يعد حسن شريف (1951-2016م) أحد الأسماء البارزة في التشكيل الإماراتي المعاصر، إن لناحية حضوره الدائم والفاعل في حراكه، أو لناحية ريادته في تلقف كل جديد ينداح عن حركة التشكيل العالمي، والاشتغال عليه.
ونقله للناس وللفنانين التشكيليين المحيطين به، ولا سيّما الذين يملكون شهية مفتوحة كشهيته، على البحث والتجريب التقاني والأسلوبي، والخروج عن السائد والمألوف والمستأنس والمستظرف من الاتجاهات الفنيّة التقليديّة.
انغمس في فنون الطليعة وما بعدها، واشتغل طويلاً على الفن المفاهيمي أو التركيب، لكنه لم يتردد، من حين لآخر، في مغادرة هذه الاتجاهات والعودة إلى أدوات وأشكال التعبير التقليديّة التي مارسها باقتدار، كالواقعيّة، والانطباعيّة وغيرها.
كاتب وناقد
بخط موازٍ لتجربته العملية، اشتغل على علوم الفن النظريّة، فسطر مئات المقالات حول شؤون وشجون الفن المعاصر، وأصدر مجموعة من الكتب منها: الفن الجديد، آلات حادة لصنع الفن، مفهوم الفن، وكتاب (الخمسة).. مرت تجربته الفنيّة بمراحل مختلفة الاتجاهات، إلى أن وصلت إلى عوالم الفن المفاهيمي الذي أنهى في آفاقه مسيرته الفنيّة الطويلة والمتشعبة.
احتكاك
اعتقد الفنان شريف أن للفن أكثر من دور يمكنه أن يلعبه في المجتمع الإماراتي المعاصر، كوصل الحوار بالوعي المجتمعي، وخلق قصة إنسان هذا المكان، في هذا الزمان والأزمنة القادمة. وهذا الأمر لا يتم من خلال جلوس الفنان في محترفه وإنتاج الفن فقط، بل عليه الاحتكاك بالمجتمع، وإقامة الندوات، وإنشاء المراسم، وإقامة الدورات والورش الفنيّة.
واعتقد أيضاً أن مجموعة من فناني الإمارات يؤدون هذا الدور ومنهم: محمد يوسف، عبدالرحيم سالم، نجاة مكي، محمد كاظم، محمد أحمد إبراهيم، حسين شريف، عبدالله السعدي، عبيد سرور. بالمقابل يوجد فنانون سلبيون يرسمون ويعرضون، من دون أن يؤدوا دوراً حقيقياً، يضيف إلى الحركة التشكيليّة الإماراتيّة شيئاً يذكر.
وأكد أن الفن ليس كرتوناً، أو حبالاً، أو علباً، أو عملاً فنياً، وليس الفنان هو صانع الفن. الفن هو إلى أي مدى يستطيع هذا الإنسان بأدواته أن يخلق أشخاصاً في مجتمعه، يؤدون من خلال وعيهم وإدراكهم وأعمالهم دوراً تحريضياً: بصرياً وفكرياً وحسياً في المجتمع، فالقناني والعلب الفارغة عند عبدالله السعدي. والأسلاك والكراتين عند حسين شريف.
وأكوام التربة وقطع الحطب عند محمد كاظم. والبناء الحجري في منطقة خورفكان عند محمد أحمد إبراهيم، وأيضاً أعماله.. فن. الفن (برأيه) ليس (شيئاً) لكنه (مفهوم وإدراك وموقف). وهو نوع من التهكم والنقد غير المباشر.
لم يهدف الفنان شريف من خلال أعماله إلى الإثارة الانفعاليّة، والاسترسال العاطفي، أو النزعة إلى فهم ومشاهدة الواقع عاطفياً. إنه (كما قال) أبتعد تماماً عن الحنين الرومانسي للماضي، واسترداد ذكريات الطفولة. فليس لديه وقت لانتظار الإلهام أو العوامل المثيرة، الملهمة لإنتاج العمل الفني، إنه يقدّر متى وأين وكيف ينتج.
