في شارع "أربات" وسط العاصمة الروسية موسكو، ترى الكوفية الفلسطينية: «عرفات» أو «عرفاتكا» اسم الدلع. وهي التسمية التي يطلقها الشباب والفتيات الروس على هذا النوع من الثياب، والتسمية جاءت نسبة إلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والذي اشتهر بارتدائه للكوفية الفلسطينية، إضافة إلى الشهرة السياسية الواسعة التي كان ولا يزال يتمتع بها أبو عمار في أرجاء روسيا الاتحادية، وانتشار الكوفية بدأ في روسيا منذ حصار ياسر عرفات عام 2002، وازداد الطلب عليها إبان حصار غزة. وهو ما قد يراه البعض نوعا من التضامن مع الشعب الفلسطيني، هذا وتتباهى الفتيات بارتدائها حتى في السهرات والحفلات، ويفتخرن بها ويعتبرنها رمز الأناقة.
قلب موسكو
أربات «عربات» قلب موسكو النابض أكثر بكثير من مجرد شارع وأكثرها شعبية، وإذا كانت موسكو عاصمة روسيا الاتحادية وقلبها النابض. فإن حي أو شارع أربات هو قلب موسكو الذي يعتبر «أربات» أشهر معلم حضاري واجتماعي متنوع العطاءات أكثر من أي شارع آخر. حتى إنه يوصف بالمركز التاريخي الاجتماعي الثقافي والفني في عاصمة الثلوج. ولا يمكن لأي سائح زيارة موسكو البيضاء أن يستكمل انطباعاته عنها دون زيارة الساحة الحمراء وشارع أربات.
جذور
معظم الدارسين والباحثين يرون أن تسمية أربات لها جذورها العربية مع تنوعاتها المستخدمة قديماً: أرباد، ربات، أو رابات.
ويقصد بها الضاحية أو طرف المدينة، حيث كانت هذه المنطقة في بداية نشأتها خارج أسوار الكريملين الذي كان يضم موسكو، لكن لا يوجد في القواميس العربية مثل هذا المعنى لهذه الكلمة وتنوعاتها والأرجح أن تكون في الأساس الرباط يقصد المنطقة التي تربط فيها الخيل ولعدم وجود الألف واللام (كما هي الحال بالنسبة للام الشمسية وعدم وجود حرف الطاء في اللغة الروسية جاء اللفظ أربات)، في حين تؤكد تفسيرات أخرى «وهذا الأصح» أن الكلمة مشتقة من عربة أو عربات، حيث كانت تتجمع العربات المحملة بالبضائع في هذه المنطقة، وأنها قد تعود إلى زمن العلاقات التجارية القديمة عبر طريق الحرير العظيم، وأياً كان المنشأ أو التفسير فإن جميع الآراء مجمعة على أن كلمة أربات كتسمية لهذا الحي يعود منشؤها إلى اللغة العربية.
تقاليد
كانت تسمية أربات تطلق في السابق على جزء من الأراضي الواقعة خارج نطاق الكريملين. ثم أطلقت التسمية على شارع بهذا الاسم في عام 1592. كان يقطن حينها الحرفيون وسواس القيصر ومنظفو المداخن. وقد تغير مظهر أربات في شتى الأزمنة: حيث كان في القرن السابع عشر شارعا تجاريا، وأصبح أربات منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر أحد أكثر شوارع العاصمة الروسية موسكو.. أرستقراطية.
ويلفت النظر في هذا الشارع أنه حاضن لنشاطات حية أخرى تتخذ مداها للبيع. والكسب فما زال بعض الفنانين والشعراء الشعبيين والمغنين يرتادون الشارع، ويحيون تقاليده القديمة فينشدون قصائدهم ويؤدون أغانيهم منتظرين تقدير المارة بمكافأة مالية أو على الأقل بكلمة إعجاب.
كيلومتر واحد
أربات من أقدم الشوارع في موسكو، يبلغ عمره أكثر من 400 عام. وطوله كيلومتر واحد. وهذا الكيلومتر يمكن تسميته بحق أكثر الشوارع شعبية في روسيا. الكيلومتر يمكن اجتيازه سباحة بعشرين دقيقة، وركضاً بخمس دقائق، وعلى الدراجة بدقيقتين. ولكن إذا كان هذا الكيلومتر من أربات القديم، فيمكن التجول فيه طول الدهر، والعودة إليه المرة تلو المرة.