إذا قالت حذامِ فصدّقوها، فإن القول ما قالت حذامِ، ونحن هنا لا نتكهن، ولا نمتطي خيالاً حين نقول إن العام 2029م هو الموعد، الذي يختلف ما قبله عما بعده، الموعد المضروب من جانب «غوغل» ليتجاوز الروبوت بذكائه الصناعي قدرات ومواهب أذكى إنسان يمشي على ظهر الأرض، هكذا قولاً واحداً، وما أدراك ما «غوغل»؟ هل خيب ظن سائل قط، حتى ولو كان يبحث عن نفسه؟!

معنى تجاوز الآلة الذكية لعقل الإنسان، يعني كل ما نتخيله وما لا نتخيله، ما دام ذكاؤنا سيتقاصر يومذاك عما يفكر فيه أي روبوت مجهول الحسب والنسب قابع فقط في زاوية ما من هذا العالم.

أتذكرون؟.. فلقد كتبنا ههنا من قبل، أن عقل الإنسان قد انسحب من المستقبل بملء إرادته، وعن طيب خاطر، مفوضاً أمره إلى الآلة الأشد ذكاءً وصبراً وتحملاً.

وما مرد اهتمامنا المتعاظم بتتبع منجزات وتطورات العلوم التقنية، إلا لأن مفهوم الثقافة نفسه قد طرقه التطوير بفعل الأمر الواقع، جراء هذه المعارف المستجدة، فبات المثقف الجديد هو المستوعب لمعطياتها والمواكب لإجراءاتها متفاعلاً مع شروطها وموجباتها لكي يبقى جزءاً من عصره ومجتمعه المتطور بجنون، فلا مندوحة عن ذلك البتة، اللهم إلا إذا اختار المرء لنفسه الغيبوبة.

واليوم نفتح صفحة إضافية من ملف مصير عقل الإنسان ومصيره، عبر تناول أحدث ما يعكف عليه العلماء من محاولات لتحكيم الحاسوب وتسييده على بني آدم، حيث بلغ بهم الأمر حد تمكينه من الإبداع الأدبي، بشتى أجناسه، شعراً، وقصة ورواية، وهذا هو موضوعنا اليوم.

كيف فعلها الحاسوب؟

تقول الأنباء بصريح العبارات: الوقت حان، لإضافة خيار «الروائي» ضمن قائمة المهام المنفذة بواسطة برامج الحاسوب فائقة الذكاء، حيث تمكن الذكاء الصناعي من تأليف قصة قصيرة وصلت لمراحل متقدمة بمسابقة أدبية في اليابان العام الماضي. لم يكن البرنامج على مقربة من تحقيق الجائزة الكبرى، لكن الذي حققه ليس بالأمر السيئ، فهو بداية طريق جديد لمجال الذكاء الصناعي.

إن برنامج الذكاء الصناعي هذا ليس مدركاً لنفسه حتى الآن، بالتالي فهو ليس قادراً على التفكير وتأليف عمل أدبي بنفسه، ولكن تمت كتابة الرواية بإيعاز ومساعدة فريق من الباحثين من جامعة FHU في اليابان أعدوا سيناريو لذلك. فماذا حدث بالضبط؟..

نجاح واعد

نجح أحد العملين الأدبيين المنجزين اللذين قدمتهما الجامعة من عبور الجولة الأولى من مسابقة حفل نيكي شينيتشي هوشي لتوزيع الجوائز الأدبية. كانت مسابقة فريدة من نوعها حيث إنها تقبل مشاركات من أطراف غير بشرية، وسمي يوم المسابقة بـ (اليوم الذي تم فيه كتابة رواية من قبل حاسوب).

من بين أكثر من 1450 رواية قبلت هذا العام، كان 11 منها مكتوباً بمشاركة برامج ذكاء صنعي ويتم الحكم عبر أربع مراحل، حيث لا يتم إبلاغ الحكام بما هي الروايات التي كتبت بواسطة أشخاص وأي أشخاص وأي منها كتبت بواسطة برامج الذكاء الصناعي.

