حسين شريف فنان تشكيلي إماراتي معروف، له تجربة فنيّة حاضرة في الحركة التشكيليّة الإماراتيّة المعاصرة. بدأ مسيرته الفنيّة مبكراً، وذلك بتأثير من أخيه الأكبر حسن شريف أحد رواد هذه الحركة. قام بتثقيف نفسه بصرياً بالاطلاع على أعمال الفنانين العالميين، قبل أن يبادر إلى ممارسة إنتاج العمل الفني الخاص به.

برزت في بواكير أعماله، نزعة واضحة نحو التعبيرية، أخذت لها عدة مرتسمات في معمار لوحته، منها استخدامه للألوان الحارة القوية، والخط «الرسم» الصريح والحاد، وتقنية التلصيق «الكولاج»، أما الموضوعات التي عالجها في أعماله، فكانت لصيقة بالبيئة المحليّة، كالبراجيل، والمراكب، والإنسان الذي قدمه في البداية، بشكل مشوّه.

نضج وتفرد

قام الفنان حسين شريف بدراسة الديكور المسرحي في الكويت، ومع وجوده في رحاب أكاديميّة فنيّة، واحتكاكه بأسس وقواعد ومعايير الفن الأكاديميّة، اتجه لإنجاز أعمال فنيّة جديدة، عالج فيها نفس الموضوعات المستوحاة من البيئة، إنما بأسلوب تأثيري مفعم بالشاعريّة، وألوان تكتنز على خبرة واضحة في طريقة انتخاب درجاتها، ومعالجتها، وإقامة حالة من التوافق والانسجام بينها. بمعنى آخر: نضجت معالجاته اللونيّة، وتبلور مفهوم التكوين لديه، وشيئاً فشيئاً، أخذت ملامح شخصيته الفنيّة بالظهور.

قد لا تكون أعمال هذه المرحلة الانتقاليّة على درجة كبيرة من الأهمية كقيمة تشكيليّة وتعبيريّة، لكنها شكلت إشارة واضحة لبداية صحيحة وسليمة، لا سيّما التزام الفنان شريف بموضوعات البيئة الإماراتيّة، والمعالجة الواقعيّة المشوبة بالانطباعيّة، وهذا التوجه تحديداً، كان وما زال، القاسم المشترك للتجارب الفنيّة التشكيليّة الإماراتيّة المعاصرة كافة، خاصة في بداية انطلاقها.

من الزمن الجميل

 

حراك لا يهدأ

بعد انتهاء دراسته في الكويت، وعودته إلى الوطن، اتجه الفنان حسين شريف بسرعة إلى صيغة التجريد اللوني، لكنه لم يمكث فيها طويلاً، حيث غادرها بسرعة أيضاً، إلى صيغة جديدة في معالجة لوحاته، ماهى فيها بين الواقعيّة والتعبيريّة، انتقل بعدها إلى إيقاع لوني مموسق، فيه الكثير من الانسجام والتوافق.

ثم تتالت لديه التجارب غير المستقرة في اتجاه معين، وصولاً إلى اقتحامه الجريء والسريع أيضاً، لتقنية التلصيق «الكولاج»، والتركيب، والتجريب المفتوح على كل الاحتمالات، ثم اقتحم آفاق الفن المفاهيمي، وقام بتدوير النفايات أو «المهملات» من الصفائح والحديد والخردة والكرتون والأسلاك وغيرها، في استنهاض أعمال فنيّة مسطحة «لوحات» ومجسمة «كتل في فراغ» مقارباً بذلك تجارب الفنانين الطليعيين، الذين أرادوا تحويل الأدوات العاديّة والمستعملة في الحياة اليوميّة، إلى أعمال فنيّة ليست بالضرورة مرئيّة لها دلالة، أو حاضنة لمعنى، أو متضمنة رسالة، إذ يكفي أن يلتقط الفنان بعض الأشياء المهملة، ثم يقوم بإعادة تدويرها ضمن تكوينات فراغيّة، لتتحول إلى عمل فني بمجرد أن يضع توقيعه عليها.

عمارة قديمة

 

مغامرة مفتوحة

بحسب الفنان حسين شريف، يصعب اليوم، تحديد ماهية الفن وحصره في مسمى واحد، والمتابع لتجربة هذا الفنان يمكنه أن يضيف: ولا في شكل واحد، بدليل الأعمال الفنيّة التي أنتجها خلال هذه التجربة التي يصعب تصنيفها في اتجاه محدد، لكثرة ما تحمل من شهية مفتوحة على البحث والتجريب، والمغامرة الطامحة للتجديد والإضافة.

