أديب وإعلامي وشاعر، دخل عوالم الأدب من بوابة دروس «التعبير الإنشائي» على مقاعد الدراسة، ارتبط بالثقافة العربية الأصيلة وكان له فضاء واسعاً يحلق فيه مرتقياً بذائقته، مشغولاً بشيء أكثر من مجرد كتابة الشعر والكتابة النثرية.. هو الكاتب والشاعر الإماراتي طلال سالم، الذي لم تزل روح الطفل البريئة والمتطلعة إلى كل ما هو جديد تسري في كيانه، فهو الذي يقول (على أحد مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة به): «من أنا... طفل يلعب بالكلمات أغراه الشعر».. «البيان» كانت معه في حوار مطول، خرج عن نطاق الأحاديث الصحافية التقليدية حول الشعر وكتابة السيرة إلى دروس تأملية في الحياة تتعلمها من شاب ما زال أمامه الكثير من الوقت لكي يدخل في نقاشات فلسفية.

تعرفت إلى طلال سالم عبر قراءات بسيطة لشعره وكتاب «إماراتي في نيجيريا» الصادر سنة 2016، الذي يجمع بين أدب الرحلة وأدب السيرة، وخبرت أبعاد تجربته الإنسانية وربما شخصيته وتجريبيته منذ ذلك الحين.

ومع العلم (بصـــعوبة تطــبيق أي منهج) على الإنتاج الأدبي الإماراتي، إلا أن «التجـــريبية» ربما كانت أقرب إلى طلال سالم، خاصة ما يتعلق بأسلوبه الســردي، وفي حــــوار «البيان» معــه ربما أتيح لنا أن نطـــلع القارئ على شيء من ذلك.

حلم

شاركت في معرض الشارقة للكتاب سنة 2017 بنشر كتاب «عندما تتنفس الريح» حدثنا عنه؟

أجل، وهذا الكتاب أقرب إلى أدب السيرة الذاتية والقص، ويروي قصة «خالد»، الشاب الذي كان والده يسافر بالسفينة الشراعية القديمة، فأحب هذه السفن منذ طفولته. والعمل مليء بالمصطلحات العامية التي يستخدمها أهل البحر، والأحداث تبدأ عندما يسافر في مركب شراعي برفقة أبيه الذي يصاب أثناء الرحلة، لكن حلم خالد الذي يتوق إلى قيادة قارب شراعي مازال يراوده، وإن لم يتمكن من قيادته في تلك الأثناء، ليظل ذلك الحلم معلقاً إلى أن يصل خالد إلى مراحل متقدمة من عمره ويجد في نفسه القدرة على ممارسة الهواية.

والواقع أن الرحلة تنتهي بالتجربة التي يخوضها مدعوماً بمساعدة الأصدقاء حتى يمر بنفس تجربة أبيه، خاصة حينما يصاب في البحر، وهنا يبدأ في تغيير طريقته في التعامل مع القارب الشراعي إلى أن يصل إلى القدرة على السيطرة على القارب والانطلاق به، ليكتشف في نهاية الرحلة أنه ليس الوحيد الذي يحلم، وأنه ليس بإمكاننا أن نصل إلى التحكم في الأشياء دون أن تكون لدينا الأدوات اللازمة.. هي في النهاية فلسفة الأمل والجهد والانطلاق للوصول إلى ما نريد.

 

هذه الرسالة تنطوي كذلك على شيء من الرمزية؟

تعمدت أن تكون القصة بسيطة جداً، لكن تطغى عليها اللغة الشعرية أيضاً، كما أنها تقرأ على عدة مستويات؛ إذ يقرأها من يرغب في قراءة القصة ومن يرغب في الفلسفة، وكذلك من يريد أن يستمتع بجمال اللغة.

 

فجوة

من الصعب أن تجد الشباب يتبعون نفس الاتجاه، وهو البحث والمطالعة والتعب على الذات بالقراءة، وليس أي قراءة.. أنت معنا أم لا؟

بين الشباب هناك من يقول إنني لا أقرأ، وأنا أقول له: اقرأ ما تحب، أو ما هو قريب من نفسك، والحقيقة أنك لو استطعت أن تصل إلى ما تحب فستستطيع أن تقرأ في ما تحب وأن تطور نفسك فكرياً وعاطفياً، والواقع أن بعض المؤسسات التعليمية لا تستطيع حتى أن تكتشف مواهب طلابها في وقت مبكر، ولا تستطيع حتى أن تضع نفسها في الطريق الصحيح.