وقال كاتب روايات الخيال العلمي ساتوشي هاسي والمشارك في المسابقة: «إن الكتب المكتوبة بواسطة الذكاء الصناعي والتي شاركت في المسابقة كانت منظومة بشكل جيد، ولكنها عانت من بعض المشكلات، مثل كيفية وصف الشخصيات».

ويقول هيتوشي ماتسوبارا الذي قاد فريقاً من الباحثين في جامعة FHU: «حتى الآن، غالباً ما تستخدم برامج الذكاء الصناعي في حل المشكلات التي لها إجابات، مثل لعبة الغو ولعبة الشوجي. وفي المستقبل أود أن تتسع دائرة قدرات الذكاء الصناعي لتصبح شبيهة بالإبداع الإنساني».

الخُطب السياسية هي هدف آخر للكتابات الروبوتية المقبلة، حيث إنها تميل إلى اتباع نمط مألوف مع تكرار في العبارات والمواضيع المطروحة.

وكما هو الوضع دائماً فإن قاعدة البيانات التي يعتمد عليها الذكاء الصناعي تعد مسألة بالغة الأهمية، وهي قد باتت تحت السيطرة من خلال سلسلة البيانات النوعية المنتقاة التي تتم تغذيتها لتحقيق النتائج المرسومة، التي هي في مصلحة الإنسان على المدى القصير والمتوسط، وأما على المدى الطويل فالله وحده يعلم..

ولكن الأدباء بدأوا يتذمرون ويعبرون عن قلقهم من الخطوة التي سوف تسحب البساط من تحت أقدامهم شيئاً فشيئاً، حتى التلاشي، وحتى لا يعود للحديث عن عباقرة البشر معنى بعد الآن، فماذا يقول المثقفون في حفل العزاء هذا.

عادي ولا مفر

الأديبة د. مريم الشناصي، رئيس جمعية الناشرين الإماراتيين تقول بعقلانية مستسلمة للأمر الواقع:

من حيث المبدأ فإنه ليس أمامنا إلا أن نواكب التطورات التكنولوجية الحديثة، لأنها لا تنتظرنا، كما أن الحياة المعاصرة تعتمد عليها بصورة شبه كلية، ومن يتحفظ أو يرفض أو حتى يتباطأ عن الملاحقة فإنه سيخرج من شروط العصر وثقافته ليواجه بالتالي تضييعاً للفرص وغياباً عن مسار البشرية المتسارع.

إذاً فلا مجال للتحفظ. وأما بالنسبة لانخراط الروبوت أو الحاسوب في عمليات الإنتاج الأدبي فإنني أراه أمراً عادياً ولا يدعو للاستغراب لأنه لا يعدو أن يكون نوعاً من البرمجة التي قد لا تناسب البعض أو قد تناسب آخرين، لذلك أتوقع أن يتضمن المشروع خيارات تستوعب اختلاف الأذواق والتوجهات.

وتستدرك الشناصي فتقول: لكن هذا لا يعني أن نبقى مستسلمين، فلابد أن نسعى إلى تطوير فكرنا ومواهبنا بشكل يتجاوز المعطيات الفنية الراهنة والتي ستتم برمجتها، خاصة وأن الإنسان هو الذي ابتكر هذه الصيغ والأجناس الأدبية وفنياتها وأساليبها، وبالتالي فبوسعه أن يبتكر أساليب جديدة وفنيات بديلة وأجناساً أدبية أخرى، أو أن يضيف من خياله ومواهبه المتجددة إلى مخزون الحاسوب غير المتجدد بالطبع، وذلك ليحافظ على تفوقه على الآلة وعلى نفسه أيضاً وباستمرار، فالحاجة أم الاختراع.

