الإنسان بفطرته، وعلى مدى تاريخه المديد، ظل حريصاً دائماً على ضبط سلوكه الاجتماعي، بقيم وقواعد صارمة، يصطلح عليها الجميع، ويستديمونها بالوفاء والدعوة إليها وتقديسها، وذلك في سبيل عدم تفكك النسيج الجامع للشعوب، ومن أجل المحافظة على حقوق الفرد وحمايته من الانتهاك، وفي هذا السياق جاءت التقاليد والأعراف، ولاحقاً جاء القانون والمواثيق والعقود توطيداً لقواعد السلوك العام الضابط للتواصل، وبالفعل أفلحت تلكم الجهود في المحافظة على حقوق الأفراد والجماعات مادياً ومعنوياً وظلت أكثر الأمم تقدماً أكثرها مراعاة للأصول والأخلاق العامة.
ولكن ما سبق إنما تحقق على صعيد الواقع المادي الملموس، فماذا عن تفاعلنا اليوم ضمن الواقع الافتراضي، أو ما يسمى «وسائط التواصل الاجتماعي» التي يشترك فيها حوالي مليار صديق «هذا فيسبوك وحده»، هل ثمة تقاليد وأعراف اجتماعية مرعية ومصطلح عليها؟، أم أن هذا الفضاء يظل فضاء عراء فعلاً، من كل الضوابط الملزمة، سواء طوعاً أو كرهاً؟.
ظاهرة «السوشيال ميديا» خلقت بدورها ظاهرة جديدة سنطلق عليها فوراً هنا «فردنة المجتمع individualization of the community» بمعنى أن المجتمع الأثيري السائب، بات حالة يستهلكها الفرد ويتعاطاها من خارج المجتمع ذاته، حيث لا يتحاج المرء إلى الانخراط فيه عملياً، بل تتحول الجماعة إلى مجرد خيار، متاح ومتحكم فيه، من جانب المشترك، كغيره من الخيارات الترفيهية مثل السينما والتلفزيون والسوق الخ، ولكن بإضافة «علاقة تفاعلية» غير ملزمة ولا ملتزمة بشيء، فلا الفرد أصبح منطوياً على نفسه كلياً، نابذاً المجتمع برمته، ولا هو مندغم داخل هذا المجتمع وشروطه، وهكذا نخلص إلى حالة لا بأس أن نطلق عليها «المجتمع بشروط الفرد» وليس العكس كما كنا نفهم دائماً.
هذه الظاهرة «فردنة المجتمع» إذا تمادت فإنها قد تنتج إلغاءً جذرياً لسلطة الجماعة ولوظيفتها أيضاً، وبالتالي فسوف لن يضطر الفرد لاحقاً إلى الخضوع لأي توجيهات اجتماعية «صادرة عن أي من مؤسسات المجتمع المختلفة»، ما دامت وظيفة المجتمع، كمرجعية، قد انتفت، ولن يبقى حينئذ إلا القيم الأخلاقية الشخصية التي لا يستطيع أحد أن يراهن عليها أو يجزم بتوفرها أو بالتزام الأفراد بها، فهل ترى نتجه عملياً نحو مجتمع اللامجتمع، أو الفوضى العامة أو «مجتمع الأفراد» أو الأشتات، باعتبار انه مجتمع خارج السيطرة كلياً،غير خاضع للضبط والتوجيه إلا من الفرد ذاته وبشروطه؟.
الواقع الافتراضي هو الحصان الذي يقود عربة الحياة المعاصرة نحو هذا المصير للأسف، إلا أن نجد حلاً، وأول الحلول هو إيجاد قواعد مصطلح عليها يتم تأسيسها وإلزام الفرد بها إلى درجة الاطمئنان على التزامه بها لا محالة، نقول ذلك ونحن نشعر بعدم الثقة في جدوى وجدية هكذا مطلب، ولكن هل من ملتمس آخر نسعى إليه مطمئنين؟..ومهما يكن فقد استنطقنا مهتمين ذوي علاقة بالموضوع أطلوا على مشهد العلاقات الأسفيرية وعلاقتها بالواقع، فكان حصادنا هذا الملف.
