بصورة عامّة، تنقسم المدافع بناء على وزن القُلّة، كما تختلف المدافع المستعملة في السفن عن تلك المستخدمة في القلاع والحصون وعلى الأسوار، مع الإقرار بأنّ استخدامها في الاستحكامات العسكريّة يأتي زمنيّاً قبل استعمالها على السفن الحربيّة. ويعود سبب ذلك، إلى أنّ وجود المدافع على السّفن، يتطلّب أحجاماً معيّنة، وتدريبات خاصّة، ومهارات متميّزة، نظراً لطبيعة حركات السّفن في البحار. وذُكر أنّ أوّل وجود للمدافع على ظهور السفن كان في حدود عام 1336 أو عام 1411 م، أو ربّما في أواسط القرن السادس عشر.

وتنقسم المدافع حسب وظيفتها إلى ثلاثة أقسام: مدافع ميدان، مدافع حصار، مدافع حصون وقلاع.. والأخيرة من مهامها: دكّ الأسوار وتهديم التحصينات. وكلّما زاد التطوّر في صناعة المدافع، زادت قوّة الممالك والإمبراطوريات التي تمتلك مثل هذه الأسلحة القويّة، التي اعتُبر تصنيعها وتطوّرها أحد أهمّ النّقلات النّوعيّة في ميادين التسلّح ومعدّات الحروب.

وكانت المدافع توضع على عجلات تجرّها الخيول أو الثيران، أو كانت توضع على عربات خاصّة يجرّها الجنود. بينما أن مدافع الأسوار والحصون، غالباً ما توضع على عجلات أصغر حجماً عن عجلات الميدان، ويمكن تحريكها حسب الحاجة على الأسوار. وقد انتشر استعمال المدافع انتشاراً هائلاً في أوروبا، وكانت تصنّع حينها من النّحاس والصّفر ثمّ الحديد والبرونز. وساهمتْ في توسيع أراضي الممالك الأوروبيّة وحماية الأسوار، وتطوّرت بالتالي الاستحكامات العسكريّة، لتتحمّل ثقل هذه الأسلحة. ولمّا تطوّر استعمال المدافع على ظهور السّفن، زاد نفوذ الأوروبيين في أعالي البحار، وتنوّعتْ السفن الحاملة لهذه الأسلحة، كما تنوّعتْ أحجام المدافع، وكانت على الأغلب تصنع من البرونز، لأنّه أخفّ ثقلاً من الحديد، وأكثر مقاومة للصّدأ.

تنوع

بدأ استعمال المدافع في العالَم الإسلامي منذ فترة مبكرة في غرناطة، وفي مصر أيّام المماليك. ثمّ طوّر العثمانيّون هذه الأسلحة وبرعوا فيها، وأكثروا من استخدامها في حروبهم المختلفة. وتأسّستْ في عهدهم دُور لصناعة المدافع في بورصة وأدرنة وغيرها. وتنوّعتْ لديهم هذه المدافع حجماً وشكلاً ووزناً. وتعدّ البرتغال من أسبق الممالك الأوروبيّة استعمالاً للمدافع، وأصبحت قوّة كبرى فرضت هيمنتها على أجزاء من العالَم، كما مهر البريطانيون في تصنيع المدافع وتقويتها، والإبداع في تشكيلها، وتعدّ هولندا من أنشط الممالك الأوروبية في تطوير الأسلحة. وكان الفرس من أوائل مَن استعمل المدافع في منطقة الخليج العربي، وكان ذلك منذ عام 1502. ثمّ طوّر الصّفويّون اهتمامهم بالمدافع استيراداً وتصنيعاً، واستعملوها في حروبهم مع العثمانيين.

