تعددت أسماء المكان الذي يقيم فيه المسافر خارج وطنه. فقديماً أطلقوا عليه نُزُلاً، وبانسيون، وأوتيل، وهوتيل، ومسافرخانة، لكن الاسم الأكثر استعمالاً وشيوعاً هو «فندق»، المختلف عليه لجهة الأصل والجذر اللغوي.

تاريخياً، يعود ظهور الفنادق إلى زمن الحضارة الإسلامية في الشام والعراق ومصر، حيث وجدت الخانات والبيوت غير المسكونة في الطرق ليأوي إليها الغرباء وعابرو السبيل وطلبة العلم ويضعوا فيها أمتعتهم.

وكان يـُنفق عليها من أموال الزكاة طبقاً لبحث أعده الدكتور راغب السرجاني بعنوان «الفنادق والخانات في الحضارة الإسلامية» والذي ذكر فيه أيضاً أن الظاهرة تتفق مع مضمون الآية الكريمة الواردة في سورة النور ونصّها: «ليس عليكم جناح أنْ تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم».

ويضيف السرجاني موضحاً أن أمر الفنادق في الحضارة الإسلامية تطور بعد ذلك إذ لم يقتصر قاصدوها على التجار وطلبة العلم وعابري السبيل فحسب، وإنما صار بعض الخلفاء ينزلون بها أيضاً في أوقات سفرهم لتفقد الثغور.

فنادق البحرين

فيما يتعلق بالبحرين فإن المصادر التاريخية والشفوية تقول إنه لم توجد فيها فنادق إلا في مطلع الأربعينات أي قبل دولة الكويت، بدليل أن الطبيب الهندي المعروف بندركار حينما جلبته الحكومة للعمل في البحرين من بومباي لم يجد مكاناً يقضي فيه ليلته الأولى إلا مبنى مهجوراً تركه صاحبه ليُستعمل كنُزُل سبيل.

وكان مثل هذه المباني الخالية من الماء والكهرباء والمسماة «مسافرخانة» منتشرة وقتذاك في البحرين ليستخدمها بحارة السفن من الأشقاء العمانيين وغيرهم للإقامة ليلة أو ليلتين دون مقابل، ودون أن يسألهم أحد عن صفاتهم.

وأغلب هذه المباني كانت مكونة من طابقين وكان أكبرها يقع في شارع المهزع مع وجود مبنى آخر عند مدخل سوق المنامة جنوب مبنى المحاكم، طبقاً للمؤرخ البحريني الأستاذ خليل محمد المريخي في مقال بجريدة أخبار الخليج (26-4-2016).

ويضيف المريخي نقلاً عن المرحوم عبدالرحمن فخرو، أحد رجالات الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين والمسؤول عن ماليته، أنه في بداية الثلاثينيات، وبسبب عدم وجود فنادق في البلاد، كان رجال الحاكم يستضيفون ضيوفه القادمين للحصول على «الشرهات» في مبنى إدارة النواطير في المنامة الذي كان يقع شمال غرب بلدية المنامة القديمة، فيما كانت تأتيهم وجبات الطعام من بعض المطاعم المجاورة. وقد استمر الحال على هذا النحو حتى منتصف الثلاثينيات الذي شهد ظهور أول فنادق البحرين العصرية.

وهذا يقودنا إلى السؤال عن صاحب هذا الفندق الأول في تاريخ البحرين، وموقع الفندق، والتطورات التي مرّت به. ويمكن القول، بشيء من التجاوز، إن الشيخ عبدالنور محمد البستكي هو مؤسس الصناعة الفندقية في البحرين، بدليل أن بحرينيين كثراً لا يزالون يطلقون على فندقه الأول من نوعه في البلاد اسم «فندق عبدالنور» بدلاً من اسمه المعتمد رسمياً وهو «فندق البحرين».

تزايد الطلب

يقول المؤرخ المريخي نقلاً عن «إسحاق محمد هادي» ابن خال عبدالنور وزوج ابنته وساعده الأيمن، إن الشيخ عبدالنور بنى فندقه المذكور في بداية الأمر من 18 غرفة موزّعة على طابقين مشيدين من الخشب بشارع الحكومة، في الموقع الذي كان يحتله «مطعم أمين» القديم للتكة والكباب.

