يكتمل غداً عام كامل منذ أغلق الشاعر حبيب الصايغ عينيه إلى الأبد، وبرحيله هذا جفّ تدفق القصائد التي ميزته وكرسته قامة إبداعية، لكن تلك القصائد التي وثقت تجربته الشعرية ستبقى إلى الأبد شاهدة على إبداعه المتفرد منذ ديوانه الأول «هنا بار بني عبس الدعوة عامة» عام 1980، إلى الأعمال الشعرية الكاملة بجزأيها الأول والثاني، مروراً بأكثر من 10 دواوين.
لم يكن الشعر هو تجربة الصايغ الوحيدة، فقد جمع إليه المهنة الإعلامية، التي كان يختزل عبرها رؤيته وتجربته من خلال عمود يومي. كما أن سيرته حفلت بأنواع من العمل العام، حيث شغل منصب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب منذ ديسمبر 2015 وحتى وفاته، إلى جانب كونه رئيساً لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
كل هذه السيرة، جعلت الصايغ يكتب رحلة إبداع لن تنسى، موثقاً وجوده في الغياب.
2019
مبكراً بدأ حبيب الصايغ رحلته الإعلامية، إذ عمل صحافياً في صحيفة «الاتحاد» وهو لم يتجاوز الـ 15 عاماً من عمره، ليشغل فيما بعد منصب نائب رئيس تحريرها.
وكان ذلك في العام 1978 وبقي يمتهن الصحافة إلى أن رحل يوم 20 أغسطس من العام 2019؛ إذ كان يشغل منصب رئيس التحرير المسؤول في صحيفة «الخليج»، كما كان مؤثراً في المشهد الثقافي العربي، إذ طوع كل كلماته ليوصل أفكاره من خلال العديد من المبادرات التي ستبقى كما ستبقى أشعاره.
ومن المبادرات التي تحتسب له إنه آمن بأن الإمارات مكان مناسب لمقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وروّج الفكرة وتواصل مع المعنيين لتصبح الإمارات في قلب المشهد الثقافي العربي، بعد انعقاد أعمال الدورة الـ 26 للجمعية العمومية لاتحاد الأدباء والكتّاب العرب في فندق الشاطئ روتانا في أبوظبي، في ديسمبر من العام 2015، وفي ذلك الاجتماع نال حبيب الصايغ ثقة زملائه العرب ليكون الأمين العام للاتحاد، وبهذا كان أول إماراتي وخليجي يشغل هذا المنصب.
ولم يقتصر حضور الراحل الصايغ في هذا المنصب على دورة واحدة، بل تبعتها دورة ثانية على التوالي، وذلك من خلال الانتخابات التي جرت في العام 2018، على هامش المؤتمر العام السابع والعشرين للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الذي استضافته أبوظبي.
ووعد خلاله الصايغ بأن تكون الدورة الثانية مرحلة لتمكين شباب الكتاب العرب، من خلال العديد من المبادرات الجديدة التي تم من خلالها تعديل النظام لانتخاب الأمين العام إلى أربع سنوات قابلة للتجديد، وإنشاء العديد من المكاتب الموزعة في الدول العربية تُعنى في مجالات الإبداع والترجمة.
فارس الشعر
حبيب يوسف الصايغ، الذي وُلد في أبوظبي عام 1955 حفر اسمه على جدران الإبداع بحروف من ذهب، سيبقى بريقها على مدار الأيام، كتب قصائد عن الوطن والوجود والتأمل والموت، بدءاً من ديوانه الأول «هنا بار بني عبس الدعوة عامة»، وما تلاه من دواوين تدل عناوينها على أفكار متنوعة استطاع تطويعها شعراً.
وبعد ديوانه «التصريح الأخير للناطق باسم نفسه» عام 1981، حلق الراحل الصايغ بقصائده بعيداً، فأصدر ديوانه «قصائد إلى بيروت» عام 1982.
ومن ثم «ميارى» 1983 وبعدها «الملامح» و«قصائد على بحر البحر» و«وردة الكهولة» و«غد» و«رسم بياني لأسراب الزرافات» و«كسر في الوزن» بجانب الأعمال الشعرية الكاملة بجزأيها الأول والثاني. إلى جانب العديد من القصائد التي ألقاها في الكثير من المناسبات الوطنية والأدبية داخل الدولة وخارجها.
في مشاركاته العربية، التي كان آخرها مشاركته في مهرجان جرش في الأردن خلال شهر يوليو من العام الماضي، مثّل صوتاً إماراتياً متميزاً، وقدم بموهبته وثقافته وأدبه الجمّ صورة مشرفة عن الدولة وإنسانها ومشهدها الإبداعي.
لقد عبر الراحل الصايغ، الذي امتهن الشعر وتنفسه كما تنفس الهواء، دائماً عن أهمية الشعر ودوره، إذ قال بمناسبة اليوم العالمي للشعر: «الشعر يستحق، والشعر العربي يستحق، فهلا تعامل العرب مع الشعر بجدية أكبر، هلا منحوه نور العيون والقلوب ووضعوه في واجهة الانشغالات، هلا اعتبروه في أولويات حركة الحاضر والمستقبل».