لا ضير
الموسيقية والكاتبة الناشطة في مواقع التواصل الاجتماعي إيمان الهاشمي، تستهل الرأي بالتأكيد على أن ثمة أشكالاً من سوء الفهم - الذي يعيق صفاء التواصل - يمكن أن نلحظها ضمن شبكات السوشيال ميديا، ولهذا تعم الفوضى أكثر كلما كان مستوى حجم التواصل أكبر، ولكن بالطبع هنالك وسائل عديدة لضبطها وتنظيمها كقانون الجرائم الإلكترونية وغيره من برامج التوعية ونشر الوعظ الديني للحد من هذه المشكلات.
وعن أدبيات وأعراف وأساليب الانضمام إلى الوسائط الاجتماعية الإلكترونية والخروج منها فهي ترى أنه لا ضير في التعارف والتواصل مع الغير، ولكن في حدود المعقول، ووفقاً لنوعية القروبات وأهدافها والقائمين عليها وكذلك أعضائها، ومثالاً على ذلك قروبات للتبادل الثقافي، المعرفي، الترفيهي، الديني وغيرها، ولكن من جانب آخر فإن إيمان الهاشمي تنادي بضرورة التزام كل «قروب» بميثاق شرف لضبط النقاش أو التواصل بين الأصدقاء، وتقع مسؤولية ذلك على عاتق مدير القروب «الأدمن» الذي يتحمل إضافة أو طرد أي عضو بناءً على معايير أخلاقية يعدها ويعلن عنها بنفس بين الأعضاء.
وتضيف إيمان: أؤمن بالتقارب الفكري والتوافق العاطفي بعض أعضاء المجموعات المتواصلة بغض النظر عن العمر أو المستوى الاجتماعي أو غيرها من الحدود اللامرئية وان كانت تؤثر فعلياً على العلاقات سواء بالسلب أو الإيجاب في بعض الحالات.
وتعتقد إيمان الهاشمي أن كل موقع يفرض طابعاً خاصاً به، يتناسب مع اختلاف نوعية الخدمات التي يقدمها لرواده، والقوانين التي يفرضها عليهم.
وفي معرض إجابتها عن السؤال:هل صحيح أن التواصل الاجتماعي يعلم الجرأة وربما الوقاحة التي لا تجدها في وسائل النشر الأخرى كالصحف، ناهيك عن المواجهة الاجتماعية المباشرة، بسبب لأن الشخص يكون مختبئا وراء الأثير فيقول ما يقوله لنفسه داخل غرفته؟ تقول إيمان الهاشمي:
ربما يكون هذا عند بعض المرضى النفسيين والسلبيين وكذلك المجرمين السيكوباتيين أعداء المجتمع، فليس كل من اختلى بنفسه صار مجرماً أو كل من اختبأ خلف الأثير تفوه بما تأمره نفسه بالسوء. وعن شروطها للانضمام إلى أي قروب أو حساب شخصي تقول إيمان: شروطي التمسك بمعايير الأخلاق العامة والفطرة الإنسانية والابتعاد عن العنصرية بجميع أنواعها.. وعند التفاعل أطلق لنفسي العنان وفقاً لهذه الشروط.. أما عند المغادرة فأغادر دائماً بهدوء مع الاعتذار لمدير القروب والأعضاء الذين تفاعلت معهم.
مواجهة الأمواج
الكاتبة والإعلامية سامية زينل تقول: بالتأكيد هناك أمور عديدة تترتب على استخدامات ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، وإن أشرنا للمشكلات التي تسببها مواقع التواصل الاجتماعي، لوجدنا أن هناك فئة ليست بقليلة تتأثر بسلوك ومنهجية بعض الشخصيات الشهيرة على تلك المواقع، منهم من لا يحرصون على ألفاظهم وسلوكياتهم المتهورة، علماً بأن أكثر فئة متابعة لتلك المواقع هم من فئة اليافعين.
