قبل خمس سنوات تقريبا شهدت القنوات الفضائية العربية انطلاقة جديدة لمجموعة من المسلسلات الكرتونية التي جمعت شمل العائلة حولها، بعد أن تعدت مواضيعها وقضاياها التي تلامس واقع الحياة اليومية للأطفال لتصل الكبار أيضاً.
وكما أصبح رمضان موسماً للدراما فهو كذلك بالنسبة للمسلسلات الكرتونية وعلى رأسها "فريج وشعبية الكرتون واشحفان" الذي لحق بالركب حديثاً ومسلسلات أخرى خرجت من مصر والسعودية.
واللافت للنظر أن كافة هذه المسلسلات لم تقتصر على تقديم وجبات الضحك فقط، وإنما أصابت سيناريوهاتها واقع الحياة اليومية حيث اعتمدت أساليبها الإخراجية على عمق البيئة المحلية والموروث الثقافي بما في ذلك العادات والتقاليد، وقد ساعدها في ذلك التطور التكنولوجي.
جدل واسع
وبعيدا عن التقنية، فقد أثارت هذه المسلسلات جدلاً واسعاً بين متابعيها، ففي الوقت الذي أعلن فيه محمد سعيد حارب مبدع فريج عبر موقع تويتر عن توقيعه لاتفاق عرض الموسم الخامس على التلفزيون، أثار الموسم الرابع نقاشات ساخنة بين مستخدمي تويتر الذين اشتكوا تراجع نسبة الضحك في "فريج" لصالح التقنيات المستخدمة واعتبره البعض الأفضل خليجيا.
وفي الوقت نفسه، هيمن مسلسل "شعبية الكرتون"، على أغلب أحاديث جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، ليتحول الى تقليد إماراتي سنوي، في المقابل، شهد رمضان انطلاقة جديدة لمسلسل "اشحفان" الذي يبشر بمستقبل واعد لمسلسلات الكرتون الاماراتية، في حين يبدو أن مسلسل "مصاقيل" السعودي قد بدا يفقد بريقه رغم أنها المرة الأولى التي يعرض فيها بعد الحرب التي اشتعلت بين مخرجه وشاب أخر يدعي أنه صاحب الفكرة الأصلي.
فريج .. نقاش ساخن
لم يكن يدرك محمد سعيد حارب عندما عزم على انتاج مسلسله "فريج" أنه سيفتح الباب أمام مجموعة كرتونية استطاعت أن تدوم سنوات . فريج ورغم توقفه عامين متتاليين حصد في موسمه الرابع نجاحاً وشهرة عاليتين وأصبح ساحة نقاش ساخنة بين مستخدمي تويتر الذين لم يقتصروا على المواطنين وإنما شاركهم النقاش مجموعة كبيرة من السعوديين الذين اعتبروا أنه الأفضل خليجياً.
وفي موسمه الرابع لم يخرج حارب كثيراً عن تقليده السابق، ففيه اجتمعت أم خماس ورفيقاتها اللائي يعشن بحي تقليدي في دبي الحديثة، ويحاولن بطريقة ساخرة الوصول إلى حلول للمشكلات الاجتماعية السائدة وسط التغيرات الجذرية التي يمر بها فريجهن، وقد حافظن رغم التطور الذي أصاب المدينة على لباسهن التقليدي الملون وبرقعهن، كما فضل حارب أن يضفي على حلقات مسلسله معالم دبي الجديدة مثل مترو دبي وبرج خليفة حتى يتمكن من مواكبه حاضر دبي.
ورغم تمسك حارب في مسلسله باللهجة الاماراتية نجح بتجاوز حدود الامارات إلى بقية المنطقة، ولكنه في الوقت ذاته رفض فكرة تحويل المسلسل الى فيلم طويل كما هي رغبة متابعي المسلسل الذي تمكن من إدخال الفرح والبهجة على قلب جمهوره.
صناعة انتاجية
وعند الحديث عن المنهجية في تحول مشروع مسلسلات الكرتون إلى مؤسسة تفاعلية وصناعة إنتاجية لا بد من ذكر معيار الدراسة العلمية المعتمدة في مسألة الإنتاج التلفزيوني ومدى قدرتها على تنظيم هذا المجال بحيث يتم تفعيله خارج المواسم إلى منتج مستثمر طوال العام في القنوات المحلية.
وفي ذلك قال حارب: "إن الإنتاج خارج رمضان شبه معدوم، لاعتماد الجهات المنتجة للعمل على الجو التنافسي الموسمي، وهو ما يحدد سقف تطور العمل ضمن آلية معينة" ، مبينا أن غياب الدراسات العلمية ومعيار نسب المشاهدة الدقيقة عبر القنوات المحلية يعد أبرز العوائق في تحقيق مسألة الصناعة الكرتونية، باعتبار أن توافر الأرقام والحقائق حول المشاهدة الفعلية للمسلسل الكرتوني سيدفع العديد من الرعاة والمنتجين في تبني موقف الدعم والرعاية المتواصلة للعمل طوال السنة.
وأضاف أن المنهجية وتبني استراتيجية علمية في المؤسسات الإنتاجية تلعب الدور الأكبر في إحداث النقلة الفعلية لمستقبل الكرتون في الإمارات والوطن العربي.
عقدة الهدف
وأوضح حارب أن التخلص من عقدة الهدف في الأعمال الفنية هي أكثر ما نحتاجه في ثقافة وعي المجتمع بالمسلسلات الكرتون، مؤكدا أن الأعمال الكرتونية ليست بالضرورة أن تحمل رسالة أو هدف ولكنها تحمل الدور الترفيهي عبر الشاشة وسط زخم الرسائل والقضايا عبر البرامج الجادة أو الدراما. معتبرا أن كتابة النص لحلقات مسلسل كرتوني مدته 15 دقيقة ليست مهمة سهلة ولا يستطيع أي كاتب القيام بها.
