علم الآثار هو علم يطلق على كل ما يدل على وجود مخلّفات أو بقايا أي نوع من الأنشطة التي مارسها الإنسان في مجالات الفنون والعلوم والآداب والعقيدة والأخلاق والقوانين. ويوجد فرق بين الآثار والتراث، فالآثار: الشيء القديم الذي مرّ عليه أكثر من 200 سنة أو أكثر، بينما المعالم التراثيّة، أو التراث المادي: الحاجات القديمة أو القريبة من عصرنا.. ولكن زمن قدمها لا يتجاوز الـ 200 سنة. وأمّا الحفائر فهي عملية حفر موقع لاستخراج الآثار سواء كانت آثاراً منقولة أو ثابتة، والحفريات هي المستخرج من أشياء كانت حيّة، كالديناصورات أو عظام إنسان أو حيوان أو غيرها.

تعدّ الدراسات والاكتشافات الآثارية من مصادر العلم الحديثة التي يحتاج إليها علم التاريخ لإثبات الحقائق أو نفيها أو تعديلها، لذا يسهم علم الآثار بجهد كبير في هذا الميدان. وتمثل منطقة الخليج العربي أرضاً غنية بالآثار التي تتطلب دعماً مستمراً ومتابعة كبيرة. وتعتبر عملية الكشف عن آثار الأقدمين إضافة لمعلومات جديدة إلى سجلّ الأحداث الإنسانية. إذ إنّ حدود المعرفة التاريخية بأحداث الماضي رهينة لما تكشف عنه الحفريات والاستكشافات الآثارية، وما نعرفه اليوم من تفاصيل الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية للتاريخ القديم إنّما توفّر بفضل الأعمال العلمية الواسعة في حقلَي الاستكشاف والتنقيب، التي شهدتْها مراكز الحضارات القديمة في بلاد الشرق الأدنى القديم. كما تقدّم لنا الاستكشافات معرفة قيّمة حول أهمية الصلات بين منطقة الخليج العربي، خاصّة، وبين المراكز الحضارية فيما توجده من أسس الترابط الاقتصادي والفكري والثقافي.

وعند هذه النقطة وانطلاقاً منها، تتزايد أهمية دراسة التاريخ القديم لمنطقة الخليج بالنسبة لكثير من المراكز الحضارية القديمة، ومن أبرزها: مصر وسوريا والعراق وإيران، كما يصل تأثيرها إلى شرق إفريقيا والهند.

مصادر

لفتت الاكتشافات الآثارية في منطقة الخليج العربي الانتباه إلى المكانة المتميّزة والهامّة التي احتلّتْها المنطقة في تاريخ الحضارات القديمة. ومن خلال ما يكتشف من دلائل آثارية بات بمقدورنا التعرّف بجلاء على أهميّة المنطقة ودورها الاقتصادي والسياسي عبر العصور المختلفة. ونتعرف من خلالها، على معلومات مهمة عن الحضارة والمستوطنات البشرية التي وُجدت في المنطقة.

وظلّ تاريخ المنطقة يستند، إلى وقت قريب، على مجموعة مصادر تاريخية من المدوّنات العربية والسريانية، وأبعد منها زمناً بعض الإشارات المتفرّقة عن تاريخ العرب القديم في المصادر الكلاسيكية (اليونانية والرومانية). ولم يكن للمؤرخين القدامى علم بمصادر المعرفة التاريخية القديمة من بقايا المخلفات أو اللغات القديمة. ولكن هذه الكتابات التاريخيّة لا تخلو من فائدة، كما تكون الإفادة من كتابات البلدانيين العرب «من كتبوا عن تاريخ البلدان»، عميقة ومؤثرة. والحديث عن تاريخ العرب القديم لا يتوقّف عند حدّ بضعة قرون سبقت الإسلام، وهي حدود العصر الجاهلي أو في حدود الألف الأولى ق. م، وإنما ينسحب إلى عشرات الآلاف من السنوات الماضية، ليعيش بداياته مع حياة الإنسان بالعصور الحجرية القديمة وضمن شروط بيئيّة وحياتيّة مغايرة تماماً لواقع شبه الجزيرة العربية.