وتلتفت سامية إلى أن هناك مستحدثات كثيرة في القانون الإماراتي تعمل على ضبط مستخدمي المواقع الإلكترونية بشكل عام، منها العقوبات التي تردع بعض التصرفات التي تشوه السلوك العام للمستخدم، على سبيل المثال: ضبط الأمن الإماراتي للشخص الذي حبس قطة ليجعل الكلب يهاجمها بشكل شرس ليقوم بتصوير ذلك وبثه عبر المواقع!! مما ترك أثراً سيئاً في نفوس المتابعين بعد انتشار المقطع.
أريد أن أقول إن القانون الإماراتي يبذل جهداً عظيماً، ولكن مع تزايد مواقع التواصل الاجتماعي والمشاركات فيها فإن الأمر يستدعي زيادة الرقابة الأمنية للمواقع المختلفة.
وتذهب سامية إلى القول إن ميثاق الشرف أصبح في تلك المواقع نقطة عبور أو قبول، ليتمكن صاحبها من المشاركة، إن كان هناك ميثاق فهو ضبط المشارك لنفسه وسلوكه، وهذه الأمور تكون نابعة من شخص الإنسان نفسه، لذا فمن الضروري الانتقاء في بناء المجموعات الإلكترونية، بمعنى أنه يجب معرفة المشارك مسبقاً، من حيث الثقافة والأخلاق.
أما فيما يتعلق بالمتابعين، فلا يوجد في مواقع التواصل الاجتماعي ما يضبط الشخص، فهي مساحة متاحة للجميع، فيها يتعرض المتواصل لأمواج مختلطة من أنماط البشر، والشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان فعله، حال استخدم أي موقع لتلك المواقع، أن يتحكم في عدد ونوع الأصداف وذلك بالقبول أو الرفض من خلال الإعدادات الخاصة بحسابه.
وعن شروطها لخلق صداقات أثيرية في هذه المواقع تقول سامية زينل:
لا يشترط في التعارف وتبادل الحوار بتلك المساحات معيار السن، بل تكون المعايير من قبيل: المعرفة، الثقافة، والعادات التي يمتلكها الإنسان، هناك العديد من الشخصيات الإيجابية يحظون بمتابعة هائلة من صغار في السن، هذا لأنهم أصحاب رسالة، وصاحب الرسالة الإيجابية يحرص على الأسلوب والكلمات التي يستخدمها، لذا ينظر إليه العديد من المتابعين كقدوة لهم، ويحرصون كل الحرص على متابعته.
وعن الأعراف التي يجب أن تسود في المواقع حماية لحقوق الأفراد وأمنهم تقول سامية:
الأعراف لا بد منها، ولكن هي ليست كقوانين تسن على كل مستخدم، بل هي عبارة عن فكر وسلوك يحمله المستخدم بين ثنايا كلماته وألفاظه وفكره الذي يعبر عنه. لا يمكن لتلك المواقع أن توحد الأسلوب والتفكير أو اللغة، هي فقط تحكم المساحة وعدد الحروف والمقاسات التي يتم إدراجها فقط، لذا تلك الصفحات عبارة عن قالب فارغ يملأه الناس كيفما أرادوا، كل شخص حسب فكره وتوجهه.
وترى سامية زينل أن مواقع التواصل الاجتماعي لها دور كبير في تثقيف الإنسان، وتعريفهم بمعلومات وحقائق جديدة قد لا يكون قد تعرف عليها الفرد سابقاً، لذا فهي سلاح ذو حدين فمن أراد أن يكون ذَا أثر وشخصية محبوبة بأسلوبه وفكره فله ذلك، وبالمقابل أيضاً من أراد تفريغ الصورة السيئة التي يحملها فإنه يستطيع ذلك.
ترتيبات قانونية
تقول الإعلامية سامية زينل: قد تتطلب بعض المواقع التواصل معها من أجل تأسيس سجل يحوي بيانات حقيقية عن المشترك منها رقم الهاتف، وهذا الأمر باعتقادي ليس كافياً، لأنه من السهل وضع أي رقم افتراضي من جانب المشترك، وبعض المواقع لم أَجِد تفعيلاً واضحاً للاشتراطات التي تدعو المنتسبين إلى التحلي بالخلق والآداب، والدليل على ذلك هذا الكم الهائل الذي تم ضبطه عن طريق الجهات الأمنية في الدولة، وليس عن طريق الشركة المؤسسة لهذا الموقع الإلكتروني. لذا فأنا لا أَجِد ما يكفي من القوانين الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي التي تفرضها على المستخدم في إطار مراعاة الآداب العامة وضبط السلوكيات الخاصة.
