الحصن لغةً هو كلّ موضع حصين لا يُوصَل إلى ما في جوفه، ويقال: حَصُن المكان حصانةً فهو حصين، وأحصنه، وحصّنه. والحصن أكبر حجماً من البرج، وهو يختلف عنه عمارة وتصميماً بل تضمّ بعض الحصون في جوانبها عدداً من الأبراج لتدعيمها وتقويتها. وتعد الحصون من الأنماط المعماريّة الرئيسة للعمران التقليدي في الإمارات، وهي في الوقت تشكّل النواة العمرانية للمدن الساحلية تحديداً، وهي كذلك مركز الحكم ومسكن للحاكم.

وللحصن أهمّيّة خاصّة، ورمزيّة كبيرة، وهو نقطة الهجوم الرئيسة للأعداء، وأيضاً هو خطّ الدفاع الأول والأخير لأهالي المدينة، ويعني سقوط الحصن في أيدي المهاجمين آنذاك تبدّل السلطة وتغيّر الحاكم.

لذلك كان الاهتمام ببناء الحصون من قِبل السلطة تحديداً، ويقع على عاتقها عمارتها وإنشاؤها. بينما كانت الأبراج ربما يتمّ تشييدها من قِبل الأهالي لحماية قراهم وممتلكاتهم. وكانت حينها الحصون تعدّ رمزاً للحماية في وقت الحروب، وفي الوقت نفسه كانت موطناً للسِّلم أيضاً، إذ يتصدّر الحصن الخطّ المعماري للمدينة وكثيراً ما شهد الأحداث السارّة كاحتفالات الأعياد والمناسبات الاجتماعيّة.

وعادةً ما تكون مربّعة أو مستطيلة الشّكل، أو أحياناً يجمع تصميمها بين هذين الشّكلين. وتُبنى ضمن الحصون عدد من الأبراج المدوّرة أو المربّعة، وغالباً ما تتموضع في أركان الحصون الأربعة. ويعتمد بناء الأبراج على مدى الحاجة لها من حيث الدفاع وتقوية جدران الحصون.

وتتميّز الحصون بارتفاعها الكبير قياساً على البيوت والمساجد والمباني الأخرى المجاورة الموزّعة في المدينة. وقد بُنيت الحصون الموجودة في المدن الساحليّة من الحجارة المرجانيّة إضافة إلى اللّبِن والصاروج والمدر والجصّ.

وغالباً ما يتمّ تسقيفها باستخدام أخشاب الجندل إضافة إل جذوع النّخيل. ويتكوّن الحصن من مجموعة من الغرف لحاكم الإمارة فهو مكان إقامته مع عائلته، وتكون الغرف موزّعة على محيطه، وظهر الغرف وهو الجدار الواصل بين البرج والآخر. وروعي في بنائها أن تكون فسيحة تتّسع لعددٍ كبيرٍ من النّاس، كما تمتاز حيطانها بالمتانة والسماكة. وعادةً فإنّ الحصون تتكوّن من عددٍ من الأجنحة.

سلطة وقوة

وبصورة عامّة، فقد كان الاستيلاء على الحصن يعني الاستيلاء على معقل السلطة والقوة المعترف بها في الإمارات، وكان لتمركز القوة في هذه الحصون ظاهرة سياسية واقتصادية في تاريخ المنطقة فإلى جانب كونها المقر الرئيس لإقامة الحكام، كانت الحصون مقراً رئيساً للممارسات الحكومية والإدارية وبين جدران غرفها ومجالسها المتعدّدة كان يتمّ اتخاذ القرارات المهمة، كما تم رسم السياسات الحاسمة وتنفيذها من أجل بقاء السلطة، وشكلت الغرف الداخلية من الحصون مكاناً لإقامة أفراد الأسر الحاكمة وجزءاً مهماً وبارزاً في الحصن.