جوانب ضبابية

الأديبة شيماء المرزوقي تبدأ رأيها بالتنويه إزاء عملية التأليف التي في نظرها لا تشبه أبداً، عمليات الحساب «الطرح والقسمة ونحوها» مما يقوم به الحاسوب نيابة عنا، وبالتالي فإن وجود روبوت يقوم بعملية التأليف مهمة تكتنفها الكثير من الجوانب الضبابية، ولا أقول إنها مستحيلة، ولكنني أقول إن أمامها الكثير لتكون مقنعة، حيث ستنحصر في جانب واحد فقط وهو القدرة على تكوين النص، وأما مدى ملامسة النص للآخرين، فستبقى شيئاً آخر مختلفاً..

لأننا نعلم أن عملية التأليف لا تقوم على رصف وتصفيف كلمات جامدة، وإنما تكمن في القدرة في جعل نصك نابضاً وحيوياً وله إحساس، وأحسب أن من يملك الروح والشعور هو من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة، وليس ذكاءً مجرداً يقوم على عمليات تخزينه بالمفردات وبالمعلومات وحسب.

وتكون وظيفته إعادة كتابتها وفق موضوع محدد، أتوقع إذا صحت مثل تلك الأنباء فلسوف تظهر لدينا نصوص ميكانيكية جامدة، حتى ولو نالت استحسان البعض من ناحية معلوماتها وموضوعها ولكنها لن تمس مشاعر أي واحد ولن تذهل الروح وتؤثر فيها.

وأما حيال إتاحة مشاركة تطبيق ذكي يقدم خيارات للكاتب حتى يساعده في تأليف عمل إبداعي فتقول شيماء:

هنا نقطة جوهرية، وحقيقة يجب التوقف عندها ملياً، فهذا الجانب قد يكون ماثلاً اليوم بطريقة أو أخرى، فتزايد اعتمادنا على الحواسيب والتصحيح التلقائي ونحوها من المهام في حفظ النصوص، وطريقة البحث فيها ساعدت المؤلف في مهمته، ولو قامت التقنية بتقديم المزيد في هذا المضمار.

فإن المؤلفين سيلتقطونها دون أي تساؤل، خاصة إذا كانت مثل هذه المساعدة ستثري النص، أما حول نسبة النص وهل هو من تأليف المبدع أم لا، فهي قضية أخرى، قد يأتي اليوم الذي نجد الذكاء الصناعي يساعد في توليد الأفكار، بل ويزودنا ببعض المعلومات الحيوية التي تعين على إتمام مهمة تأليف نص حيوي وجميل ومبدع، ولكن لا أتوقع أن المؤلف في نهاية كتابه سيدون كلمة شكر وعرفان لكمبيوتره الذي ساعده.

فتح قريب

وتضيف شيماء المرزوقي: مع التسارع الذي نشهده في عالم اليوم، أتوقع أن دخول الذكاء الصناعي في عملية التأليف سيساهم في اختصار الكثير من الوقت، وسيقدم خدمة جليلة للمؤلفين، لا أعلم إذا كانت هذه المساهمة ستمتد لتصل إلى تطوير المؤلف نفسه، وتطوير ما يقدمه.

لكنني متأكدة من أن النص سيكون مختلفاً لأنه يحمل معلومات أفضل وأكثر دقة، كما وقد تم الحصول عليها في وقت وجيز، وهذه واحدة من أهم عناصر التأليف الناجح المبدع والمذهل.

ولكن هل تقبل شيماء بالحاسوب منافساً في المسابقات والجوائز الإبداعية أم تفضل أن تكون منافساته مستقلة؟

تجيب: لا أتوقع أن النصوص الأدبية ومنها الرواية والقصة والشعر، التي تنتج من جانب الروبوت أو ما يسمى بالذكاء الصناعي، ستكون مبدعة لدرجة أنها تنافس المنتج الإنساني، لأنني أتوقع افتقارها للشعور والإحساس، ستفتقر لشيء جوهري في عملية التأليف وهو الفهم الشعوري الحسي تجاه الحياة، فالمؤلف يشم ويرى الجمال، وهذا يؤثر على طريقة كتابته، بينما الآلة ستكون مجردة من هذه الخاصية، وبالتالي ستكون نصوصها علمية تشبه تماماً المسائل الرياضية .