ذوبان الثقافات
الأديب محمد جقدول، ينظر إلى مختلف وجوه الحياة المعاصرة بوصفها مسيرة عامة باتت تتجه بشكل درامي نحو الانفتاح غير الموثق بعرى أخلاقية مهنية أو قواعد ترسيها التقاليد التي درجت عليها المجتمعات في البيئات المختلفة سابقاً، فسحابة التواصل الاجتماعي التي تظلل العالم اليوم رغم تذويبها للحدود الفارقة التي أرقّت العالم يوماً، وحرصت الحضارات جميعها على إيجاد وسيلة تناغم من خلالها العالم وتفتح جسور الثقافات المختلفة فيما بينها وتمد خيوط معارفها وثقافاتها لبقية الأمم، نجد أن التجربة شابتها الكثير من الأخطاء التي غيرت موازين العالم وقلبت المفاهيم كلياً، فبين ثنايا هذا العالم الكبير توجد مئات الثقافات المختلفة في التركيبة المفاهيمية وعلى مستوى الوعي والتفكير، وحين هيمنت وسائل التواصل الاجتماعي راحت بعض الثقافات الهشة تذوى وتذوب في الثقافات المهيمنة التي أحكمت قبضتها بتملك الوسيلة المناسبة للغزو الفكري والثقافي.
ويعتقد جقدول أن هذه الوسائل، حملت بين طياتها مساوئ انعسكت بشكل جلي على المجتمعات، خاصة المحافظة منها، ولذلك نجد أن الشريحة الغالبة لم تحسن استخدام هذه الوسائل، فتمترس الضعاف خلف العالم الافتراضي وراحوا ينهالون على الآخر بالشتم والردود غير الأخلاقية، ولأن هذه الوسائل لم تقيد بسن معينة أو درجة أكاديمية محددة، صار الأطفال يمتلكون أداة لإيهام الآخرين بأنهم بالغون راشدون، بل والأدهى أنهم صاروا فلاسفة ومفكرين وملأوا العالم زعيقاً بقلة خبرتهم، وهذا مرده للأسر بالتأكيد لكنه لن يعفي المجتمع من إيجاد صيغة يحفظ من خلالها موروثه الفكري والتاريخي وتماسكه.
ويضيف محمد جقدول: رغم الجهود المتفرقة حول العالم لإيجاد صيغة قانونية أو ميثاق عالمي يجنب الناس انتهاك الحقوق والتهتك الفكري الحاصل في عالم وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنه حتى اللحظة لا يوجد هذا الميثاق بشكل متفق عليه، أقله من الجهات الكبرى والمؤسسات المؤثرة ومراكز القوة في العالم، اللهم إلا بعض الجهود التي نشهدها هنا وهناك بين فينة وأخرى، فعلى سبيل المثال شهدنا في العام 2011 «إعلان الدوحة» الصادر في ختام المؤتمر الدولي التاسع لحوار الأديان والذي حمل بين ثناياه حث المجتمعات على إيجاد طريقة فاعلة لوضع وسائل التواصل الاجتماعي ضمن إطار الحدود التي تدعم روح التواصل وبناء تعاون يحترم حقوق الآخرين، وقد ناقش المؤتمر الدور السالب لهذه الوسائل وتأثيرها على المجتمعات وكيفية تفعيل تلك الوسائل في خدمة قضايا ذات شأن، كالحوار بين الأديان، والتعدد الثقافي والاثني، وإيجاد مساحة للتسامح العالمي، والتواؤم بين مختلف ثقافات الشعوب، ولعل أهم نقطة أثارها المؤتمر هو وضع أطر وضوابط لحماية المجتمعات من إساءة وسائل التواصل الاجتماعي.