وقد اشتهرتْ المدن السّاحليّة في الإمارات بحصونها وتتميّز أبوظبي بحصنها المعروف بـ«قصر الحصن». وأشار إلى هذا الحصن المهم عدد من الكتّاب من أمثال: حمدان الراشدي، وعلي محمد راشد، وإسلام السنهوري، وريم طارق المتولّي، والدكتور أحمد رجب، وجانتي ميترا، وعفرا الحجّي، والدكتور فالح حنظل.

تاريخ التشييد

فيما يبدو أنّ أساسات البناء قد وُضعت حوالي عام 1761 حيث كان على شكل برج رئيس كبير مُشَيَّد من الطين بُني بالقرب من بئر ماء عذب، وكأنّه بُني لحماية المكان. ثم أُحِكم بناؤه وزِيْد فيه بُعيد عام 1795، بعدما اتخذ الشيخ شخبوط بن ذياب (حكم بين عامَي 1793 و1816) من جزيرة أبوظبي مقرّاً دائماً له، واتخذه سكناً محصّناً له ولأسرته وأتباعه.

وذلك بعدما قرّر نقل مقرّ حكمه من ليوا إلى جزيرة أبوظبي. ثمّ تتابع البناء في الحصن خلال عهود شيوخ أبوظبي حتى أصبح الحصن وكأنّه سدٌّ منيعٌ أمام أيّ اعتداءات خارجية. وقد أضحى الحصن مقرّاً سكنيّاً للحاكم، وفي الوقت نفسه مركزاً للدفاع عن البلدة، واحتلّ موقعاً مشرفاً وبارزاً من جهة البحر وحمي المقر بأكمله بل اتخذ فترة طويلة بمثابة علامة معهودة للسفن المسافرة عبر الساحل.

وتميّز حصن أبوظبي بأهمّيّة تاريخية كبيرة، حيث بقي لِما يقرب 200 عام (من عام 1795 إلى عام 1966) مركزاً للقوة في أبوظبي، والمقرّ الرئيس لحكام الإمارة، وفيه كانوا يديرون شؤون الحكم، ومنه كانوا يتواصلون مع مواطنيهم حتى عام 1972 حيث انتقل مكتب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه إلى قصر المنهل. وهي بلا شكّ حقبة طويلة من الزمن تداخلت فيها العمارة بالحضارة، وتوافقت فيها السلطة مع الإدارة، واتسقت فيها شؤون الحكم مع شؤون البلاد والمواطنين.

ومن هنا تأتي رمزيّة هذا البناء المهم، ومن هنا يكتسب هذا الصرح العالي حضوره التاريخي والسياسي والإداري والعمراني عبر تلك المدّة الطويلة. كما شهدت أروقة هذا الحصن وممرّاته وغرفه أحداثاً تاريخية مهمة كان من أهمها تولّي الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه مقاليد الحكم في أبوظبي عام 1966.

كما يعد الحصن نموذجاً فنّيّاً معبّراً، وتصميماً معماريّاً متميّزاً. وبالتالي فإنّ الحصن الكبير قد جمع التاريخ وأصالته وبين الماضي وعراقته. بل كان الحصن قديماً كلّ شيء بالنّسبة للحكم والمجتمع، وكان آنذاك يضمّ مكتباً لحاكم أبوظبي إضافة إلى دواوين الحكومة والقضاء ويوجد به مسكن للحاكم ومجلس لأعيان البلد.

فهو بالتالي كان يمثّل ماضياً إداريّاً وسياسيّاً، كما شهد عدداً من الأحداث العسكرية. وأضحى الحصن أحد المعالم التاريخية التي تحكي قصة الإنسان المتفاعل مع هذه الأرض التي يقيم عليها. وقد أحسنت كلٌّ من جاينتي مايترا وعفرا الحجّي عندما ربطتا في عنوان كتابهما بين الحصن وبين تاريخ حكّام أبوظبي.

تطوّرات وتعديلات

وممّا لا شكّ فيه فإنّ الحصن قد أُجريت فيه العديد من الإضافات والتطوّرات العمرانيّة خلال عهده الطويل، وتعد أقدم إضافة معماريّة في الحصن، بقيت آثارها إلى وقت متأخّر، قد تمّت في عهد الشيخ سعيد بن طحنون (حكم بين عامَي 1845 و1855).