خامات
استخدم الفنان شريف في تنفيذ أعماله عناصر مصنّعة من المعادن والبلاستيك والزجاج والورق والقماش، أو مصنّعة من خامات طبيعيّة كالأخشاب والنباتات المختلفة، إضافة إلى الخردة، وهي أعمال تُشكّل في أمكنة العرض، ثم تُجمّد في صورة ضوئيّة، أو فيلم فيديو، لأنه يصعب إعادة تشكيلها مرة أخرى، بنفس التكوين والإيحاء، لكثرة ما تضم من عناصر متحركة، قد تصل إلى مئات وأحياناً آلاف القطع!
أهداف
أعمال الفنان حسن شريف وغيره من الفنانين المشتغلين على مثل هذه الفنون، يصعب على متلقيها، فهم أهدافها ومراميها، من دون الاتكاء على شروح وتوضيحات الفنان لها. والأهداف والمرامي لأعمال الفنان شريف (كما قال) تهكميّة ناقدة للمجتمع الاستهلاكي، بشكل غير مباشر.
فأعماله تحاكي الواقع الملفق والمزيف وغير الجدير بالثقة. لهذا كله، يتعمد استنهاض أعماله في فضاء كاذب، مزيف متكلّف، اصطناعي، وقد أقر بأنها ليست أجوبة عن أسئلة مطروحة، ولا اقتراحات لحل مشكلات وهموم البشريّة، وإنما من خلالها وبها، يرمم داخله.
ويرمم ذهنه، ويؤكد نظرته ومفهومه ورؤيته، لمهام ووظائف الفن في الزمن الحاضر، بعيداً عن النزعات الرومانسيّة صوب الماضي، بغية إلقاء القبض على ذكريات الطفولة واسترجاعها، أو إثارة العواطف.
وانتظار الإلهام، وترتيب الطقس المناسب للإبداع. هذه أشياء أصبحت من الماضي الذي لا يعنيه، وليس لديه الوقت للبحث في هذه الأمور مجتمعة، لكونه يعرف، ويُقدّر بشكل قصدي، متى يُنتج الفن، وأين ينتجه، وكيف ينتجه، وهذا الفن (كما أكد) هو شيء مصنوع، عقيم، عديم الجدوى، عديم المهارة، ذاتي البوح!
هذه هي المنصات التي نهضت عليها تجربة الفنان حسن شريف. وبهذا التوصيف الصريح والمباشر، رسم ملامح الفن الذي أنتجه.
ولم يتردد في ازدراء باقي الأشكال الأخرى للفن، عندما أكد أنه لا يستطيع التردد على المعارض التي تقدمها، ليس كرهاً لها، أو حباً بالاتجاهات التي يشتغل عليها، فهو شخصياً لا يعتقد أن في الفن شيئاً اسمه (كره) ولا يوجد في الوقت ذاته شيء اسمه (حب). الفن كما يراه، موقف ولا يمكن أن تُشكّل المحاباة أي عنصر فيه!
اتجاهات
أشار الفنان شريف إلى أنه ليس ضد أي اتجاه في الفن، تقليدياً كان أو غير تقليدي، فالمهم بالنسبة له هو الوعي والإدراك، والفن قبل كل شيء موقف خالٍ من المحاباة، وهو شخصيّاً، وبعد أن تعرّف على أعمال الفنان الطليعي مارسيل دوشان، في أثناء دراسته للفن في لندن، وجد ضالته فيه.
ما دفعه للتعلق به، والسير في ركبه، واتخاذه قريناً له، ولا سيّما أنه قد اكتشف وجود جملة من القواسم المشتركة بينهما، لعل أبرزها وأهمها، النظرة التهكميّة الناقدة تجاه المجتمع وتجاه كل شيء، وهذه الخصيصة تحديداً، تبدت لدى الفنان شريف من خلال الرسوم الكاريكاتيريّة التي أنجزها في البدايات الأولى لتجربته الفنيّة.