 

ما رأيك في تجربتنا الثقافية في الإمارات الآن؟

أرى أن تجربتنا جميلة، وهي مرتبطة بالأصالة والعروبة وبكل ما يضيف للجمال جمالاً، ولكن أعتقد أن هنالك الآن فجوة تكنولوجية، هذه الفجوة خلقت مشكلة، وهذا يلاحظ في العلاقة بينك وبين أبنائك، حتى في طريقة التعبير، لذلك فإننا، بتصوري، نحتاج إلى الكثير من الدراسات الاجتماعية العميقة التي تكشف عن الحالة، ثم تساعد في البحث عن طرق العلاج. وبالنسبة لي، بعدما درست التكنولوجيا والهندسة، أرى أن الشعر مثلاً ليس محور الكون، ولكن هنالك ما هو أبعد من هذا، وهو توليفة تمثل كل الأشياء لنصل في النهاية إلى إنسان يجد القدرة على التعبير عن نفسه ويستمتع بما يحب، وفي الواقع نحن لدينا من الإمكانات ما يحقق لنا ذلك، ما يجعلك تأتي بالفكرة والإيمان بها ووضعها على طاولة التنفيذ.

عمق

جميل جداً وأنت مسكون بهذه الرهافة والفلسفة، لكن ماذا عن الرهافة والقوة في شعرك في آن واحد؟

أجد من الصعب علي أن أحكم على ما أكتب، والسر في ذلك ربما هو أنك حين تكتب تعيش لحظة الكتابة، بحيث تكون تلك هي لحظة الإبداع، لحظة التجلي، لحظة الحلم.. فإذا تناسقت باقاتك الداخلية وكنت في سلام تام مع هذا الكون غصت أكثر في العمق.. في داخلك، وإذا استطعت أن تغوص في داخلك أكثر فأنت تستطيع أن ترتبط أكثر بكلماتك أو بمخزونك اللغوي لتخرج الكلمة بالرهافة والقوة في آن. في الواقع أن أحاول أن أعيش اللحظة وأعبر عنها، والواقع أن أكثر كتاباتي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي هي كتابات غير معدة؛ هناك تفاوت، هناك تقطع، وأحياناً تجدني أسترسل حسب ظروفي في هذه اللحظة أو تلك.

 

كيان الثقافة

إذاً، سنعود قليلاً إلى الثقافة مادام هنالك حديث عن كتابتك على مواقع التواصل.. أنت قلت عن الثقافة، وهو كلام جميل: «إن الثقافة تعيد تشكيل نفسها»، وهذا في الواقع صحيح؛ فالثقافة خضعت عبر التاريخ وحول العالم لإعادة التشكيل بسبب عوامل تطرأ دائماً حولها في التطورات الحياتية والاقتصادية وعوامل تتعلق بعلم الاجتماع والتطور العلمي، وهو بالطبع يؤثر في تعاطينا معها، لكن الثقافة قوية في النهاية وتعيد تشكيل نفسها.. قل لنا: كيف ترى ذلك كمبدع؟

الثقافة مثل اللغة كائن حي يتغير ويرتقي ويهبط مؤشره أحياناً، لكن اللوم هنا يتعلق أيضاً بالناس عندما يبحثون عما يرفه عنهم فقط نتيجة معاناتهم من ضغوط الحياة مثلاً، غير أن هذا لا يعني أن أحداً لا يسعى إلى تعديل مسارها، والمفارقة اليوم هي أن الإنسان يجد من يتواصل معه من أجل الحفاظ على سلامة هذا الكيان (الثقافة)، ونحن محظوظون في دولة الإمارات العربية المتحدة بما تزخر به من جهود تعزز الثقافة والأصالة.