ويختم جقدول مداخلته بخلاصة مفادها أن هذه الوسائل التواصلية الجديدة تبقى أداة ذات وجهين، وإن لم نحسن استخدامها بطريقة متحضرة تحقق أغراضاً تعزز نهوض الحضارة الإنسانية، فهي حينئذ ستكون خصماً على موروثنا الإنساني.
إنهــا العـولمـــة.. المغـــرّدون خـارج الســـرب مغيّبـون
الأديبة والإعلامية ميرا علي، تبدأ مشاركتها في هذا النقاش بالقول، إن التواصل الاجتماعي واحد من صرعات العولمة، أو ثقافة العالم المفتوح بلا حدود أو قيود، وقد استطاع هذا النموذج غزو المجتمعات والسيطرة عليها حتى غدا العالم بأسره مجتمعاً له، وأما عن أخلاقياته فهي متوافقة مع من هم في مجتمعه، أما الذين يغردون خارج سربه فهم في الواقع أسرى ولكنهم مغيبون عن الاعتراف بأنهم أسرى، وكل تطبيقات التواصل يستخدمها المتواصلون مع مجتمعهم الجديد، وبالنسبة للمشكلات الطارئة نتيجة الاستخدام أو التعامل السلبي أحياناً من قبل البعض نتيجة الانبهار الذي يضاهي انبهار الناس إبان ظهور التلفاز في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، فالناس هكذا دوماً يتحفظون ثم ينجرفون خلف كل جديد، فهذا أمر طبيعي لهذه الحالة، ونتيجة لتنوع العقليات تبرز العبثية والفوضى التي لا يحدها رادع ولا يضبطها وازع ويظل السؤال حائراً منتظراً الإجابة أن تولد من رحم المنطق ( ليست في مناهجنا ) لكل عادة أدبياتها، إلا أن التواصل الاجتماعي حالة استثنائية، فوضوية خلاقة تسير في طريق طويل له تعرجاته الخطرة والمستفزة أحياناً في خوض المغامرات لدرجة التعلق بها حد التتيم لدرجة أن الطفل لا يهمه إن لم يوجد في البيت أي شيء أو أي أحد ! لكن يهمه جداً أن يكون في محيطه (الواي فاي).!
وفي نظر ميرا علي فإن تأصيل القيم شيء غير غرس القيم، وهذا التواصل قد رسخ مفاهيم وقيماً بهدف تأصيلها لتكون عادة يصعب انتزاعها، أما عن الصداقات الملزمة لفئات عمرية فقط دون غيرها، فالتواصل الاجتماعي وقنواته المتعددة هو كتأليف كتاب ألف ليلة وليلة، كتاب شائق وجميل ويحمل في ثناياه قصصاً والكثير من المغامرات البطولية، وكتابه كثيرون فمنهم الشاعر ومنهم الأديب والكاتب والقاص والمؤرخ، كما انه كان من ضمن المؤلفين قليلو الأدب والتربية والملحدون، ولكنه ككتاب فهو قيم وله أثره وباقٍ في مكتبة الثقافة، ولأن الكتاب فيه ما فيه من كل شيء فقد آثر الكُتاب، الذين ساهموا في ولادة ألف ليلة وليلة «الجديد» من دون عقد، لتولد كافة قصصه من غير أب معروف، فهذا الكتاب الوحيد على مستوى التاريخ ليس لديه هوية واضحة عن مؤلفه، والمشاركات الإنسانية في عالم التواصل ليس لفئة عمرية دون سواها وهذا ليس رأيي لكنه فرض الواقع.
الأعراف العامة والتي حددتها بعض الأنظمة ساهمت في تأصيل العكس، نتيجة عدم المشاركة الفعالة من فئات المجتمع في مجريات الواقع ومنع الحريات المنفسة، وقلة الوعي ساهمت في رفض الأعراف والقوانين التي لا يريد مجتمع التواصل أن يكون أسيراً لها، لذلك نجد أن هذه المواقع ساخنة وتلسع، هذه المواقع أساسها الجرأة لحد الوقاحة، والإعلام النمطي والتقليدي في كثير من مواضيعه يلجأ اليوم إلى منابع التواصل وتطبيقاته، فحينما تدخل إلي عالم التواصل الجديد هذا فأنت تدخل بشروط هذا العالم المشروط بأن لا يكون لديك شروط، لا في الدخول ولا في الخروج، حيث تبقى الشروط دائماً شروط اللعبة لا اللاعبين.