وعبر في ذلك: " أنا تحملت كتابة نصوص فريج هذا العام، لأني أؤمن بأن الكتابة لمسلسل فريج يحتاج إلى معرفة كاملة بالشخوص وطبيعتها وتفاصيل العمل ككل".
شعبية الكرتون .. تميز ملحوظ
وكما نال فريج نصيبه من الشهرة، فقد كان مسلسل شعبية الكرتون الذي انطلق عام 2006 يسير بموازاته، فقد حصد هو الآخر بصحبة أبطاله شامبيه وبومهير وعتوقة وبوسليمان وعثمان شهرة واسعة في المنطقة، لدرجة أنه تحول إلى تقليد إماراتي لا يغيب عن المائدة الرمضانية.
متابعو شعبية الكرتون رأوا فيه هذا العام تميزا ملحوظا من حيث أفكاره وجرعات الكوميديا، لا سيما بعد انضمام الكاتب الاماراتي جمال سالم إلى أسرة العمل، ليبدو هذا الموسم مفعماً بخفة الظل والسخرية الايجابية.
جودة الرسوم في هذا الموسم والذي أعدته شركة "فنر برودكشن" بالتعاون مع شركات اخرى، سمحت للجمهور بتذوق حس الفكاهة والاستمتاع بالمشاهدة، خاصة وأنه يعتمد في كل حلقة قضية مختلفة ولم يغفل مبدع المسلسل حيدر محمد في هذا الموسم الحراك السياسي في المنطقة وتناوله من منظور اجتماعي كوميدي رائع.
موسم هذا العام تميز باعتماده على وللمرة الأولى خبرات محلية، كما انضمت لعائلته ثلاث شخصيات جديدة تؤدي صوتياً باللهجتين العراقية والشامية، وكانت "فنر برودكشن" قد أعلنت أنها ستفتح الباب أمام محبي المسلسل للمساهمة في تشكيل الموسم السابع من خلال مدها بآرائهم حول الشخصيات الجديدة التي ستظهر للمرة الأولى في موسم السادس.
مسلسل "اشحفان القطو" التلفزيوني يعتبر أحدث مسلسل كرتوني اماراتي، وقد شهد رمضان هذا العام انطلاقته عبر تلفزيون أبوظبي، "اشحفان" مثل إبداع لفكرة تحولت إلى رسوم كرتونية متحركة في خطوة نحو استثمار علاقة المجتمع المحلي بها في تعزيز القيم والانتماء والارتباط بالتراث كونه دعامة في تأصيل الهوية ومعايشة للمتغيرات وعدم ذوبان في عولمة التغير.
تحويل مسلسل تلفزيوني ذو أبعاد تاريخية وعلاقة تراثية مرتبطة بالبلد يعد تحديا بحد ذاته، يسعى من خلالها القائمون على حفظ الصورة الأولية من أي تشويه أو مساس في المضمون الإيحائي لها. حيث نرى من خلال مسلسل "اشحفان" الكرتوني الذي انتجته شركة بينونة، ونفذته "فنر برودكشن" و"قنوات"، استثمارا فعليا للشخصية الرئيسية بمزيج ارتباطها بالماضي ومواجهتها واقع الحياة اليومية، ولذلك بني بيت اشحفان في المسلسل الكرتوني وسط المدينة المليئة بالأبراج وأوجه الحضارة، ليمارس فيها اشحفان قصص وحكايات يومية يعالجها من مخزونه الفكري ذو الأبعاد المرتبطة بثقافة البلد وهويته.
وعن الدمج بين الماضي والحاضر في المسلسل الكرتوني، قال الفنان ناجي خميس الذي قلد دور اشحفان: "أن العديد من المشاهدين طالبوا ببقاء العمل وعدم الدمج وترك التفاصيل بنواحيها القديمة والمعبرة عن فترة العمل التلفزيوني".
وأكد أن المسألة يجب أن تتخذ منحنى آخر لدى المشاهد في قضية الارتباط بالتراث في كونه لا يحاكي الفترة الزمنية فقط، بل اعتباره امتدادا للعمر الإنساني في المنطقة ومصاحب له مهما آلت إليه الحياة من تغيرات.
وتابع: "في الوقت الحالي هناك أشخاص لا يزالون مرتبطين بتراثهم وتاريخهم مع الزخم العمراني والحضاري الهائل في المجتمع، والمسلسل الكرتوني اشحفان نموذج حول هذا الدمج والاستمرار في قضية الانتماء والتمسك بالهوية في هوج التغير والتصعيد المتسارع للقيم والأفكار ".
الصوت بتقنياته يعد من أبرز الأدوات الفعلية المستخدمة في تنفيذ هذا العمل كونه تمثيل كرتوني لمعايشة واقعية درامية سابقة مرت على المشاهد من قبل وليست بغريبة عليه. لذلك فالملاحظ في اشحفان الكرتون أنه تم تقنين الأصوات وتنفيذها بشكل قريب من الواقع. موضحا خميس أنه يعتبر نفسه نجح في مشروع تقديم صوت الفنان الراحل سلطان شاعر رحمه الله ضمن معيار اللهجة وتقارب الصوت بنسبة 70% من الصوت الفعلي للشخصية. بالإضافة إلى مشاركة الفنان محمد ياسين الذي يمثل دور شخصية "بو طبر" والذي كان مشارك فعليا في المسلسل التلفزيوني مما أعطى مصداقية نوعية في العمل.