ومن المرجّح حدوث إضافات أخرى في ما بعد عهد الشيخ سعيد بن طحنون، وبالذّات في عهد الشيخ زايد بن خليفة، ولو أنّ الوثائق لم تدوّن شيئاً حسب علمي، لأنّ عهد الشيخ زايد بن خليفة (حكم بين عامَي 1855 و1909) عهد نماء وتطوّر وعلاقات متشعّبة وصلات كبيرة محلّيّاً وإقليميّاً. وأصبح الحصن مهوى الأفئدة، وملاذاً للنّاس، وجاذباً للزائرين والضيوف، ومكاناً آمناً للمواطنين.

ولكن أكبر إضافة للحصن كانت في عهد الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، (حكم بين عامَي 1928 و1966) إذ أمر في عام 1936 ببناء جناحين داخل الحصن، هما الجناح الشرقيّ والجناح الجنوبيّ، يضمّ كل منهما طابقين ليكونا مقرّاً للحكم، ومسكناً للعائلة.

وتميّز هذان الطابقان بتعدّد غرفهما واتساعها، واتصال بعضهما ببعض عن طريق حجرات فسيحة. وقد استمرت عمليات البناء ثلاث سنوات، ونفذها وشارك في تنفيذها عمّال وبنّاؤون من المواطنين، واستُعملت فيها مواد محلّيّة متوافرة في البيئة، وأصبحت مساحة القصر الكُلّيّة 6675 متراً مربّعاً.

برنامج عمراني

بعدما بدأت أعمال البحث والتنقيب الجيوليوجي والبحث عن النفط، وبعدما وقّع الشيخ شخبوط بن سلطان امتيازاً للبحث عن النفط عام 1939. ثمّ من إيرادات هذا الامتياز بدأ الشيخ تنفيذ برنامج عمرانيّ عمليّ تطويري كبير، حيث وجّه ببناء حصن جديد حول الحصن القديم مع إضافة توسيعات مهمة في الأجنحة الجنوبية والشرقية للحصن وهو ما نتج عنه تخصيص غرف خاصة بالأسرة الحاكمة. وبين عامَي 1964 و1965 أضاف الشيخ زايد رحمه الله دارين إلى ساحة المبنى لأغراض إدارية.

1968

منذ عام 1968 تمّ تحويل جانبٍ من الحصن إلى مركز للدراسات والوثائق تابع للمجمع الثقافي آنذاك، وضمّ مجموعة ضخمة من مقتنيات الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه، والبحوث والوثائق التاريخية التي تتناول تاريخ الإمارات والمنطقة.

وتميّز الحصن بزخرفته الإسلامية الرائعة، كما تمّ تحويل أحد أبراجه الدفاعية إلى مأذنة للقصر. ولجماليّة عمارته وأبراجه أضحت أبراجه نموذجاً معماريّاً لبناء المساجد الحديثة في إمارة أبوظبي حاليّاً. وعلى الرغم من تغيّر المعالم حول الحصن في هذه الأيّام، وارتفاع الأبنية والأبراج الحديثة حوله التي أصحبت تطوقه من كلِّ جانب إلا أنّه يقف صامداً يعلن أنّه مهد تاريخ المنطقة، وأنّ به ماضي البلد.

اقرأ أيضاً:

أسفار أهل الإمارات.. قصص تواصل وحكايات كدٍّ وعطاء

أسفار أهل الإمارات.. قصص تواصل وحكايات كدٍّ وعطاء

«البوسطة» همزة وصل القلوب المتباعدة

أحمد بن ماجد رمز وطنيّ وإرث حضاريّ

تحقيق المخطوطات منهج علمي ثابت وخطوات تكفل المصداقية

كتاب «تاريخ المستبصر» (2-2).. رحلة علمية في ربوع الجزيرة العربية