Ⅶبرقيات
المجموعات خيار أمثل
يبدو أن الناس قد ملوا الشكل النمطي الذي باتت تتخذه وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من سطوتها وهيمنتها على الأوقات والعقول، إلا أن طبيعة الناس بدأت تدرك ما تحمله هذه الشبكات من تزييف للصور والمشاهد والأحداث اليومية وللبشر، فالجميع أصبح يعيش في قصور ويأكل طوال الوقت في أفخم المطاعم، والجميع أصبحوا ذلك الواعظ الناصح والأديب والفيلسوف.. ؟ ولكن بلا شك لا يمثل هذا الأمر واقع الحياة اليومية الحقيقية.
هذا التحليل النفسي الدقيق للاستهلاك اليومي لشبكات التواصل الاجتماعي ينبئ بنهاية وشيكة لهذه القنوات، ولم يستطع أحد إدراكها مثل العملاق فيس بوك الذي يقرر في وقت ظهور واكتساح شبكة سناب شات وطغيانها بشكل كبير يقرر الاستحواذ على واتس آب الذي قرر الباحثون النفسيون أن التركيز على التواصل غير المعلن هو القادم الجديد للساحة، فبمجرد النظر لعدد المجموعات «الجروبات» المتواجدة في هاتف أي منا ومقارنتها بعدد المجموعات قبل سنة فسنجد أن العدد تضاعف مرات عدة، إذ بالإضافة إلى المشاهد الذي مل المثالية الموجودة في التواصل الاجتماعي المعلن، نجد أن ذلك المستخدم المهووس بجمع المتابعين والراغب بشدة في الوصول إلى الشهرة مل التمثيل ومل الادعاء، لذلك نجده يتوارى عن الأنظار ليتواجد في مجموعات يكون فيها أكثر حرية وصدقا بين معارفه وأصدقائه وأقاربه، ونجد أن موجة المجموعات غير المعلنة اكتسحت مؤخرا جميع شبكات التواصل الاجتماعي التي أضافت هذه الخاصية إليها وذلك لاستعادة ما فقدته أو ستفقده من مستخدميها.
وبصدد أعراف وتقاليد مواقع التواصل الاجتماعي.. فيبدو لي أن الأثر الذي خلفه هذا التواصل المعلن علينا كأشخاص مشتركين عبر الأثير الإلكتروني يعتبر كبيرا، وقد كوّن لنا أعرافا جديدة تؤثر في تعاملنا الدائم عبر المجموعات، فما زال حب الظهور والرغبة في وجود المتابعين يجعلان كل عضو من أعضاء المجموعة يحاول استعراض عضلاته عبر كثرة النشر ومحاولة لوم الآخرين بعدم تفاعلهم على الرغم من أن أغلب ما ينشر في المجموعات إنما هو منسوخ أو منقول من مجموعات أخرى.
هذا النوع من المجموعات هو الذي دفع العديد من الأشخاص إلى إنتاج مقاطع الفيديو والنكات التي تدعو «مدير الجروب» للتفاعل وللأخذ بزمام الأمور وتحريك المجموعة.
أعتقد أن المجموعات الصغيرة التي تعتمد على التحاور والتي تعتمد على التواصل والتفاعل بشكل محدود هو الشكل الذي يمثل المفهوم الحقيقي للتواصل، وهو المفضل بالنسبة لي، وأعتقد أن مجموعات العمل الموجودة بين الموظفين والزملاء وفرت الكثير من الوقت وتتطلب التواجد في هذه المجموعات بنفس الشكل الذي يتواجد به الموظف في عمله، وبنفس الشكل الرسمي بعيدا عن الشكل الاجتماعي الأكثر انفتاحا وخاصة إن جمعت المجموعات الموظفين والموظفات في الوقت نفسه.
