حققت مبادرات الارتقاء باللغة العربية التي أطلقتها القيادة الرشيدة لدولة الإمارات طوال العقود الماضية من أجل دعم وتعزيز مكانتها بين اللغات العالمية إنجازات ملموسة، يمكن استعراضها في هذا اليوم العالمي «18 ديسمبر»، الذي خصصته «يونسكو» للاحتفاء بها على مستوى العالم.
وبمناسبة مرور هذا اليوم نستذكر المبادرات الإماراتية في هذا المجال، ومنها رعاية الطلبة المبدعين في اللغة العربية، وإنشاء معهد لتعليم العربية لغير الناطقين بها، وغيرهما الكثير.
إلا أن من الخطوات النوعية التي تعكس جدية الدولة في الأخذ بيد «الفصحى» نحو الصدارة والعزة، التوجيه الجاد نحو اعتماد لغتنا الأم في التعاملات الحكومية الداخلية والخارجية، وفي الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور كافة، وكذلك إعطاء الأولوية في المواد الإعلامية المعروضة على القنوات المحلية لدعم العربية، وتوفير البيانات والمعلومات التي يحتاجها المستهلك بلغته، جنباً إلى جنب مع اللغات الأخرى، فضلاً عن مبادرة «تحدي القراءة» وغيرها من المبادرات.
«البيان» في سياق إسهامها وتعضيدها لهذا المسار الحضاري المطلوب أجرت استطلاعاً وسط المعنيين بشؤون تعزيز مكانة اللغة العربية في حياتنا المعاصرة فكانت الحصيلة التالية..
ترسيخ الدعائم
مروان الصوالح، وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون الأكاديمية للتعليم العام، أكد أن دولة الإمارات بتوجيهات صريحة من القيادة الرشيدة أولت اللغة العربية اهتماماً خاصاً ومتزايداً ورسخت سبل تدعيمها ليس على الصعيد المحلي فقط وإنما عربياً وعالمياً، من خلال وضع آليات وبرامج وتصورات مستقبلية تكرس أهمية لغة الضاد باعتبارها الوعاء الجامع لهويتنا وتاريخنا وثقافتنا ومورثاتنا الحضارية.
وقال إن اليوم العالمي للغة العربية مدعاة لمواصلة مساعينا الحثيثة ليس فقط على صعيد الوطن فحسب وإنما على الصعيد العربي والعالمي، فلغتنا هي رمز هويتنا وتستحق منا أن نعمل مخلصين من أجل إعادتها إلى ألقها ومكانتها الطبيعية، التي لطالما شكلت على مر الزمان لغة عالمية حضارية ومعرفية لها مكانتها الرفيعة.
وذهب إلى أن الأمم التي تسعى إلى أن تحافظ على موقعها الريادي والعالمي هي تلك التي تصون لغتها وتحفظها من الاندثار وتغرسها في نفوس الأجيال، وهو الشيء الذي شكل أولوية لدينا في دولة الإمارات من خلال إطلاق المبادرات والبرامج الرائدة التي تنمي في المجتمعات أهمية اللغة العربية ومدى تأثيرها في ازدهارها وتقدمها، وكان آخرها إطلاق مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة للدورة الخامسة لمبادرة «بالعربي».
قيمة ورمز
وأضاف الصوالح ان اهتمام وزارة التربية والتعليم بلغتنا الحبيبة أمر نابع من قيمتها كرمز يعبر عن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، بجانب دورها كمدخل وناقل للمعرفة، وفي هذا السياق امتدت مبادرات وزارة التربية والتعليم في هذا السياق لتشمل كافة طلبة مدارسها وفي مختلف المراحل الدراسية.
وقال إنه حرصاً من وزارة التربية على توثيق صلة الطالب بلغته وتجلياتها ومفرداتها، وما تحمله من قيمة لغوية زاخرة، اهتمت بالمكتبة المدرسية ومراكز مصادر التعلم، ووجهت بإلقاء المواد الدراسية من قبل المعلمين بالعربية الفصحى، بجانب اهتمامها بمضمون المنهج الدراسي الذي يركز على جمالياتها وأدواتها وما تتسم به من فنون أدبية وبلاغية راقية، حيث ركزت عملية تطوير منهج اللغة العربية على بناء المادة بشكل يضمن تمكين الطلبة من مهارات القراءة وتنمية مهارات المحادثة والقراءة الذاتية والموجهة وتمكين الطالب من إعادة إنتاج المعرفة وجعل القراءة بلغته عادة سلوكية يومية.