وكان أغلب زبائنه من موظفي شركة أرامكو النفطية السعودية الذين كانوا يأتون إلى المنامة من مدينة الخبر بواسطة عبارات خاصة لشراء لوازمهم، التي لم تكن متوافرة في الأسواق السعودية في تلك الحقبة المبكرة من اكتشاف النفط في شرق السعودية.

بعد ذلك، وكنتيجة لتزايد الطلب على الغرف الفندقية من قبل موظفي أرامكو وغيرهم، نقل عبدالنور فندقه إلى مكان أرحب، هو المكان الذي شــُيدت عليه لاحقاً عمارة الشيخ مبارك بن حمد آل خليفة في مواجهة فندق دلمون الحالي بشارع الحكومة.

حيث شيّد في هذا الموقع 24 غرفة مختلفة الأحجام مع تزويدها ببعض المستلزمات العصرية، علاوةً على بناء مطعم كبير إلى جانب الفندق لتزويد المقيمين في الفندق بالطعام والشراب.

واستمر هذا الفندق يعمل ويسكنه الضيوف من أرامكو وبعض زائري البحرين من كبار الشخصيات الخليجية إلى عام 1940، وهي السنة التي قرر فيها عبدالنور توسعة فندقه مرة أخرى، فاشترى قطعة أرض من محمد القصيبي بمبلغ 16 ألف روبية، وبدأ في تشييد فندق البحرين الحالي، الواقع في نهايات شارع التجار، من أربعة طوابق خصصت ثلاثة منها للغرف التي بلغ عددها 21 غرفة. أما الطابق الرابع فكان أقل حجماً وخـُصص جزء منه للسكن والجزء الآخر للتخزين.

مواد البناء

في سياق الحديث عن مواصفات الفندق الجديد والمواد التي استخدمت في بنائه، ذكر إسحاق محمد هادي أن جميع الأبواب كانت من خشب التيك الهندي المتين، وجميع الأرضيات مبلطة بالرخام الفاخر المستورد من إيطاليا.

وأضاف قائلاً إنه التحق بالعمل في الفندق وقتذاك عدد من الشباب كإداريين ومشرفين، منهم إسحاق صفي، وعبدالرحمن راشد يعقوبي. وقد استمر هذا الفندق في تطور مستمر، مستقبلاً ضيوف وزوار البحرين بجانب ضيوف الحاكم من المسؤولين العرب وذلك خلال فترة الأربعينيات، علماً بأن الافتتاح الرسمي تمّ في 21 مايو 1951على يد حاكم البحرين وتوابعها المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (ولد 1894 وتوفي 1961).

ومما أخبرنا به إسحاق محمد هادي أيضاً أن مستشار حكومة البحرين البريطاني تشارلز بلغريف (ولد 1894 وتوفي 1969) كان يولي مشاريع عبدالنور الفندقية اهتماماً خاصاً، وكان يزوره باستمرار لتقديم الإرشادات حول راحة ضيوف الحاكم المقيمين في الفندق.

وبالتزامن مع مشروع عبدالنور الفندقي، ظهرت في الخمسينات فنادق أخرى، محاولة منافسة فندق البحرين إلا أنها لم تحقق النجاح المطلوب، إذ استمر فندق البحرين وحده هو سيد الفنادق طوال سنوات ذلك العقد.

وظل هذا الوضع حتى عقد الستينيات من القرن العشرين الذي شهد انتشار فنادق أحدث بناء وأرقى خدمة وأكثر تنوعاً لجهة الخدمات مثل فندقي «دلمون» لصاحبه الوجيه راشد الزياني وأولاده، وفندق «مون بلازا» لصاحبه غلام أختر زاده.