You are
BLOCKED!
مشهد نهاري:
والد وابنته يجلسان في شرفة المنزل بجوار بعضهما، كلاهما مشغول بهاتفه المحمول. يسود السكون إلا من أصوات المركبات المارة في الشارع. تدخل الخادمة وتقدم قهوة الصباح للوالد ثم تذهب. يرتشف الوالد قهوته.. ثم تظهر عليه علامات الاستياء ويبتلع الرشفة بصعوبة، ترمقه ابنته بنظرة وتسأله:
هل وُضع "سكر" في القهوة؟
نعم
أعرف أنك تحبها بدون سكر في الصباح... ثم تصمت مجدداً الابنة.
بعد دقائق تدخل الخادمة مسرعة بفنجان قهوة آخر، ترفع الأول وتضع الثاني وتعتذر وتذهب.
الوالد متعجباً: كيف عرفت أني أريد أن أستبدل قهوتي؟!
الابنة بسخرية: لقد طلبت منها ذلك!
الوالد: كيف ولم تبرحي مكانك؟
الابنة: لقد طلبت منها عبر (الواتس آب).!
هذا ما حدث معي في الحقيقة وليس من محض خيالي.
انتهى المشهد ولكن لم ينته بعد، فالحقيقة أنه طغى هذا المشهد على غالبية حياتنا، ألا وهو مشهد التواصل الاجتماعي، ومعه تحولت الحياة إلى مجرد رسائل وصور ومقاطع فيديو. فتحولت صباح الخير إلى رسالة، ورمضان كريم إلى صورة، والرحلة إلى فيديو، كذلك كل من قام بالذهب إلى مقهى أو دكتور، حديقة، عمل، مقابلة، إلخ تحولت إلى بوست في صفحات الفيس بوك، وكل من غضب من سياسة أو مباراة أو.. إلخ تحول إلى ناقد على تويتر، وكل من مرض أو مرض أحد أقاربه يطلب له الدعاء بالشفاء، تحولت صحبتنا إلى جروب، ورأينا إلى بوست، وحياتنا كلها إلى صور تروي تفاصيل يومنا...
تحولت حياتنا إلى صفحات تواصل اجتماعي ولكن ليس اجتماعياً، وإلى علاقات افتراضية Virtual يحكمها الواقع الإلكتروني وقوانينه بعيداً عن العلاقات الإنسانية الحقيقية. فالكل أصبح مفكراً سياسياً، وطبيباً، ووووو...... هل هذا تواصل اجتماعي؟
عندما اخترع مارك زوكربيرغ موقع الفيس بوك كان الغرض منه أن يتواصل أجيال خريجي جامعة هارفارد حصراً ويتبادلون الخبرات والمشورة، ولكن عندما أطلقه للعالم عام 2004 ليصل عدد مستخدميه فوق المليار فقد هدفه الرئيس. وأصبح كالقنبلة النووية التي محت تواصلنا معاً بشكل طبيعي، وأصبحت أنت مجرد اسم في قائمة من الأصدقاء، فإن لم تُغضب صاحب القائمة فإنك بأمان وإن غضب منك قام بعمل Block أو حظر عليك فلا يمكنك تبرير موقفك الذي أغضبه أو مصالحته لأنك Blocked، فأين الصداقة؟؟ والتواصل؟؟ وفرصة تصحيح الأخطاء بين البشر.
لا أنكر أنني ممن أصابتهم عدوى التواصل الاجتماعي (بحذر) لأني لست من هواة مشاركة الآخرين في خصوصياتي، ولكني متابع جيد واستطعت خلال عدة سنوات أن أتعافى منه وأكون فقط مشاهداً إلا ما ندر من تعليقات أو مشاركات.
وفي النهاية أوجه تحية إلى:
من ذهب إلى مطعم ولم ينشر صوره.
من جلس في مقهى ولم يشارك بصورة قهوته.