ومن هنا فإن المثقف لديه فرصة ثمينة للاشتهار والانتشار بسبب تلك الأجواء المعبأة بروح التواصل مع الثقافة. فأنت تنشر قصيدة فتصل بسرعة أكبر منها لو نشرت في الصحافة الورقية. صحيح أن هناك ما يؤثر في لغتنا وثقافتنا وأحلامنا عبر هذه الوسائل، ولكن باستطاعتنا أن نحمي هذه الثقافة بشكل أو بآخر.

 

بمناسبة حديثك عن القصيدة، كم عدد دواوينك؟

بدايتي كانت مع ديوان «حتى تعود» 2004 وهو مؤلف من قصائد عمودية بالفصحى، أيضاً: «خرير الضوء» 2010، «برزخ الريح» 2013، «تعالي، 200 سوناتة حب» 2016. وفي هذا الإطار الذي كتبت فيه 200 سوناتة حب كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في انتشارها واتساع رقعة المتابعين لها، هذا عدا عن أنني تأثرت بها في محاولة من محاولات التجديد التي كنت أقوم بها، وفي الواقع أنت لا يمكنك تجاهل التجربة الإنسانية.

 

ولديك إصدارات في أدب الرحلات أيضاً؟

في الواقع هما كتابان في أدب الرحلات: «إماراتي في نيجيريا» صدر سنة 2013، وتدور تفاصيله حول رحلة عمل كانت مختلفة قليلاً، خاصة عندما تكون الفوارق فكرية ثقافية لم نعتد عليها، وفي الكثير من الأحيان يكون لوسائل الإعلام وما نسمعه من أخبار دور كبير في مواقفنا ومخاوفنا، كل هذه المعطيات شكلت نوعاً من القلق، فحاولت أن أصف مشاعر هذا الكاتب المسافر إلى هناك، إلا أن من يقرأ الكتاب لن يجد فيه الكثير من المعلومات عن هذا البلد في حد ذاتها. وأريد أن أوضح هنا أن الكتاب يتراوح بين أدب الرحلة وأدب السيرة، ومن يقرأه سيجد أن طلال سالم هو من يشاهد ويحلل ويكتب.

 

والأكثر أهمية بالنسبة لي... أنت مغرم إلى هذا الحد بكتابة السيرة؟

أعتقد أنني ما زلت كالطفل أكتب مشاهداتي في كل مرة أكون فيها في رحلة ثم تجد شيئاً من سيرتي الذاتية بلمحة من ملامح الشخصية.. أدب السيرة أتصور أنه أدب جميل، وقليل من الشباب من يبدأ بكتابته، وربما كنت أفكر في كتابة سيرة ذاتية في المستقبل، لكن هذا الطفل المغامر ما زال لديه شغف كبير في الاكتشاف، في الحياة ولربما أعطاه نبض المغامرة أكثر من اتجاه في الحياة، أن يتجه نحو الشعر أو السيرة أو ريادة الأعمال والهواية أيضاً، هناك زخم كبير في حياة الإنسان لو استطاع الإنسان أن يفكر فيه ويفلسفه ويترجمه إلى كلمات.

 

سؤال أخير، وأضيف أن كتابة السيرة ليست بسيطة أليس كذلك؟

ليست بسيطة، وأيضاً فيها محاذير، محاذير كبيرة، وعلى سبيل المثال نحن لم نعتد إلا أخيراً على كشف هوياتنا الإنسانية كثيراً وبخاصة في مجتمعاتنا العربية. المجتمع لا يتقبل أحياناً ظهور الكاتب بطبيعته الحقيقية أمام الناس، لذلك نجد أن كثيراً ممن يكتبون السيرة الذاتية يختبئون خلف روايات أو شخصيات مموهة نوعاً ما. وبكل صراحة أنا ما زلت أخاف أن أكتب شيئاً يمس طلال في المجتمع، فهذه النظرة السلطوية في المجتمع تؤرق الكاتب في رأيي.