وأوضح الصوالح أن الجهود منصبة على توظيف الإمكانات لإعادة الزخم للغة العربية، مشيراً إلى إطلاق الوزارة لمبادرات عديدة تعزز من حضور العربية، كان آخرها مبادرة تحت مسمى «بلغتي العربية أغرد» وتهدف إلى تشجيع استخدام العربية ومفرداتها في حياتنا اليومية، واستعادة مكانتها كلغة عالمية ودفع الطلبة إلى استخدامها على وسائل التواصل الاجتماعي.
سبق وتميز
من جانبه قال الدكتور عيسى صالح الحمادي مدير المركَز التربوي للغة العَربيَّة لِدول الخلِيج بالشارقة، إن دولة الإمارات سباقة ومتميزة في النهوض باللغة العربية، وذلك سعياً إلى تحقيق «رؤية الإمارات 2021» والتي تهدف إلى جعل دولة الإمارات تكون مقر امتياز في اللغة العربية وذلك طبقاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، من خلال حزمة من المبادرات النوعية الهادفة إلى الحفاظ على اللغة العربية والتي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والتي تتمثل في العديد من البرامج والفعاليات والجوائز التي تبوأت من خلالها الإمارات مكانة مرموقة وفي مقدمة الدول وذلك في إطار الجهود الرامية للنهوض باللغة العربية وإعادة هيبتها ومكانتها التاريخية في مجال العلوم والمعرفة والتواصل الحضاري، ومن تلك البرامج والفعاليات والمبادرات التي انفردت بها دولة الإمارات مبادرة تحدي القراءة وجائزة الشيخ محمد بن راشد للغة العربية ومبادرة الترجمة وبالعربي وأخيراً الجائزة التي أعلنها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وهي «جائزة الألكسو الشارقة للدراسات اللغوية والمعجمية»، بالإضافة إلى مبادرة لغتي بالشارقة ومجمع اللغة العربية بالشارقة وجمعية حماية اللغة العربية والمركز التربوي للغة العربية لدول الخليج.
رؤية طموح
وتابع عيسى الحمادي قائلاً «إنه من خلال ما تقدم يتضح لنا جليًا ما تحظى به دولة الإمارات من رؤية طموح وخطوات جادة وسباقة جعل منها مقر امتياز للغة العربية، وفي الحديث عن اللغة العربية فإننا نستحضر القرار السامي لمجلس الوزراء رقم 21/2 لسنة 2008 الذي يلزم جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية في جميع إمارات الدولة باعتماد اللغة العربية لغة رسمية في جميع أعمالها ومكاتباتها ومخاطباتها، حتى يتطابق التنظير مع الممارسة وهناك المزيد من المبادرات والبرامج والفعاليات التي ستشهدها دولة الإمارات في مجال النهوض باللغة العربية من منطلق إيمانها أن اللغة العربية جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والخليجية والعربية والإسلامية».
وفي إطار توجيهات منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) والخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) نحو تنظيم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية بما يليق بمكانتها الحضارية والتاريخية، ينظم المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالشارقة – أحد أجهزة مكتب التربية العربي لدول الخليج – برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حفظه الله ورعاه، احتفالية اليوم العالمي للغة العربية وذلك بالتعاون وبمشاركة «وزارة التربية والتعليم، والجامعة القاسمية بالشارقة، ومجمع اللغة العربية بالشارقة، وجمعية حماية اللغة العربية ومبادرة لغتي، وجمعية المعلمين»، والتي ستقام تحت شعار «اللغة العربية والتقنيات الجديدة».
لب الهوية
منصور بوعصيبه المدير التنفيذي لمؤسسة الاتصالات المتخصصة «نداء» يقول في المناسبة: لغتنا العربية هي التي تشكل شخصيتنا وهويتنا، فالحفاظ عليها هو حفاظ على الهوية وإهمالها هو تهديد بضياع هويتنا. ولأجل ذلك، ينبغي الحرص على أن تنشأ أجيالنا على محبة اللغة العربية وإتقانها وتعلمها، حيث يجب زرع مهارات اللغة العربية في نفوس الأبناء منذ الصغر حماية لها من الضياع أمام ثقافات الأمم الأخرى.
