أصبحت (البراجيل) جزءاً أساساً من التراث الشعبي المعماري الإماراتي، بل ودرة رموزه ومظاهره. اجتهد الباحثون في تحديد مصدرها وتاريخها. قال البعض إنها تحريف للكلمة الفارسية (بادكير)، وهي تعادل المشربيات المصنوعة من الخشب المنقوش المزخرف بالرسوم، وكانت وسيلة مثلى لتكييف الهواء أثناء أيام الصيف القائظ، في الزمن الجميل الذي أفل أو يكاد، من حياتنا المعاصرة، لهذا أُطلق عليها تعبير (مكيفات الزمن الجميل) و(هواء الزمن الجميل) و(أبراج الهواء) و(المسارب الهوائية) و(مسرب الريح) و(ملقط الهواء).

تاريخ قديم

استخدمت البراجيل منذ عهد الفراعنة في مصر، ثم في العهد العباسي، وعُرفت في بلاد الشام، والمغرب، وإيران، حيث كانت تُبنى من الإسمنت، بعكس ما هو سائد في الإمارات العربية المتحدة، حيث كانت تُشاد من مواد وخامات البناء القديمة، ولاحقاً من مواد البناء الحديثة، حيث أدخلت عليها الشبكات المعديّة لتدعيمها ودخول الطيور إلى فتحاتها، وكذلك الرخام والحجر والإسمنت.

يُقال إن عرب (النجا) مقابل الشارقة هم أول من بنوا البراجيل، وأول من أدخلوها إلى الإمارات، حيث تحوّلت إلى مظهر لصيق بعمارتها الطينيّة التقليديّة، وغالبية براجيل الإمارات القديمة، بنيت خلال العام 1903 مع قدوم التجار إليها، يرافقهم الصناع الذين استقروا في منطقة الفهيدي التي لا تزال تحتفظ بالكثير منها حتى اليوم، كما أنها أصبحت تُشاد اليوم في القرى التراثيّة الاصطناعيّة، باعتبارها عنصراً أساساً في العمارة التقليديّة.

تنتشر البراجيل بكثرة في الإمارات، وهي معروفة في البحرين، وقطر، والكويت، وقليلة التواجد في السعوديّة وعُمان ومصر، حيث تدعى (ملاقف الهواء). يُرجح أن عمر البراجيل لا يتجاوز 200 سنة، بدليل عدم وجودها ضمن النسيج العمراني للحصون الأثريّة القديمة.

وظيفة بيئية

الوظيفة الأساسية للبرجيل تبريد غرف البيت، لاسيّما أيام الصيف القائظة، لذلك قارنوه بالمكيف السائد في البيوت الحديثة، فمن خلال البرجيل يدخل الهواء إلى داخل غرف البيت السفليّة، عبر قنوات عموديّة تدعى (صائدات النسيم العليل من فم الريح) وهو يُعطي هواءً طبيعياً يفضّله الكثير من سكان الإمارات على هواء المكيفات الحديثة، على اعتبار أن الهواء الذي يجلبه البرجيل هو هواء رباني، أما هواء المكيف، فاصطناعي وفاسد ومُضر، وكلما اشتدت حركة الريح حول البرجيل، كلما قام بتأدية وظيفته بإخراج الهواء الساخن من بين أركان البيت وغرفه، وإنزال الهواء البارد بدلاً عنه. على هذا الأساس، جاء البرجيل رداً على المناخ السائد، ومسعفاً للإنسان للتكيف معه.

حضور تشكيلي

ككل الحاجات في حياة الإنسان، طالت البراجيل لمسة الفن الجمالية التزيينية، فأحالته إلى معلم معماري موحٍ، لكن دون أن يؤثر ذلك على وظيفته الأساسية التي وجد من أجلها، وهي تأمين الهواء البارد لسكان البيت في الصيف الحار.

استلهمه غالبية الفنانين التشكيليين الإماراتيين في أعمالهم الفنية، رامزين من خلاله إلى العمارة التراثية التي سادت في الزمن الجميل، وكانت في البداية، تُشاد من المواد والخامات البسيطة المتوفرة حولها، وبالتدريج أسبغ عليها منفذوها محسّنات معمارية وجمالية كثيرة، حوّلت بعضها إلى ما يشبه التحفة المعمارية الفنية النهضة في الفراغ، والحاضنة بكل تآلف وانسجام، للقيمة الوظيفية الاستخدامية المناطة بها في الأساس، والقيمة الفنية الجمالية التي أسبغها عليها الخيال العربي، لترد في آنٍ معاً، على حاجات الإنسان المادية، وحاجاته الروحية المتعاظمة، لاسيما في عصر تحكمه المادة.

يأتي عبد القادر الريس في مقدمة الفنانين التشكيليين الذين شغفوا بالعمارة الإماراتية التقليدية، وبالأخص البراجيل التي توّجها في لوحاته التراثية، ملكة على عرش العمارة التقليدية التي لشدة ولعه بها، حوّل أحجارها وأبوابها ونوافذها ومحيطها الطبيعي، إلى مخلوقات وسيمة، مفعمة بالحياة، تصرخ لأن يتولى أحد ما إنقاذها قبل فوات الأوان.

زاوية خاصة

من الفنانين الذين تناولوا البراجيل في أعمالهم نذكر: فريد الريس، عبيد سرور، عبد الرحمن زينل، حسين شريف، ناصر الزياني، منى عبد القادر... وغيرهم الكثير، وكل فنان منهم، تناولها من زاوية خاصة، وبرؤية معينة، تتوافق ونظرته للتراث، وتنسجم مع أسلوبه الفني الذي يشتغل عليه.