وفي عقد السبعينيات تراجعت شهرة وأهمية فندق البحرين أكثر فأكثر بظهور سلسلة فنادق الخمس نجوم العالمية الراقية، وكان أولها فندق الخليج الذي فتح أبوابه مع إشراقة السبعينيات ودخل تاريخ البلاد الحديث كمكان استضاف في العام 1970 بعثة التقصي الأممية التي جاءت إلى البحرين في تلك السنة برئاسة الدبلوماسي الإيطالي فيتوريو ويسبير جيوشياردي (ولد 1912 وتوفي 1995) للوقوف على آراء ورغبات شعب البحرين فيما يخص مستقبل بلادهم السياسي.

تاريخ بستك

صاحب فندق البحرين هو الوجيه الشيخ عبدالنور بن محمد بن عبدالمجيد بن محمد بن عبدالرزاق بن أحمد بن عبدالواحد بن إسماعيل بن حسن العباسي الهاشمي، الشهير باسم الشيخ عبدالنور البستكي. ومثلما يشير لقبه فهو من «البستكية»، ومفردها «بستكي» نسبة إلى حاضرة بستك التي تعتبر واحدة من المدن القديمة ذات الذكر المتكرر في التاريخ كمكان كانت تستخدمه القوافل التجارية للاستراحة والتموين في الماضي، علماً أنها تبعد عن ميناء لنجة بنحو 170 كيلومتراً.

وفي العصر الحديث هاجروا على دفعات من بستك عبر لنجة إلى الضفة الشرقية العربية للخليج، وهكذا نزح بعضهم إلى الكويت والبحرين ودبي والشارقة، والقليل منهم نزح إلى شرق السعودية وسلطنة عمان.

ومن أشهر هؤلاء الشيخ مصطفى بن عبداللطيف بن عبدالمطلب العباسي الهاشمي البستكي، الذي قرر في الثلاثينيات الميلادية تركيز نشاطه التجاري في بر دبي بديلاً عن لنجة للاستفادة من انتعاش التجارة وحركة الاستيراد والتصدير وانخفاض الضرائب في دبي، قبل أن ينتقل إلى البحرين ويتمدد إلى الهند.

وكان قد سبقه إلى ذلك في مطلع القرن العشرين بستكي آخر هو محمد فاروق محمد عقيل عرشي، وهو علم من أعلام المال وتجارة اللؤلؤ في الخليج العربي والهند وأوروبا، وبلغ من الثراء حداً لم يبلغه أحد من معاصريه في ذلك الوقت. وفي سلطنة عمان برز من البستكية المؤرخ والمترجم والسياسي محمد أمين بن عبدالله البستكي (ولد 1915 وتوفي 1982).

1896

ولد الشيخ عبدالنور حوالي سنة 1896 في مدينة بستك، ثم انتقل إلى البحرين وهو في ريعان الشباب برفقة خاله الشيخ محمد هادي بن محمد شريف العباسي، حيث افتتحا مخبزاً في مدينة المحرق. وبعد أن فتح الله عليهما افتتحا مقهى في المنامة سنة 1936م وكان يرتاد هذا المقهى العديد من كبار الشخصيات.

وفي فترة الحرب العالمية الثانية كان عدد من الأمريكيين التابعين لشركة أرامكو يرتادون مقهاه بصورة مستمرة، فاقترحوا عليه إقامة فندق كي ينزلوا به أثناء زيارتهم المنامة. وهكذا اختمرت الفكرة في رأس عبدالنور وشرع ببناء الفندق المطلوب بدءاً من أواخر الثلاثينيات بمساعدة قريبه الشيخ إسحاق بن محمد هادي العباسي على نحو ما أسلفنا.

كبار الضيوف

ومما لا شك فيه أن قيادته للصناعة الفندقية في ذلك التاريخ المبكر، علاوةً على استفادة الحكومة من خدمات فندقه لجهة استضافة كبار ضيوفها وإعداد الولائم الرسمية لهم، جعله من الأسماء التجارية المعروفة ومن أصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة بدليل العلاقة الوطيدة التي ربطته بحاكم البحرين في تلك الحقبة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ثم بدليل تقلده عدداً من المناصب الحكومية مثل تمثيل الحكومة في مجلس بلدية المحرق سنة 1950، ناهيك عن دعوة المستشار بلغريف له في مارس 1951 ليكون ضمن مؤسسي الغرفة التجارية.