وترسم الآثار تصوّراً زمنيّاً حول الحقب والفترات التاريخية التي مرت بها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة عامّة، ودولة الإمارات العربية المتحدة خاصّة.. وأثبتتْ لنا الآثار أنّ منطقة جنوب شرقيّ شبه الجزيرة العربيّة كانت قد شهدتْ تنوّعاً في البيئات، وتَمَاثُلاً في المكان، وحراكاً حضاريّاً متواصلاً، وازدهاراً ونشاطاً، وركوداً وانحساراً. وبيّنت لنا حدوث توارث في المكان والمكانة بين المواقع الآثاريّة والمواضع الجغرافيّة المختلفة، حيث علمنا من خلالها بأنّه كلما أفل نجم موقع في مكانٍ ما، حلّ محلّه موقع آخر في مكانٍ آخر من أرض الإمارات. ومن أهمّ نتائج الآثار، تعريفنا بذوق وإحساس السكان القدماء، ودقّتهم في الصنعة، وحذقهم بها، وإجادتهم في تصنيعها. وتوضّح لنا كذلك القيم الماديّة والفنّيّة والفكريّة والّدينيّة التي كانت سائدة عند السكان القدماء في امتدادات مناطق دولة الإمارات.

أدوار

ونشأت في منطقة الإمارات بلدات ومدن وموانئ ومواقع، متنوعة، في بيئات مختلفة : ساحليّة وداخليّة وسهليّة وجبليّة. ذلك إضافة إلى واحات أدت أدواراً اقتصاديّة مهمّة في المنطقة. وساهمت في التّواصل الحضاري بين المنطقة والمناطق المجاورة، وانتقلت عن طريقها السلع والبضائع المختلفة، وتبودلت عن طريقها السلع المحلّيّة والمستوردة. وبعضها نال سمعة عالميّة على مرّ العصور. وأصبحت لمجموعة منها مكانة آثاريّة كبيرة، وشمل بعضها مخطّطات سكنيّة ودفاعيّة متقنة. وتبادلت هذه البلدات والمدن والمرافئ الأدوار، عصراً بعد عصر، مِن الألف الثالث ق.م، وإلى القرون الميلادية الحديثة.. ويتّضح من مواقعها الجغرافية أنّ جزءاً منها نشأ على ساحل الخليج العربي، مثل: أمّ النار والقصيص وتل أبرق والدُّور وجلفار وشمل.. وبعضها على الساحل، مثل: دبا وقدفع وكلبا، وجزء آخر نشأ في المناطق الجبليّة: وادي القور وإعسمة. وكذا بعضها في المناطق السّهليّة، ومثاله: مليحة، ساروق الحديد. وأما تلك التي في مناطق الواحات، فمنها: هيلي. وتوجد مجموعة منها جمعت بين الساحل والواحة، مثل: شمل وجلفار. واللافت أنها كانت جميعها، ترتبط بطرق بريّة تعمل على دوام تواصلها.

حرفيون

واختلفت نوعيّات المعثورات التي وُجدت في هذه المواقع بناء على بيئة وطبيعة المكان الموجود فيه الموقع، كما تنوّعت طبيعة مهن ومهام أهالي هذه المواقع بناء على الوسط التضاريسي الذي استقرّوا فيه. فمثلاً: كان سكان مواقع أمّ النار وتل أبرق والدُّور وشمل، يمارسون صيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ والتّواصل مع المناطق المجاورة عن طريق البحر. بينما تركّزت مهن سكّان وادي القور وإعسمة على صناعة الأدوات الحجريّة واستخراج النحاس وصهره وبناء الأفران الخاصّة بذلك، وتشييد قبورهم مِن حجارة البيئة الجبليّة المحيطة بهم. واستغلّ ساكنو موقع هيلي بيئة موضعهم في واحة وافرة المياه بالزراعة، فزرعوا القمح والشعير والشوفان والذرة. وعمل سكّان صحار وجلفار ودبا بالملاحة والسفر وإنشاء الأسواق.. فتنوّعت ملتقطات ومعثورات مواقعهم. وبرّز آهلو موقع مليحة في بناء قبورهم ومساكنهم مِن الطين، وكذا استغلّوا ازدهار موسم الشتاء لديهم في رعي مواشيهم وأغنامهم وإبلهم وخيولهم. كذلك كوّن سكّان ساروق الحديد شبكة اتّصالات مع أرجاء شبه الجزيرة العربية ساهمت في تواصلهم وتبادل السلع والبضائع المحلّيّة والمستوردة. ومِن الملاحظ أنّ مجموعة من هذه البلدات والمواضع الساحليّة تضمّ آثاراً غنيّة، مثل: أمّ النار وهيلي ورميلة وتل أبرق والقصيص وساروق الحديد والدُّور وكوش. إلا أنّها تنتابها مشكلة واحدة رئيسة، وهي مسميات هذه المواضع قبل العصر الحديث. وكون بعض مِن هذه المدن، كجلفار ودبا، كانت تعاني من أنّها مدن كثيرة السكنى والبناء، على مرّ العصور، ما أدّى إلى زوال الآثار القديمة أو وقوعها تحت المباني الحديثة. وهذا ما تكشفه الأيّام، بين فترة وأخرى.