من ذهبت إلى الطبيب ولم تنشر صورتها في غرفة الانتظار مع شفاه (بوز البطة) وتطلب منا الدعاء!!.
من أعدت مائدة طعام لزوارها ولم تنشر صور طعامها.
من توفيت ابنة عم خال جار صديق جاره ولم ينشر عزاء وطلبا للدعاء.
من لم يستخدم صفحات التواصل الاجتماعي لأغراض غير اجتماعية.
قيم ينبغي مراعاتها
يجب أن تكون حريصاً على الالتزام بأخلاقيّات وآداب الإنترنت عموماً خلال تواصلك الاجتماعي، بحيث تعكس صورة جميلة عنك، ومن أهمّ هذه الآداب:
احترم الطرف الآخر، وأن لا تقلّل من أهميّة أفكاره أو آرائه، ولا تسخر منه كذلك.
جادل غيرك بالتي هي أحسن دائماً، وتجنّب أن تسيء لغيرك أو تجرح شعوره.
لا تضرّ غيرك أبداً حتى لو كنت محترفاً في اختراق مواقع الآخرين وصفحاتهم.
أوجز في طرح آرائك وأفكارك، فخير الكلام ما قلّ ودل.
احرص على تقديم الأفضل، بما يعكس صورة مشرقة عنك وعن شخصيتك، وبما يعبّر عن أفكارك بأرقى الوسائل.
التزم بالقانون دائماً.
كن متسامحاً تجاه ما يصدر من الآخرين بما يؤذيك أو يضرّ بك.
احترم خصوصيات غيرك، ولا تخترقها.
جرائم احتيال واستغلال
نظراً للزيادة الكبيرة في استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعيّ، ظهر الكثير من المشاكل التي يمكن أن يقع فيها المشترك إن أساء استخدام هذا الفضاء، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من جرائم الاحتيال والنصب، والكثير من مشاكل الاستغلال الجنسيّ للصور وابتزاز أصحابها بها، وكذلك انتشار مواقع إباحيّة، واستخدام المواقع الاسفيرية بغرض الانتقام ونشر الفضائح سواء عن عيوب حقيقية أو مختلقة، وإنشاء حساب باسم شخص دون علمه، ولهذا فإنّ علينا أن نكون أذكياء في التعامل الصحيح مع الإنترنت لنحصل على الفوائد دون أن نقع في مشاكل.
آداب استخدام المنتديات الإلكترونية
اقرأ قواعد المنتدى وإرشاداته الخاصّة بغرف التشات والمنتدى بشكل عام.
* احرص على عدم استخدام اسمك الكامل لئلا يتمّ استغلاله ة.
لا تخرج عن المواضيع المطلوبة للمنتدى، ولا تستخدم أيّة تعابير غير مناسبة ق.
احرص على أن تكون رسائلك قصيرة تجذب القارئين.
تأكّد من لغتك، وعدم وجود أخطاء إملائيّة ونحوية في النصوص التي تشاركها في المنتديات.
في حالة استخدام البريد الإلكترونيّ أوجز في كلامك المرسل.
ابتعد عن استخدام الخطوط المزخرفة بكثرة.
راعِ احترام الخصوصية الشخصيّة للأشخاص الذين تتواصل معهم.
نصائح إضافية
يجب مراعاة آداب النصح في مواقع التواصل إزاء من يسيء استخدامها وينشر فيها رسائل وأفكاراً ودعوات وصوراً ضارة، ومن أهم آداب النصح في الواقع الافتراضي، أن تبدأ نصيحتك للمسيء في السر «الخاص»، فإن عاد إلى الخطأ فانصحه علناً بأدب وموعظة حسنة.
يجب ألا يكون هم الإنسان كم عدد المتابعين أو كم عدد معيدي التغريدات، فبعض الناس وصل بهم الحال أن يدفعوا أموالاً طلبا للمتابعين أو إعادة التغريد.
بعض الناس يغرد في حال الغضب، وقد يندم ويؤذي غيره، (لا تغضب)، وبعض الناس قد يعكس عن نفسه صورة سلبية عند من يتابعه، وكذلك يجب مراعاة الآخرين حال النشر.