كما أن بروزه وثراءه تضاعف مع تأسيسه لمؤسسته التجارية الخاصة تحت اسم «شركة عبدالنور محمد البستكي» للتجارة العامة، والتي انخرطت في استيراد مختلف أنواع السلع والبضائع مثل الملابس والجلود ومعدات الطباعة وغيرها، من عدة بلدان كبريطانيا والولايات المتحدة. هذا ناهيك عن انخراطه في العديد من المشاريع العقارية والإنشائية والترفيهية في البحرين.

مساهمات خيرية

يعد الشيخ عبدالنور البستكي، المتوفى سنة 1961 عن عمر ناهز الـ 65 عاماً، من محسني البحرين، حيث كانت له العديد من المساهمات الخيرية طبقاً لقوائم المتبرعين التي دأبت على نشرها جريدة البحرين لصاحبها المرحوم عبدالله الزايد. فقد تبرع للجنة إسعاف فقراء الحد عام 1942، وتبرع لفقراء المحرق عام 1944.

كما تبرع لتسليح الجيش المصري عام 1955 بمبلغ 4000 روبية. وورد في جريدة البحرين بتاريخ 20 يوليو 1943 اسمه ضمن قائمة المتبرعين برابع أكبر مبلغ للمجهود الحربي ضد النازية (700 روبية).

إلى ذلك ساهم الرجل مع غيره في التبرع لبعض المسرحيات الهادفة، ناهيك عن تبرعه بقطعة أرض وبناء مسجد عليها باسم مسجد الشيخ عبدالنور بن محمد البستكي، مع تخصيص منزلين من أملاكه كوقف دائم عليه.

1925

على مستوى دول الخليج والجزيرة العربية، يعود تأسيس أول فندق إلى 1925 في محلة أجياد بمكة المكرمة، وذلك بسبب خصوصية مكة كمدينة تستقبل حجاج بيت الله الحرام من كل أصقاع الدنيا.

كما عـرفتْ مدينة جدة -باعتبارها ميناء وصول الحجيج ومدخلهم إلى مكة- أوائل الفنادق الخليجية التي كان يطلق عليها وقتذاك «أوتيل»، وذلك مثل: حجاج، الجوخدار.. وغيرها الكثير، طبقاً لما كتبه الباحث السعودي سامي خـُميـّس في صحيفة عكاظ (2-8-2013). غير أن أول فندق كبير عرفته جدة كان «أوتيل الحكومة» لصاحبه عثمان باعثمان.

وتوالى ظهور الفنادق ثم ظهر فندقا قصر الكندرة والنهضة فأحدثا نقلة نوعية بالخدمات الفندقية في السعودية. أما في الكويت فأقدم فندق فيها هو «فندق شيرين» نسبة لصاحبه يوسف شيرين من عائلة البهبهاني المعروفة، وكان مكانه بساحة الصفاة.

«فندق المطلوب»

في السعودية لم تعرف مدينة الخبر الفنادق إلا منتصف الخمسينيات حين بنى محمد عبد المطلوب «فندق المطلوب»، وكان موقعه في قلب شارع الملك خالد، وتميز بـ «تراس» يطل على الشارع ويتجمع فيه الناس مساء لشرب الشاي والقهوة والمرطبات وتدخين شيشة الجراك الحجازية. ويقول إعلان للفندق منشور في صحيفة «أخبار الظهران» السعودية القديمة: «بشرى سارة للمواطنين الكرام.. فندق المطلوب بالخبر.. أول فندق توجد في غرفه حمامات بمياه باردة وساخنة».

غير أن أول فندق ضخم بالمواصفات العالمية عرفته الخبر، بل المنطقة الشرقية بأسرها، كان «فندق الخاجة» للتاجر البحريني المرحوم عبدالله حاجي علي خاجة. وتحول مبنى الفندق لاحقاً إلى «مستشفى الدكتور محمد فخري». والمفارقة هنا أن «فندق المطلوب» هو الآخر تحول مستشفى للولادة والأطفال قبل أن يـُعيده البحريني أحمد شاه مطلع السبعينيات إلى فندق متواضع بمسمى «فندق البحرين».