لايزال الطب الشعبي أو ما يسمى «الطب التقليدي» يحظى بشعبية كبيرة في دولة الإمارات، فمنذ القدم اعتمد الأهالي على الأدوية الشعبية والخلطات النباتية والأعشاب البرية والجبلية للتداوي، واحترفت العديد من الأيادي الوطنية من الرجال والنساء مهنة الطب الشعبي، واكتسبوا شعبية كبيرة في المجتمع، حيث كانوا يؤدون دور الطبيب ويقدمون المشورة العلاجية لمختلف الأمراض، فأصبح الطب الشعبي من العلاجات الشعبية المتوارثة عبر الأجيال.
يقول راشد محمد الظهوري، المطبب الشعبي: إن الطب الشعبي التقليدي في دولة الإمارات هو مهنة متوارثة كان يمارسها الرجال والنساء واعتمدت على الخبرة والتجربة الذاتية، وتعتمد مكوناتها على المواد الطبيعية المستمدة من المناطق الزراعية والجبلية والبرية، وكانت تعتمد على الأساليب والأدوات التقليدية في العلاج، مشيراً إلى أن الشخص القائم على هذه المهنة كان يسمى بـ «المطبب» وغالباً ما يكون قد توارث هذه المهنة عن آبائه وأجداده، وتعتبر أحد مصادر الرزق في الماضي.
كما ارتبطت مهنة «المطبب» بمهن أخرى، وهي «العطار» أو «الحواج» وهو بائع الأدوية العشبية، و«الكواي» الذي يعالج بعض الأمراض باستخدام الكي، و«المجبر» الذي يجبر الكسور، و«الحجام» وهو الذي يمارس الحجامة وهي عبارة عن استخراج الدم الفاسد من الجسم لعلاج الكثير من الأمراض ومنها الصداع، بالإضافة إلى «المختن» الذي يقوم بختان الصبيان بالطريقة التقليدية، وغيرهم من القائمين على العلاج الشعبي.
أساليب علاجية
تعددت الأساليب التقليدية التي كانت تستخدم في الماضي لعلاج الكثير من الأمراض، يوضحها الظهوري قائلاً: «من بين أبرز ملامح الطب الشعبي قديماً، تأتي «الجبيرة» التقليدية التي تستخدم في تعديل الكسور، وهي عبارة عن لوح من الخشب مصنوع من جريد النخيل، يتم فيها وضع الجزء المصاب في الجبيرة لتثبيت حركته لمساعدة العظام على الالتئام.
وتتم عملية جبر الكسور من خلال إحضار ورق السدر المطحون، المخلوط بالماء مع القليل من الملح، ويدهن مع الكركم على موقع الكسر، وبعدها يلف بقطعة قماش، ويوضع في الجبيرة ويضاف عليها «نبتة العنزروت» حتى تتماسك مع الجبيرة».
وأشار الظهوري إلى أن ثمة طريقة تقليدية أخرى، كانت تستخدم في تجبير الكسور، بعيداً عن استخدام «الجبيرة» وكانت تعتمد استخدام زلال البيض مع «العنزروت»، ويتم مزجهما ووضعهما في قطعة قماش على الكسر مباشرة. وكان تجبير الكسور يتم بغضون 15 يوماً فقط.
كما أوضح الظهوري أن الطب الشعبي اعتمد على استخدام أساليب تقليدية مازالت تستخدم في وقتنا الحالي، منها استخدام أسلوب العلاج باستخدام الميسم أو«الوسم» ويطلق عليها أيضاً «الكي»، وهي عبارة عن حديدة توضع على النار، وتستخدم في كي المكان المصاب في جسم المريض، وتستخدم في علاج «أبو جنيب» و«عرق النسا» والأعصاب والشد العضلي في علاج آلام المفاصل والفقرات.
وأضاف الظهوري: «لم يقتصر استخدام النباتات والأعشاب التقليدية في التطبيب وإنما كانت تستخدم نبتة «نيل» مع الكركم و«الشبه» التي تخلط مع زيت الزيتون في تلوين الأقمشة ليتحول لون الثوب من الأبيض إلى اللون البني. أما «الشبة» فكانت النساء تستخدمها في التطيب، والخيل (الحلتيت) من العلاجات التي تزعج الجن، وكانوا يجعلونه في البخور لطرد الشياطين».
إرث وتجارة
توارثت الوالدة حليمة خميس بورشيد، مهنة الطب الشعبي عن والدتها وأسست لها تجارة خاصة في هذا المجال، وتقول: «كان الطب الشعبي في الماضي هو مهنة تمارسها الأمهات من بيوتهن، وكان لديهن زبائن وشهرة كبيرة في الحي، واكتسبت هذه المهنة عن والدتي التي كنت أتابعها عن كثب وهي تجرب الخلطات العلاجية وتبتكر في إدخال المواد الطبية العشبية من أجل علاج معظم الأمراض التي كانت سائدة في الفترة الماضية، وكان عددها قليلا مقارنة مع ما نشهده في الفترة الحالية من أمراض منتشرة، وهذا يعود إلى طبيعة الطعام والمواد المصنعة التي أدخلت عليها».
تعمل بورشيد على بيع الخلطات العلاجية من منزلها، حيث أسست تجارة خاصة لها في هذا المجال، وتقول: «لدي زبائن كثر أقدم لهم الأعشاب الطبيعية والأدوية الشعبية، كما أقدم لهن الاستشارات العلاجية اللازمة في علاج الكثير من الأمراض، فضلاً عن مشاركتي في العديد من المعارض والفعاليات المحلية التي استعرض بها منتجاتي في الطب الشعبي».
خلطات علاجية
اعتمد المطببون القدامى على النباتات والأعشاب في العلاج الطبي، واجتهدوا في استنباط الدواء للقضاء على العلل والأمراض.
يقول الظهوري: «ثمة الكثير من الأعشاب والنباتات التي كانت تستخدم قديماً في العلاج والتداوي، كالحرمل الذي يستخدم في علاج انتفاخ البطن والإمساك، و»المقل«لطرد الديدان والغازات ويشرب على الريق مع الماء، و»المد«لعلاج الجروح والتورمات والإلتهابات، فضلاً عن الزعتر الذي يستخدم في علاج مشاكل الجهاز التنفسي والسعال وطرد البلغم وكان يطبخ مع الشاي».
أما عشبة «الجعدة» كانت تستخدم لطرد الغازات وفي حالات الإمساك، وكذلك «ماء الميرامية» يستخدم لانتفاخات البطن، والملح يستخدم في تطهير الجروح والقضاء على الجراثيم. ولعلاج مشاكل العيون كان يستخدم نبتة تسمى«بريهو» التي تمتص الأوساخ وتعقم العينين.