، أول من وضع النقط فوق حروف الصحف الشريف ومؤسس علم النحو، الذي تبعه سيبويه بإسهاماته المميزة في تأسيس قواعد اللغة وهو من تتلمذ على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي وضع معجم"العين" أول قاموس لغوي بجانب اكتشافه علم العروض الشعري.

كما نذكر عبد القاهر الجرجاني صاحب " دلائل الإعجاز" وكتاب" أسرار البلاغة" مؤسسا به هذا العلم العظيم، وسوف لن نغفل قط اسهامات الجاحظ مؤسس المنهجية في نقد الأدب ، وابن جني الناقد وفقيه اللغة، ومن الشعراء الذين احتفوا بجماليات الفصحى واشاعوها بين الناس سنظل نذكر بالفضل أبا الطيب المتنبي وجرير والفرزدق وأبا تمام وقبلهم اصحاب المعلقات السبع التي كتبت بماء الذهب وعلقت على استار الكعبة وغيرهم كثير.