رسم الفنان شريف الكاريكاتير، ومنه انتقل إلى إنتاج لوحة مصاغة بألوان غنائيّة مجردة، ثم انتقل إلى واقعيّة جميلة منفذة بتقنية التلصيق «الكولاج» بإمكانيات ومعارف فنيّة تقانيّة لافتة، تحمل الكثير من البراعة والانسجام والتوليف المتقن، ثم انتقل إلى نوع من التجريديّة الحداثيّة المنفذة بنفس التقنيّة. وهنا لا بد من التأكيد، على أن ما قدمه الفنان شريف من خلال تقنية التلصيق، يبدو من أبرز وأهم وأفضل المحطات في تجربته الفنيّة المتنوعة.

قص ولصق

يقول الفنان شريف بأن عمله مع تقنية قص ولصق الصور وزرعها في معمار أعماله الفنيّة، بدأ مطلع ثمانينيات القرن العشرين من خلال عمله رسام كاريكاتير في الصحف والمجلات المحلية، ومشاهداته لعملية الإخراج الصحافي في صحف «البيان» و«الأزمنة العربيّة» و«الوحدة» وكانت الإعلانات التجاريّة، تُنشر بألوان وطباعة فاخرة.

يومها بدأ باستخدام هذه الصور بديلاً لونياً، وتعرف على أعمال بيكاسو وبراك في فن التلصيق (الكولاج) ما أعطى لعلاقته بالصور زخماً أكبر، فأنتج الكثير على هذا الصعيد. ما أعجبه في هذه التقنيّة هو استخدام المشرط، وذلك لأن ما مر في تلك الفترة من تجربته، هو شريط سينمائي كان يجب تقطيعه بمشرط، وكذلك مشاهدات الطفرة، كانت هي الأخرى بحاجة إلى مشرط للتوقف والترتيب.

يؤكد الفنان شريف، أنه في تلك الفترة تحديداً، بدأ يتعرف على السينما، من خلال سينما «النصر» التي كانت تعرض أحدث الأفلام، والمشرط في نهاية الأمر، كان أداة جديدة لفن الإخراج الصحافي، وتقطيع الصور. وفي ما بعد، استخدم الآلة الأكثر حديّة وقوة في قطع الأسلاك والعلب المعدنيّة لإنتاج أعمال فنيّة.

نبض البيئة

 

مقاربة

أعمال الفنان حسين شريف، تماهت في مرحلتها الأخيرة بأعمال أخيه الأكبر الفنان الراحل حسن شريف، لا سيّما تلك التي يمكن تصنيفها ضمن مفهوم تدوير النفايات المختلفة في الفن الذي يرى الفنان حسن في معرض حديثه عن تجربة حسين أنه ليس من وظيفته تزويد المشاهد بالإدراكات الحسيّة بطريقة مباشرة، ولكن الهدف من أعمال حسين هو أنها تمد المشاهد وتنتج عنده إدراكات حسيّة أعمق للتجربة، لذلك فإن هذه الأعمال تسبب الكثير من مجرد فهم وإدراك أو رؤية الأشياء المعروضة أمامنا بطريقة عقلانيّة.

أعمال حسين «كما يقول حسن» تجعل المشاهد يحيا أو ينغمس مرة أخرى، ويعيش في عالم الحلم من جديد ليحقق ذاته، فهذه العلب والكراتين والأشياء البسيطة التي يستخدمها الفنان حسين في إنجاز أعماله، تعطي المشاهد نوبة ضحك مبجلة ومثيرة للانفعال، أو صرخة موقرة تعقبها حالة شغف وتشنج.

وبحسب الفنان حسن، إن أعمال حسين شريف هي نتاج إجراءات تمهيديّة كثيرة. هي نتاج تجربة بصريّة متكررة إلى أن تلخصت واختزلت إلى هذه العناصر البسيطة. ما يشتغل عليه الفنانان حسن وحسين شريف وعدد كبير من فنانين الخليج العربي من فنون مركبة، أو مفاهيميّة، أوجدها الغرب خلال المرحلة التي أعقبت الحروب العالميّة .