وفي ما بعد، تعرف إلى فنانين آخرين، يملكون نفس الرؤية والموقف منهم: إيف كلاين، مارسيل برودار، بيريو ماتوني، وجوزيف كوزوث الذي اعتبر أن كل الفنون بعد (دوشان) فن مفاهيمي. وهو كما صرح أكثر من مرة، الفنان الواقعي الوحيد في الخليج، إن لم يكن في العالم العربي، ويعتبر أن مدرسة فرانكفورت واحدة من مرجعياته.
مبدع وشهادات
لحسن شريف، كما يقول الفنان محمد كاظم، إسهامات بارزة ومهمة وجذريّة في التعليم والنقد والإعلام. كان فريداً في موهبته وعطائه. وهذا ما يُؤكده الفنان محمد يوسف علي الذي يراه رائداً في الإمارات والخليج العربي، فقد قلب المدارس والاتجاهات، وقام بتأسيس التشكيل الإماراتي، وزرع أمكنة عدة بمراسم الإبداع. أما الفنان والناقد الفني علي العبدان فوصفه برائد الفن المفاهيمي وغير التقليدي في الإمارات والخليج.
شجّع الكثير من الشباب الإماراتيين على خوض التجارب الجديدة في الفنون البصريّة. وأشار الناقد فاروق يوسف، إلى أن أهميّة الفنان حسن شريف، تكمن في أنه بدأ الفن من جهة تماهيه مع بداية نهوض دولة الإمارات، ومن جهة محاولة الاثنين الارتباط بعصر ما بعد الحداثة، من دون الالتفات إلى منجزات الحداثة.
وهو ما صنع من الفنان رائداً لفن لم يتعرف عليه العرب إلا بطريقة حية، وقف في طريقها تاريخ الحداثة الفنيّة. بدأ شريف من نهايات الفن الأوروبي ولم يحتج إلى أن يتسلق سلم الحداثة ليكون مُكرّساً. الإعلامي عمر شبانة أشار إلى أن الفنان شريف كان يرى الفن محاولة إنسانيّة ضد الاندثار.
وهذا ما كانت تُعبّر عنه رسوم الإنسان الأول على الجدران، وكان يُردد دائماً أن طبيعة الفن هي دعوة إلى عدم الانفصال عن الواقع والمجتمع، وكل ما يُنتجه الفنان هو وسيلة إيصال، لأن الفنان غير قادر على التواصل مع محيطه إلا عبر اللغة، والعمل الفني نوع من التهكم والنقد غير المباشر.
مفاهيم
كان لحسن شريف بصمة مهمة في طبيعة الحراك الفني وآفاقه وتطوراته، في المنطقة والعلم، إذ إنه كان من المجددين الذين يشار إليهم بالبنان. فمنذ ماغريت عام 1926 اختلفت أمور كثيرة في الفن، وتداخلت السورياليّة بالرمزيّة، ليس في الفن التشكيلي فقط، وإنما في الفكر والموسيقى والأدب أيضاً، وهو "شريف" وعدد من الفنانين، حاولوا تطبيق مفاهيمهم الخاصة في الإنتاج والتنوع.
ولكل منهم شخصيته. هذه المجموعة تشبه شخصيات رواية (رحلة إلى الشرق) لهرمان هيسه، حيث كل شخصية لها أسلوبها في الرحيل. أما مفهوم حسن شريف للمعاصرة فيحدده بالتعدديّة وحرية اختيار الأسلوب، وهو يفصل بين المعاصرة والتراث. ويرى أن تناول الموضوعات لا يجب أن تنحصر في قوالب جامدة فنياً، وإنما أن تتاح الحرية للفنان في رصدها.