ولكن من المؤكّد أنّ منطقة الخليج العربي، قد عرفت المدافع مع مجيء البرتغاليين إليها، وكان لها الدور الكبير في فرض هيمنتهم في المنطقة، إذ كان الأهالي في أوضاع سيّئة، وضعف، ووضع عسكريّ متهالك، مقارنة بالقوّة البرتغاليّة المتعالية. وقد دكّوا بها أسوار قلهات ومسقط وصحار وهرمز، ثمّ فَجَروا في هجومهم على خورفكّان بقذائف مدافعهم الجبّارة عام 1507، كما قصفوا بها مدينة القطيف في أعوام 1529 و1544 و1553، وقصفوا بها البحرين عام 1521.

بعد تضعضع النّفوذ البرتغالي في منطقة الخليج العربي، حاول البرتغاليون فرض سلطانهم مرّة أخرى تحت قيادة القائد روي فرييري، الذي نصب مدافعه على سوق صحار، ثمّ هاجم مدن خورفكّان ودبا وليما وكمزار وخصب والرمس وجلفار، حتى تمكّن من إعادة السلطة البرتغاليّة على المنطقة لفترة وجيزة. وأمّا المدافع العثمانيّة، فقد وصلتْ كذلك إلى منطقة الخليج العربي بعد عام 1517، ومن بين أشهر الحملات التي أرسلها العثمانيّون: حملة حاكم البصرة عام 1550، الموجّهة ضدّ البرتغاليين في القطيف.. مصطحباً معه عدداً من المدافع، حملة بيري ريّس عام 1552.. وحدث في هذه الحملة أوّل صدام بين الجانبين، حملة مراد ريّس عام 1554، حيث التقى بالأسطول البرتغالي بالقرب من مسقط.

اهتمام

ومع قوّة هذه الحملات، إلا أنّها لم تتمكّن من اقتلاع الاحتلال البرتغالي من المنطقة. ثمّ تركّز الاهتمام العثماني على منطقة الإحساء والبحرين وقطر والكويت. ومن الجدير بالذِّكر، أنّ العتاد العسكري العثماني الذي وصل منطقة الخليج العربي في كلّ فتراته التاريخيّة، كانت تمثّل المدافع جزءاً منه.

وأثناء فترة التحرير اليعربي ضدّ البرتغاليين، لعبتْ المدافع دوراً بارزاً في الصراع بين العمانيين والمحتلّين البرتغاليين، ففي معارك تحرير جلفار ودبا وخورفكّان وصحار ومسقط، استولى اليعاربة على عدد من السفن البرتغاليّة بمدافعها وذخيرتها، ثمّ صنعوا سفنهم الخاصّة بهم وفق أحدث الأساليب العصريّة في تلك الحقبة، وزوّدوها بالمدافع. وذُكر أنّه كان لليعاربة في عام 1706، 24 سفينة حربيّة، وإحدى سفنهم كانت تحمل 70 مدفعاً، وأخرى تحمل 70 مدفعاً. وأمّا الهولنديون، فاستعملوا مدافعهم في حروبهم في منطقة الخليج العربي كذلك، ومنها قصْف جزيرة قشم بمدافع السفن عام 1645، وكانت سفنهم بمدافعها تجوب مياه الخليج.

1809

وأمّا أهل الإمارات وعلاقتهم بالمدافع، فإنّهم فيما يبدو، استفادوا ممّا تبقّى من المدافع البرتغاليّة. ومن المرجّح كذلك أنهم استولوا على عدد من المدافع البريطانيّة من السفن التي هاجموها. كما أنّ عرب الساحل قد هاجموا بعض قطع الأسطول البريطاني بالمدافع التي يمتلكونها، كما استعملوها في الحروب القبليّة الداخليّة بين عامَي 1781 م و1808 م. وكان الأسطول البريطاني يجوب مياه الخليج العربي بكامل عتاده ومدافعه، ثمّ تمكّن البريطانيون من مهاجمة رأس الخيمة في سبتمبر عام 1809 بسفن حاملة للمدافع، مثل: البارجة شيفون.. وتحمل 36 مدفعاً، البارجة كارولين.. وعلى متنها 36 مدفعاً كذلك، الطّرّاد مورنيجتون، ويحمل 22 مدفعاً، وحين هاجم البريطانيون رأس الخيمة، كان معهم بطاريّة مدفعيّة ميدان عيار 6 أرطال. وهذه القوّة ذات العدّة والعتاد، تشير إلى مدى استعداد البريطانيين لهذه الحملة. وظلّت بريطانيا تواجه أهالي المنطقة بالقوّة والعنف، بحجّة أنّهم يهدّدون الأمن والملاحة في مياه الخليج العربي. وأكّد البريطانيون نفوذهم في المنطقة بالقوّة العسكريّة الغاشمة، وبالاتفاقات والمعاهدات المكبّلة.

