أكد مدير إدارة الآداب بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، الكاتب محمد الحبسي، أن «المكتبة البشرية» تشكل فرصة لالتقاء الخبرات البشرية ووضعها في إطار إنساني يسهم في تحويلها إلى حالة إيجابية من شأنها التأثير بشكل أعمق في جميع فئات المجتمع وإثراء عقولهم وإتاحة الفرصة أمامهم لاستخلاص العبر والقيم التي تساعدهم على تحقيق طموحاتهم، مشيراً إلى أن المكتبات انبثقت تحت مظلة محبي الأدب والعلم والعقول النيرة.

وميز الأديب الإماراتي بين الأدب بمعنييه الخاص والعام، وقال: «قبل التعمق في موضوع المكتبة البشرية، أود التطرق إلى مفهوم الأدب والآداب. ينظر الناس عموماً إلى الأدب في وقتنا الحالي على أنه الشجرة التي تكون ثمارها الشعر والحكايا والروايات والقصص. في الواقع، الأدب شجرة باسقة وظليلة؛ مظلة كبيرة تضم تحتها أطياف العلوم كلها، فهو بمعناه الأوسع يدل على الإنتاج العقلي عامةً مدوناً في كتب. الأدب هو أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطفه وأفكاره وخواطره في شتى أنواع المعارف».

وأوضح الحبسي أنه في العصور القديمة، خاصة العصور المستنيرة للعرب والمسلمين، كان الأدب يضم جميع العلوم اللغوية وعلوم الترجمة وعلوم التأليف العام ولم يكون محصوراً في التأليف الخاص. وقال: «الأدب ليس فقط شعر وقصص، بل يضم الترجمة والتأليف العام في حقول كالكيمياء والفيزياء والعلوم وغيرها من حقول المعرفة. وقد اختلفت الكلمة في أصولها وتطورها عبر الزمن؛ فقد أطلق البعض مصطلح الأدب على فروع الثقافة الضرورية لفئة من المجتمع فقط، فكان هناك كتب أدب القاضي وأدب الوزير وأدب الطب وأدب النديم، وغيرها. وبعضهم الآخر أدخل فيه المهارات الخاصة، كالبراعة في الشطرنج والعزف على العود، والمهارات الأخرى. وأطلق آخرون الأدب على التأليف عامة؛ فترجم ياقوت الحموي، على سبيل المثال، في كتابه الشهير»معجم الأدباء«للمؤلفين في جميع أنواع المعارف، واستفاد من كتابه في ذلك الوقت المؤلفين في الطب والفيزياء والرياضيات والفلك والأجرام، وغيرها. عموماً، الأديب هو كل من يهتم بحقول الشعر والحكاية والكتابة والدراسات والعلوم بشكل عام.»

مكتبات

ولفت الحبسي إلى أن المكتبات هي فرع ينضوي تحت مظلة الآداب، مشيراً إلى «بيت الحكمة» التي كانت أول مكتبة في العصر الإسلامي. وقال: «بيت الحكمة هي مكتبة تاريخية مشهود لها في غزارة محتواها المعرفي والتنوير الذي ساهمت فيه. أسسها ابو جعفر المنصور رحمه الله الذي كان مهتماً بعلوم الحكمة، فترجمت له كتب في الطب والنجوم والهندسة والآداب. وقام بتخصيص خزانات للكتب في قصره لحفظها، أخرجها فيما بعد هارون الرشيد وحولها إلى مكتبة عامة مفتوحة أمام الدارسين والعلماء وطلاب العلم وسماها ببيت الحكمة. وأضاف إليها ما اجتمع عنده من الكتب المترجمة والمؤلفة، فتوسعت خزانة الكتب وأصبحت أقسام لكل منها من يقوم بالإشراف عليها. ثم جاء المأمون حيث شهدت هذه المكتبة في عهده ازدهاراً وهو لا يقل عن سابقيه. ما نستخلصه هو أن هؤلاء بحبهم للأدب أسسوا هذه الدار التي تضم آلاف الكتب والمعارف؛ أي أن المكتبات انبثقت وازدهرت تحت مظلة محبي الأدب والعلم والعقول النيرة».

المكتبة البشرية

ونوه الحبسي إلى أن المكتبات تزدهر في كل عصر وتتطور، حيث أصبحنا نرى في عصرنا المكتبات الإلكترونية التي تضم كتباً على شكل PDF، ومكتبات تضم كتباً رقمية أُدخلت فيها الوسائط التكنولوجية، إلى أن رأينا في العام 2000 استحداث «المكتبة البشرية» التي خرجت بفكرتها الدنمارك، ولاقت نجاحاً، لتطبقها من بعدها أكثر من 70 دولة حول العالم.

وشرح الحبسي: «في المكتبة البشرية، الإنسان هو الكتاب الناطق الذي يروي حكاياته وتجاربه المتنوعة وقصصاً واقعية حدثت معه، قد يكون عالماً، أو من أصحاب الهمم، وقد يكون موظفاً، أو أي شخص من ذوي الخبرات والتجارب المفيدة الذين يمكن أن يفيدوا أفراد المجتمع بقصصهم الملهمة والحكم التي استخلصوها من تجاربهم. أما القارىء في هذا النوع من المكتبات، فهو المستمع الذي يمكن أن يكون شخصاً واحداً أو أكثر، بحيث يكون هناك اتفاق بين المكتبة والقارئ على الموضوع المراد».

مشروع

واختتم الحبسي بالقول: «كل إنسان يحمل في داخله كتاباً، وهناك الكثير من الأشخاص الذين طمحوا لأن يكتبوا كتباً، لكن لم يستطيعوا ذلك؛ أتاحت المكتبة البشرية لهؤلاء فرصة ثمينةً لنقل أفكارهم ومعارفهم إلى الآخرين، فهذه المكتبة نقلت تجارب وخبرات ومعارف لم يسطرها القلم. من هنا، نتطلع في»دبي للثقافة" إلى إنشاء مثل هذه المكتبة البشرية لتوفير منصة تمنح أمام الأفراد فرصة مشاركة أحلامهم وتطلعاتهم مع أصحاب الخبرات في محاور مختلفة، وإثراء عقولهم واستخلاص العبر والقيم منها والمضي قدماً في تحقيق طموحاتهم وأحلامهم. نحن الآن في طور حصر الشخصيات التي لديها الاستعداد والشغف للتحدث عن مواقف شعرية أو أدبية وتجاربهم الشخصية وقصصهم الواقعية، ممن يمكن أن يغذوا المكتبة البشرية من الجانب الأدبي في المرحلة الأولى. وبعد الانتهاء من مرحلة الحصر، سنعمل على إتمام المشروع وإطلاق مكتبة بشرية بعيداً عن القالب النمطي للمكتبة، من شأنها أن تعود بالفائدة على جميع فئات المجتمع بشتى أجناسهم وأعراقهم ومشاربهم الثقافية.