أسهمت قنوات عرض الأفلام والبرامج الوثائقية المتخصصة وغيرها من المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي، في انتشار واسع لهذا النمط من الأعمال الفنية التي طالما اقتصرت على النخبة المثقفة أو المهتمة بالأحداث الواقعية، باتت تلك الأفلام نوعاً حاضراً في المشهد الإعلامي، خاصةً على شاشات البث الفضائي، في ثورة جديدة ترفع الستار عن أعمال متجددة تحاكي الأحداث المعايشة وتوثق الماضي والحاضر بعيون محلية تتطلع إلى ازدهار متوقع لهذه الفئة من الأفلام.
وجاءت الردود مفاجئة على غير المتوقع عن سؤال «البيان»، هل تنافس الأفلام الوثائقية نظيرتها الروائية وتحصد اهتمام المتابعين؟ فكانت النتائج: على موقع البيان الإلكتروني، أجوبة المستطلعة آراؤهم 58% «نعم»، و42% «لا»، أما في «تويتر» أكد 63% بـ«نعم» و37% بـ«لا»، وعلى «فيسبوك» 63% «نعم» و37% «لا».
بُعد درامي
ويؤكد المخرج وليد الشحي، الذي حصدت أفلامه الوثائقية العديد من الجوائز، أن استطلاع «البيان» يقدم نوعاً من التفاعل مع الحراك الثقافي لمجتمع الإمارات الذي بات يدرك القيمة الثقافية والإعلامية والتعليمية للفيلم الوثائقي، على الرغم من صعوبات وعقبات عديدة ترتبط أساساً بمشاكل الإنتاج والدّعم، بالإضافة إلى غياب ثقافة ترويجية تؤسّس لأفق معرفي عصري يدفع المتفرّج إلى مشاهدة هذا اللّون من الأفلام التي باتت تزهر اليوم بفضل قنوات البث الفضائي الخاصة ومنصات التواصل الاجتماعي.
ويضيف: الجمهور بمختلف شرائحه بات أكثر إدراكاً لما يجري في العالم، وأكثر شغفاً بالجانب الثقافي ذي الصلة بالموضوعات الواقعية في صناعة الفيلم الوثائقي وفكرها المعاصر الذي استفاد البُعد الدرامي القصصي للفيلم الروائي، وفسح المجال للتدخّل الفنّي والإبداعي حول كلّ ما يتعلّق بالشّكل والسياق وطريقة معالجة الموضوع وما يرافقه من مؤثّرات سمعية وبصرية مثل اللقطات التوضيحيّة (الخرائط والمخطّطات الطبوغرافية والرّسوم البيانية والهندسية والمجسّمات)، واللقطات التعويضيّة (صور حركية ثلاثيّة الأبعاد والمحاكاة والتّشخيص)، واستخدام الموسيقى التصويريّة والمؤثّرات الصّوتية التي تزيد من جاذبيّة الصّورة وتأثيرها.
حضور جماهيري
وتعتقد المخرجة والمنتجة أمل العقروبي، التي من أهم أعمالها: الفيلم الوثائقي «أنشودة العقل»، الحائز على جائزة ضمن مهرجان دبي السينمائي الدولي، أن نتائج استطلاع «البيان» يؤكد حاجتنا اليوم إلى دعم كبير لصناعة الأفلام الوثائقية محلياً وعربياً، وأن ما سبق من تهميش وتغيب لمضمونها على اعتبار أنها لا تمتلك الروج الجماهيرية التي تجذب جمهور الصالات بات من الماضي، وعلينا أن نعي التطور التكنولوجي المرتبط بنظم البث الحديثة، قد أجد شريحة جديدة من المتابعين لكل جديد بمجال صناعة الأفلام الوثائقية، وعلى دارية كبيرة بآخر الإصدارات وأهم المخرجين عربياً وعالمياً، في الوقت الذي تنحاز فيه السينما التجارية لفيلم الشباك على حساب هذه الفئة من الأفلام ذات النمط الواقعي، لذا أعتقد أن علينا إيجاد حلول عملية حول العوامل المباشرة التي تهدد خريطة الإنتاج الوثائقي المحلي والعربي بجانب أزمة التمويل والمنتج الفني والمضمون والمحتوي الذي يواكب تطلعات الجمهور فنياً واجتماعياً.
فضاء مفتوح
ويفيد المنتج علي المرزوقي الذي أشرف على إنتاج العديد من الأفلام القصيرة، وشارك بـ«برنامج استديو الفيلم العربي» (2014)، وكتب وأخرج وأنتج فيلم «الببغاء» (2015) بأن العلاقة مع الجمهور هي أهم التحديات التي يواجهها الفيلم الوثائقي منذ ظهوره. والمفارقة أن الفيلم الوثائقي يصنع أصلاً لكي يخاطب الجمهور، وهو يعتبر أقرب (نظرياً) إليه من الفيلم التمثيلي، بحكم طبيعة موضوعه الذي يعالج قضايا الإنسان على أرض الواقع وكل ما يتعلق بحياته اليومية. واليوم وبفضل الفضاء الإعلامي المفتوح تغيرت نظرة الجمهور لفكرة محتوي العمل الوثائقي فلم يعد ينظر له على أنه من الأعمال المملة والتي ترتكز على موضوع بعيد عن اهتماماته ويخلو من المتعة والتشويق.
تسويق القطاع
ويقول علي: حقيقة الأمر أن جمهور الوثائقي بشكل عام، يظل محدوداً في العالم كله مقارنة بجمهور الفيلم الروائي. وتثبت البيانات والإحصائيات أن عدد الذين يشاهدون الفيلم الوثائقي عبر شبكات التليفزيون وأيضاً القنوات التليفزيونية التي يدفع المشاهد مبلغاً من المال مقابل مشاهدة فيلم معين يختاره، أو عبر مواقع الإنترنت، أقل كثيراً من جمهور الفيلم التمثيلي. وتبدو الإحصائيات المتوفرة التي أجريت على مشاهدي الفيلم الوثائقي مربكة للمتخصصين في إنتاج هذا النوع من الأفلام وتوزيعها، ولذلك أصبح من الضروري البحث عن وسائل أكثر فعالية، لتسويق هذا النوع السينمائي وجذب الجمهور إلى مشاهدته استناداً إلى وجود قطاع لا بأس به من الجمهور يرغب في مشاهدة المزيد من الأفلام الوثائقية.