وتشير المصادر إلى أنّه بعد عام 1828، تمكّن الشيوخ في المنطقة من الحصول على عدد من المعدّات الحربيّة، ومن ضمنها المدافع من موارد مختلفة، إضافة إلى أنّه من المحتمل أنّ عدداً من المدافع قد أخفاها الأهالي عن أعين البريطانيين.. وقد تمّ استخدامها فعليّاً في الداخل.

مشاهدات

ومن خلال بعض الإشارات في المراجع وفي المخيلة الشّعبيّة، نتبين أنّه بقيت وتخلّفت في أراضي الإمارات أعداد من المدافع القديمة، ففي إمارة رأس الخيمة، يروي عدد من أهالي الرمس، أنّ عدداً من المدافع الثقيلة الضخمة كانت ملقاة على الساحل، ولكنّها أصبحت بعد ذلك تحت الرمال، بعد قيام إحدى الحفّارات بدفن البحر في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.

ومن المحتمل أنّ الأهالي كانوا يجرّون المدافع، وهي على عجلاتها، باستخدام الإبل، خاصّة أنّ هذه الأسلحة تتطلّب جهوداً كبيرة في نقلها وحملها وتحريكها.

1960

كانت بقايا المدافع كثيرة في إمارة أمّ القيوين، وكانت مبعثرة، وهذا ما أشار إليه الصحافي سليم زبال أثناء زيارته لأمّ القيوين عام 1960. ويوضح أنّه لمّا زار أمّ القيوين عام 2000، وجد بعضاً من هذه المدافع موضوعاً أمام المتحف، ولكنّها كانت قد صُبغت باللون الأسود، وطُمس ما كان عليها من عبارات شاهدها في المرة السابقة. لكن، وبعد ذلك التاريخ، فإنّ بعض تلك المدافع قد اختفى ودُفن تحت الرمال، وبعضها نُقل إلى أماكن أخرى خارج أمّ القيوين. كما زخرت الكتب الخاصّة بالإمارات في عقدَي الستينيات والسبعينيات من القرن الـ 20، بصورٍ للمدافع لم تعد موجودة الآن.

1819

أجرم البريطانيون بشكل لا يوصف في عام 1819، في مهاجمة مدن المنطقة بمدافعهم الفتّاكة القويّة، ولم يتمكّن الأهالي من مقاومة البريطانيين المدجّجين بهذا العتاد القويّ والتسليح الهائل، والذي كانت فيه حينها السفينة ليفربول تحمل 50 مدفعاً، والبارجة عدن، وتحمل 25 مدفعاً. كما كانت تحمل البارجتان كيرلو وتايكينمات 18 مدفعاً لكلّ منهما، وبقيّة البوارج والطّرّادات تحمل ما بين 10 و16 مدفعاً

1835

من الأحداث التي استعمل فيها البريطانيون المدافع والتهديد بها ضدّ مدن ومناطق الإمارات، ما جرى في 16 أبريل 1835، عندما تقابلتْ البارجة البريطانية إيلفنستون مع مجموعة من سفن بني ياس، وكانت البارجة تحمل 18 مدفعاً، وبطبيعة الحال، لم تتمكّن السفن العربيّة من مواجهة البارجة البريطانية بمدافعها الضخمة. .