حظي الأطفال في مصر الفرعونية بمكانة خاصة داخل الأسرة وبين أفراد المجتمع وعاشوا حياة فيها الكثير مما هو معروف في الحياة المعاصرة، مثل الذهاب للمدرسة والتمتع بالألعاب، والاحتفال بأعياد الميلاد.

وفيما يحتفل العالم غدا الثلاثاء باليوم العالمي للطفل، والذي يحل في العشرين من نوفمبر في كل عام، وسط مطالب بمنح المزيد من الحقوق للأطفال، يقول مؤرخون وعلماء في المصريات، إن قدماء المصريين، هم أول من وضعوا قانونا اجتماعيا لحماية الأطفال وصون حقوقهم، وأن نصوص ذلك القانون كانت بمثابة التزام أخلاقي ومجتمعي من قبل العائلات وكافة مكونات المجتمع آنذاك برعاية الأطفال ومنحهم الحق في التعَلُم واللعب أيضا.

ومن الطريف أن عمالاً كانوا يتغيبون عن العمل للمشاركة في احتفال العائلة بعيد ميلاد أحد الأطفال.

وتقول الباحثة أميرة عبد الهادي، في دراسة تاريخية صدرت اليوم عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، إن قدماء المصريين عرفوا المدارس النظامية منذ عصر الدولة الوسطى، وشهدت تلك المدارس أول ظهور للكتاب المدرسي، وكان أول ظهور للمدارس النظامية في القصر الملكي.

وبحسب لوحة عثر عليها في منطقة سقارة الأثرية في محافظة الجيزة، ومحفوظة الآن بالمتحف البريطاني، فإنه كان مسموحا للعامة بالتعلم في المدراس المقامة داخل القصور الملكية، حيث يقول نص في اللوحة "وحينما شب عن الطوق وتلقى تعليمه في القصر بين الأمراء... وكان الملك يقدره أكثر من كل الأطفال ".

ثم تطور الأمر وصارت كل حرفة تحتاج لأن يكتسب صاحبها قدراً من التعليم الرسمي، فانتشرت المدارس في البلاد.

ويقول نص دُوّن على جدران مقبرة أحد حكام أسيوط ويدعى "خيتي": "كل كاتب ومدرس تعلم في المدرسة عليه حين يمر بجانب قبر أن يتواضع وأن يدعو للميت"، وهو نص يؤكد انتشار المدارس في مصر القديمة.

ومن اللافت أن الآباء في مصر القديمة كانوا مسؤولين عن تعليم أبنائهم وأبناء غيرهم أيضا، في إشارة إلى مدى التزام المجتمع بحقوق الأطفال في التعلم.

وتقول الدراسة إنه كان من بين القوانين التي توارثها قدماء المصريين جيلا بعد جيل، هو تبنى الأطفال الأيتام، ورعايتهم.

وكان المعلم الحكيم بمثابة الأب لتلاميذه، ومن وصايا معلم لتلميذه الفرعون "مرى كارع "، من عصر الاضمحلال في مصر القديمة بأن يكون حليما مع العصاة وألا يقتل رفقاء الدراسة "لا تقتل رجلا تعرف فضائله" أي درست معه وعلمت بِخُلقه.

وفى نص مصري قديم، وصف معلم ابن الملك بـ "الأب المعلم لابن الملك"، في تأكيد على مكانة المعلم وقدسيته إذ كان يوصف بالأب، حتى داخل القصور الملكية.

وكان في طيبة - مدينة الأقصر الآن - ثلاث مدارس، أحدها بمعبد موت في الكرنك، والثانية خلف معبد الرامسيوم في البر الغربي من نهر النيل، أما المدرسة الثالثة فكانت في مدينة العمال التي تعرف اليوم باسم دير المدينة، حيث يقيم العمال وعائلاتهم، وتسجل بعض قطع الأوستراكا بعض النصوص التي كان يتعلمها اطفال العمال، قبل أن يتعلموا الحرف والمهن على أيدي آبائهم.

وتروي الباحثة أميرة عبد الهادي في دراستها، أن هؤلاء الأطفال ربما تعلموا أيضا في مدارس داخل معبد هابو، أو ربما معبد الرامسيوم، القريبين من دير المدينة، حيث كان قدماء المصريين يعلمون الصناع والحرفيين تعليما أوليا يتضمن أسس القراءة والكتابة وبعض العلوم قبل أن يبدأوا العمل في المهن والحرف والصناعات.

وكان معظم التعليم في الهواء الطلق، وفي ساحات مفتوحة، وليس داخل فصول مغلقة، وهو نظام تسعى بعض الدول المتقدمة إلى تطبيقه اليوم، وربما كان يطلق على تلك المدارس اسم "بيت العلم"، وكان التلاميذ يجلسون القرفصاء حول معلمهم.

وكما اهتم قدماء المصريين بتعليم الأطفال، فقد اهتموا ايضا بالترفيه عنهم، فابتكروا الألعاب، ومنحوا أطفالهم الوقت للتنزه واللعب الجماعي.

وتحتوي معابد ومقابر الفراعنة، في الأقصر والجيزة وأسوان، على الكثير من الرسوم والنقوش التي تسجل الألعاب والرياضات التي مارسها الأطفال من الجنسين، لكن ألعاب الفتيات كانت تختلف عن ألعاب الصبيان، وكان يتم الفصل بين الجنسين في الكثير من الألعاب، فكان للفتيات ألعابهن وللصبيان ألعابهم الرياضية، وفى سنوات الطفولة الأولى كانت هناك ألعاب مشتركة للأطفال من الجنسين.

ومن بين الألعاب الشهيرة لأطفال مصر القديمة، لعبة النحلة الدوارة ولعبة الأقزام الراقصة ولعبة التمساح ذي الفك المتحرك، وكانت الفتيات يمتلكن عرائس خشبية تمثل طفلة ترقد في سريرها، وتضع الفتيات تلك العرائس الخشبية بجوار سرير نومها.

وكانت الكثير من ألعاب الفتيات والصبيان، ألعابا تنمي الذكاء وتساعد على التعلم، بجانب ألعاب بهلوانية وأخرى للترفيه والتسلية أيضا، ويمكن القول إن أطفال مصر القديمة، هم أول من عرفوا هذا العدد الوافر من الألعاب، وأول من عرفوا المدرسة النظامية والكتاب المدرسي والألواح التعليمية.