وتختم شيماء مداخلتها بالإجابة عن سؤال يفرضه هذا الواقع ومفاده: ما هو الإبداع؟

تقول: هنا مربط الفرس، وهذه المفردة تحديداً «الإبداع» كبيرة جداً وواسعة، فزيادة مقدرات الذكاء الصناعي، بحد ذاتها إبداع، ولكن عملية التأليف وتأثير النص، تبقى وظيفة بشرية بامتياز وإبداع شخصي للإنسان.

طقوس الإبداع

الإعلامية والكاتبة سامية زينل عبدالله تقول بحسم منذ الوهلة الأولى:

إن اعتمد الإنسان على الحاسوب في أن يكون له فكر .. فلن يكون هناك أي إبداع حينئذ. بل سيكون هناك نص مكتوب، وجمل سليمة التكوين، وتسلسل منطقي وصحيح كمعيار، ولكن دون لمسات ينطبق عليها الفكر والبلاغة.

والسبب في رأي سامية زينل هذا ينبني على قناعتها بأن حرفية الكاتب ليست فقط في إعطاء جمل مرتبة ومصفوفة، إذ مهما كان الناتج فلا يغني ذلك عن فكر إنساني له وقت معين للكتابة، وله زاوية ينفرد بها عن غيره، وطقوس تشعره بالرغبة في الكتابة، هذا الحس، وجمال الخلوة، وانفراد الكاتب، كل ذلك لن يعيشه الحاسوب ولن يتنفسه.. كما تقول زينل، لأنه أداة رقمية بنيت من الأصفار والوحدات، وفي المقابل فإن خيال الإنسان أوسع بكثير من تلك الذاكرة الإلكترونية الرقمية.

نزف زائف

الأديبة إيمان اليوسف تفيدنا بمعلومات تزيد طين مخاوفنا بلة، إذ تقول:

نُشرت في روسيا عام 2008 أول رواية طويلة (320 صفحة) مكتوبة بالكامل من قبل برنامج كمبيوتر. رواية «حب حقيقي» صُممت للمزج بين رواية آنا كارنينا للكاتب الروسي ليو تولستوي ولكن بأسلوب الكاتب الياباني هاروكي موراكامي.

المثير للاهتمام، أنه وبعد عدد من الدراسات تم التأكيد على أن القراء لم يتمكنوا من تمييزها كرواية لم يكتبها بشر. بل وقد قام الكثير منهم باقتنائها والإشادة بها.

«إن لم تتنفس من خلال الكتابة، أو تبكي بمساعدة الكتابة، أو تغني عن طريق الكتابة، إذاً فلا تكتب» هكذا تقول الكاتبة الأميركية آناييز نن.

وتستطرد إيمان اليوسف: أتساءل هنا، هل بإمكان تطبيق كتابة القصة القصيرة هذا أن ينزف؟ أن ينفخ من اللاشيء روحاً إلى النص الأدبي؟

وتضيف: في الوقت الذي ساهمت وتسهم حركة التطور التكنولوجي في مجال الثقافة والأدب بشكل إيجابي وفاعل عن طريق أرشفة وحفظ النصوص بالإضافة إلى عمليات التدقيق والتصحيح والترجمة، فإن تدخلها يقف إلى هذا الحد من النص الأدبي سواء الشعر أو النثر.