بدايات

تعد الفرقة الدنماركية التي قادها اثنان من أشهر الآثاريين في منطقة الخليج العربي، وهما بيتر غلوب وجفري بيبي، أول من بدأ التنقيب في الإمارات. وذلك في فبراير عام 1959م في جزيرة أم النار. وقد زار المعتمد البريطاني الموقع في 7 مارس من العام ذاته. ثمّ واصل الفريق عمله في العين وهيلي وحفيت. واستمر الدنماركيون في عملهم الآثاري في الإمارات إلى عام 1971. ثم أجرت الباحثة الآثارية البريطانية بياتريس دي كاردي في أوائل الستينيات من القرن الماضي، مسحاً آثارياً في الإمارات الشمالية، وتحديداً في رأس الخيمة. وتوصّلت إلى نتائج قيّمة أصبحت بعد ذلك أساساً لدارسي آثار وحضارة المنطقة قديماً. وعن طريق هذه الباحثة بدأتْ صلة قويّة بين الطلبة البريطانيين والإمارات.

وبين عامي 1973 و1974 وصل فريق تنقيب عراقي إلى دولة الإمارات بمقتضى اتفاقية مشتركة بين العراق والإمارات وقّعتْ بين البلدين في 28 فبراير 1971. وقام الفريق العراقي بمسح آثاري مهم في أجزاء من دولة الإمارات، وبالذات في موقِعَي الدُّور ومليحة وبعض المواقع في رأس الخيمة، وفي موقع القصيص في دبي.. ونشرتْ غالبية الأبحاث في أعداد من مجلّة «سومر» العراقية. والبعثة العراقية هي أول بعثة عربية تصل إلى الإمارات.

أسماء

وبعد ذلك، تتابعت فرق التنقيب الأوروبية إلى الدولة حتى أصبحت في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الـ20، كثيرة ومتعدّدة ومتنوّعة. وهذه البعثات هي: البريطانيّة والفرنسيّة والبلجيكية واليابانيّة والأستراليّة والسويسريّة والإسبانيّة والألمانيّة. ولمعتْ أسماء عدد من رؤساء هذه الفرق أو من المشاركين معها، من أمثال: كارين فريفليت الدنماركية، جفري كنغ وكارل فيلبس وديرك كنيت البريطانيين.. وغيرهم الكثير. ومما لا شك فيه، فإنّ هذه البعثات قدّمت تقارير قيّمة ونتائج أبحاث رائعة حول آثار الإمارات.

تقارب

تؤكد الآثار المكتشفة في المنطقة، حقيقة التقارب البيئي والبشري والاقتصادي بين منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، مما ينمّي روح التضامن الخليجي، ويدلّ على أن منطقة الخليج العربي عاشت متقاربة في ثقافتها وحضارتها عبر العصور.

نجاح مشهود

تشير الدّوائر المتّصلة والحلقات المتكاملة المتضمّنة لعدد من المواقع الآثاريّة، إلى طبيعة التوارث والتواصل بين هذه المواضع المختلفة حضاريّاً وزمنيّاً. ومن الثابت والجلي أن دولة الإمارات تمكنت من تخطي جميع العقبات والتصدي لكل المخاطر التي تتهدد الآثار على صعيد العالم، ومن أبرزها: قلّة الوعي بأهمّيّتها، التوسّع العمراني، عدم توافر المتاحف، عدم وجود دعم متواصل من الحكومة للاهتمام بهذه الآثار.

ثراء وعراقة

أثبتت نتائج الجولات الميدانية أنّ منطقتنا كانت أرضاً غنيّة بالحركة والنشاط عبر عصور مختلفة. وكشفت لنا الآثار عدداً من المواقع الآثاريّة والمدن التاريخيّة والمرافئ الساحليّة المهمّة ما بين سواحل الخليج العربي وخليج عمان. كما أثبتت أن أرضنا مرّ بها عدد من الحقب والأزمان التاريخية.

صفحة متخصصة بالتراث والبحث في مفردات المكان تصدر كل خميس