وأشار بو عصبية إلى أن لغتنا العربية تتميز بأنها مرنة، فهي قادرة على استيعاب العلوم العصرية المختلفة لأنها لغة مطواعة وقادرة على مواجهة تحديات العصر مثل العولمة والتكنولوجيا. ونحن في مؤسسة «نداء» نحث دائماً موظفينا وأبناء المجتمع على الاهتمام باللغة العربية والحفاظ عليها واستخدامها في عملية التواصل والمخاطبة والمراسلة، تماشياً مع مبادرة «بالعربي»، التي أطلقتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة والتي يتم الاحتفاء بها سنوياً بالتزامن مع «اليوم العالمي للغة العربية» في 18 ديسمبر تشجيعاً لاستخدام اللغة العربية فقط في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في إطار العمل على استعادة المكانة الرائدة للغة العربية كلغة عالمية، وتعزيز حضورها في وسائل الإعلام المختلفة.
مكانة سامية
الدكتور نور الدين عطاطرة، المدير المفوض لجامعة الفلاح، قال إن تخصيص يوم عالمي للغة العربية هو تأكيد على مكانتها السامية ووجوب توجيه الاهتمام لها، سعياً للحفاظ على مخزونها اللفظي والتعبيري والدلالي بالصورة المأمولة، في جانب، وتأكيد على هويتها وكيانها القوي الثابت، ودفع لاستخدامها في الحياة اليومية على الصعد التعبيرية نطقاً وكتابة وبحثاً، في جانب آخر، فوق ما يمكن أن يوجه الأنظار إلى مخزونها النفسي والدلالي الذي يتم توظيف اللغة من خلاله في الإبداعات الفكرية والأدبية والفنية وغيرها من مناحي الحياة المختلفة.
وأضاف الدكتور عطاطرة أن اللغة العربية هي لغة أصيلة، تمتد جذورها لتحتضن حضارة ممتدة لآلاف السنين، وقد كرمها الله سبحانه وتعهد بحفظها ؛ لأن حفظ القرآن الكريم هو حفظ لتشريعات العقيدة والعبادات ولغتها في الآن نفسه، وهي فوق هذا لغة ثرية مطواعة لم تكن في يوم منفصلة عن استيعاب الحضارة وأدواتها ومستخدماتها.
وقال الدكتور نصر عباس، عميد شؤون الطلبة في جامعة الفلاح، وعضو مجمع اللغة العربية بمصر، إن علماء اللغة قد حرصوا منذ القدم، ولم يزالوا من خلال جهودهم المتواصلة سواء عبر مجامع اللغة العربية وجمعياتها ولجانها المتعددة على مساحة الوطن العربي، أو من خلال جهود متحدثيها الأفراد وعبر قرون طويلة على العمل على الحفاظ عليها وصونها وتوسيع دائرة استيعابها لكل ما هو جديد ومستحدث، فكان تناولهم للمشتق من اللغة، وما هو مُعرَّب وما هو دخيل، إنما هو إضافة وتوسيع لمخزون اللغة وإثراء لمفرداتها وتراكيبها، وكذلك ما وقفوا فيه على ما هو منقول مجازياً في اللغة أو ما هو منحوت منها كذلك.
منافسة العامية
أشار الدكتور نصر عباس، إلى أن اللغة العربية الفصحى تبقى، رغم ما يواجهها من تحديات كثيرة في زماننا هذا، سواء على صعيد تأثير اللغات الأخرى الشرس، واقتحام العولمة بوسائلها المتعددة كيان اللغة وصرحها، واستخدام العاميات المحكية بشكل كبير، وغير ذلك من التحديات، هي المؤشر النابض بالحركة والتطور والنمو، في ظل الحفاظ على ثوابتها وقواعدها العريقة، كما تبقى قاعدة لثقافتنا العربية السامية وعنواناً لهوية الإنسان العربي ووجوده؛ لأنها في واقع الأمر جزء من كيانه الثقافي والفكري والإبداعي بل الحياتي بشكل عام.