يحدث أن تتشابه الأعمال الأدبية في موضوعاتها أو القضايا التي تناقشها، لكنها تختلف كالبصمة في التجربة الشخصية. أعود فأتساءل من جديد، هل لهذه البرامج والتطبيقات من تجارب ذاتية؟ هل تشعر بألم الفقد أو الشعور بالغربة أو اللذة؟

وتجزم اليوسف بالقول: مهما تمت تغذية الذكاء الصناعي بالذاكرة والقصص والأحداث، فلن يشعر بأبسط الأحاسيس البشرية مثل احتراق طرف أصبع أو برودة طعم قطعة مثلجات. كيف يحدد قيمة الزمان؟ المكان؟ الآخر؟

أرفض تماماً

الأديبة باسمة يونس تبادر بالرفض والاعتراض، فتقول: أرفض مشاركة الحاسوب لي في التأليف، ليس لكون التطبيق اصطناعياً فقط، ولكن لأني عادة لا أشارك أحداً في كتاباتي، ولا أحب فكرة المشاركة بالأصل، ولا أعتقد أن معنى «تأليف» سوف ينسحب على مثل هذا النوع من العمل، بل هو أقرب إلى «التركيب»، تماماً مثل مفهوم تركيب قطع الألعاب أو الأشياء الجاهزة وتحويلها إلى أشياء كاملة.

ومثل هذا النوع من التطبيقات قد يتخذ مساراً مختلفاً ومبتكراً، لكنه لن يكون أبداً ضمن مسار التأليف الأدبي، بل لن ينضم إلى الأدب نهائياً، لأنه سيكون أقرب إلى التدريب أو ألعاب المهارة التي قد تعلم اللاعب كيفية إصابة الهدف، لكنها لن تقنع لا اللاعب ولا من يتفرج عليه بأنه صانعها، لأنه يعلم بأن ما يفعله مجرد تمضية وقت أو ترفيه عن النفس لا أكثر.

وتضيف أن كتّاب اليوم مثل كتاب الأمس، إن لم تكن لديهم مخيلة تساعدهم على الكتابة فلن يصبحوا كتّاباً أبداً، ولن يحل أي تطبيق محل هذه المخيلة، لأنها معجزة الخالق التي منحها للإنسان، فمكّنه من التطوير والتأليف والصناعة والابتكار، أما التطبيق فهو ابتكار يدار بعقل بشري، وهذا ما يجعله هو الآخر مادة مبتكرة ولن يصبح كاتباً مهما قيل عنه.

أما بالنسبة للتنافس في المسابقات الأدبية، فهذا في رأي باسمة أمر لا تتصوره، لأن التطبيق الإلكتروني يمكن أن يكون محلاً للتنافس مع تطبيقات أخرى وليس محلاً لمنافسة كاتب موهوب، والحقيقة أن مجرد ذكر هذه الفكرة فيه قسوة وتقليل من شأن الأدب ومعنى الكتابة والتأليف والخيال.

الإبداع الأدبي ليس في تركيب العبارات والجمل، بل في ما تنطق به المخيلة وما ينسجه الفكر وما يصنعه عقل الإنسان، وابتكار تطبيق مثل هذا النوع، يمكن أن يكون إبداعاً، ولكنه إبداع إلكتروني، أي أن خصوصيته في ابتكار التطبيق نفسه وتصميمه، وليس في تحول التطبيق إلى مؤلف يمكن أن يقف في مصاف المؤلفين ويسجل حضوره بينهم.

ميزة المشاعر

يعوّل كثير من الأدباء والشعراء على خصوصية وميزة امتلاك المؤلف البشري للمشاعر والأحاسيس التي تميزه عن الآلة التي يجازف حين يعتبرها بالضرورة باردة العواطف ولا تعترف بالبهجة، ولكن هذا ملاذ غير مضمون للانتصار، حيث إن الذي يغذي الروبوت بالبيانات والقيم الفكرية وحتى المشاعر الإنسانية هو الإنسان نفسه ذو الخبرة الجيدة في تحديد طبيعة تلك المشاعر وأحيانها وظروفها وطريقة تعبيرها، ولذلك فسوف يمتلك الروبوت هذه المشاعر لا محالة، لذا فيجب أن نراهن على شيء آخر غير المشاعر.