إضاءة

طلال سالم شاعر وكاتب وإعلامي إماراتي شاب. خريج كلية الهندسة بجامعة الإمارات 2001. يدير «بيت الشعر، الشارقة»، وهو عضو «اتحاد كتاب وأدباء الإمارات»، وعضو جمعية «الناشرين»، كاتب عمود في صحيفة «الرؤية» الإماراتية، شارك في برنامج «أمير الشعراء» التلفزيوني في نسخته الأولى وحصل على لقب «شاعر الشفافية». صدر له:

- «حتى تعود» 2004

- «خرير الضوء» 2010

- «برزخ الريح» 2013

- «تعالي.. 200 سوناتة حب» 2016

- «إماراتي في نيجيريا» 2016

- «عندما تتنفس الريح» 2017

إبداع

موهبة مبكرة

أوضح طلال سالم أن اللغة موهبة من الممكن للإنسان أن يكتشفها في مرحلة مبكرة. تلك المرحلة التي تبدأ في مرحلة الدراسة الأولى. ويضيف سالم: كنا في السابق نتلقى في المدرسة دروساً في التعبير وحب التعبير وكانت المواضيع اعتيادية، وربما كان لأحد المدرسين، كما حصل معي، الفضل في اكتشاف لمسة من هذه الموهبة في سن مبكرة لدي، كان يحبني كثيراً ويختارني لإلقاء القصائد في المناسبات.

ثم بدأت مرحلة أخرى متأثراً بالموسيقى، وذلك حينما بدأت أستمع إلى الأغنية العاطفية، وحينها أخذت ألامس بين اللحن والكلمة، الأمر الذي ربطني بالكلمة واللحن، وبعدها كانت لي محاولات تعودت أن أطلع الأصدقاء المقربين عليها، كما كنت شديد الحذر من البوح بالكلمة العاطفية على وجه الخصوص، إلا أن أحد المدرسين اطلع على كتاباتي فأهداني قصائد الشاعر اللبناني الكبير إيليا أبو ماضي، فخرجت بتساؤل كبير: هل أنا شاعر؟ لقد استمعت يوماً إلى قصيدة في الإذاعة، ولم يكن الشاعر معروفاً لدي، لكنني بحثت عنه حتى تبين لي أنه الصديق العزيز الشاعر عبد الله الهدية، وهنا كانت انطلاقة معرفة الوزن والبحور؛ وأذكر أنني كنت أنتهي من دواوين شعر كثيرة في ثلاثة أيام فقط، ثم أذهب إلى البحث في المعجم محاولاً أن ألم بمفردات ومصطلحات.

فكر

شغف فلسفي

طلال سالم شاعر يكتب بشفافية، وهي شهادة لكل من اطلع على كتابته، وليس من المستغرب أن لا يكون أسلوبه في كل كتبه شاعرياً على الإطلاق، فهو الكاتب العاشق للفلسفة المحب للفكر المنطقي الذي قد لا يتفق دائماً مع الفكر والأسلوب الشاعري المحض؛ فبالحديث إلى الشاعر طلال سالم تكتشف أنه يحب الفلسفة، وعندما تسأله إن كان يسعى لأن يصبح فيلسوفاً يجيب: الإنسان إذا لم تكن لديه فلسفة داخلياً ليكتشف من خلالها هذا العالم فلن يصل إلى شيء حتى لو كان كاتباً أو مهندساً أو أي مهنة أخرى، والحقيقة، أنا لا أعرف كيف وصلت إلى هذا الجزء من الشغف بالفلسفة، قد يكون التعمق في اللغة أو رحلة البحث عن الذات وتطوير الذات التي بدأت بها تقريباً منذ سنة 2002 من خلال اطلاعي على بعض الثقافات الغربية والانتقاء من فلسفة الغرب والشرق أيضاً الشيء البسيط. واليوم، أدعو الكل إلى الاستماع إلى الكتب الصوتية والمرئية، لأننا نستطيع أن ننمي ثقافتنا بهذه الوسيلة الأقرب إلى متناول اليد.

وبالنسبة لي صراحة أنا أيضاً لا أعرف الكثير عن علاقتي بالفلسفة، لا أعرف إن كنت أرتبط ارتباطاً عميقاً بالفلسفة أم لا، فأنت داخلياً تجد نفسك هكذا مزيجاً من الشعر، مزيجاً من الرغبة في تطوير الذات، وقد بنيت عليها محاولاً ربط صورتي الخاصة عن العالم.