عبدالله محمد السبب - لا أريد شراكة

* لا أرحب بفكرة أن يكون لدي صديق من لحم ودم بشري ينوب عني في نقل ما يختلجني من مشاعر وأحاسيس وأفكار ليسطرها مشروعاً فكرياً وإبداعياً أدبياً، باستثناء ذلك المحرر الصحفي الذي يحاورني في مسألة ثقافية أو يحاور تجربتي الإبداعية منذ انطلاقتها وحتى لحظة الحوار..

أقول: لا أرحب، بأي كائن من كان لينوب عني في ترجمة أفكاري الإبداعية إلى مشروع على الورق، رواية كان أو شعراً أو قصة أو خاطرة أو مسرحية، أو ما إلى ذلك من أجناس أدبية وإبداعية وفكرية، فكيف إذا كان ذلك الكائن من أسلاك وكهربائيات وألواح إلكترونية؟!

كيف أقنع نفسي البشرية وذائقتي الإبداعية بأن أكون في مصاف العالم الرقمي الإبداعي الخالي من روح النص وخيالات الإنسان المفطور على روح التجريب والإبداع الحر؟! إنني أفقد حريتي إذا أسلمت أفكاري ورؤاي الإبداعية إلى رجل اصطناعي جملة وتفصيلاً!!

*حين نتشارك، نحن معشر المبدعين البشر في كتابة نص أدبي، فإن الذات الفردية تذوب في الكل المبدعة، مما يتعذر على القارئ معرفة ما أبدعته قريحة «س» وما خطته أفكار «ص»، لا سيما إذا كُتِبَ النص المشترك بأسلوب أدبي ثالث، مختلف تماماً عن أسلوب المتشاركينَ معاً.

هنا مثال حقيقي وواقعي في المشهد الثقافي الإبداعي الأدبي الإماراتي، عبر تجربة إبداعية خُضْتُ غمارها في بداية تسعينيات القرن العشرين: تجربة أولى مع الصديق الشاعر «سعيد أحمد البدري»، وتجربة أخرى مع الصديق الشاعر «أحمد عيسى العسم».. تلك تجارب إبداعية خضناها معاً ولا أمانع من خوضها مراراً وتكراراً مع الصديقين الشاعرين، أو مع مبدعين آخرين من لحم ودم وأحاسيس..

أما فيما يخص مشاركتي لصديق اصطناعي في التأليف الأدبي، فهي فكرة مجنونة وضرب من خيال في زمن لا يؤمن بالعبقريات المفرطة في الخيال البشري. وإن رجلاً اصطناعياً كهذا، إنما هو وعاء آلي أو إلكتروني نستعين به لحفظ منتجاتنا الإبداعية بعد اكتمالها، كالكتب والصحف والمجلات الإلكترونية، وغير ذلك، فلا أعيره أي اهتمام إبداعي مشترك معه.

* بعض الكتاب يحتاجون فعلاً إلى دعم حاسوبي في جوانب فنية مهمة لإبداعاتهم الأدبية يمكن برمجتها لضبط العمل وفقها بما يؤدي إلى مخرجات إبداعية حية وحيوية.

*هل يمكن مثلاً أن نستبق في مضمار الخيل مع الخيل ذاتها؟ أم نمتطي ظهر الخيل لنستبق مع فرسان آخرين يمتطون ظهور خيول أخرى؟! تماماً، هذا هو الفرق بين أن نتنافس مع الحواسيب ذاتها نداً لند، وأن نتنافس مع القائمين على مبرمجي الحواسيب!! هو تنافس غير عادل لكلا الطرفين: «المبدع البشري» و«الرجل الاصطناعي»، ويجب أن تكون لكل منهما منافساته المستقلة، لتكون الجوائز المتحصلة حقيقية وتعكس واقع التنافس المحتدم بين أطراف التنافس المتشابهين بالجنس الصناعي أو البشري.