للسينما التركية تاريخها والذي مكّنها من تقديم أعمال فرضت نفسها في السينما، لاسيما في فترة ما بعد التسعينيات التي شهدت تطوراً ملحوظاً في صناعة السينما التركية وطريقة معالجاتها لقضاياها الاجتماعية والسياسية، ويبدو أن السينما التركية بدأت أخيراً تنتهج طريق الدراما التركية لدخول المنطقة العربية، ففي العام الماضي قدمت لدور السينما العربية فيلم "وادي الذئاب فلسطين" الذي لقي إعجاباً وحضوراً لافتين في المنطقة العربية تحديداً. وفي هذا العام عاد صناع السينما التركية ليطلوا علينا مجدداً بفيلم "السلطان الفاتح 1453" والذي يوثق لملحمة تاريخية وإنسانية تستعرض جزءاً من حياة السلطان محمد الفاتح، وتركز على عملية فتحه للقسطنطينية (اسطنبول حاليا).
ترقب جماهيري
ورغم سيل الانتقادات اليونانية تحديداً التي واجهها الفيلم، إلا أنه تمكن من لفت انتباه الجمهور العالمي والحصول على اعجابه، فضلاً عن تلقيه لتقييم فني جيد، ولعل عامل أنه أول فيلم تركي ضخم الانتاج يتحدّث عن معركة فتح القسطنطينية كان حاسما لترقب الجماهير الواسعة سواء في تركيا أو المنطقة العربية أو بقية دول العالم، خاصة وأن الفيلم يتحدث عن فترة الحكم العثماني وهي فترة تاريخية قريبة منا زمنياً ووجدانياً، وهو ما قد يعرض الفيلم لإشكاليات نقدية عديدة تتعلق بهذا الجانب.
ولذلك فالكثير من النقاد اعتبروا ان انفاق صناع الفيلم ما يقارب 18 مليون دولار أميركي على الفيلم الذي استغرق تصويره مدة 3 سنوات، كان بمثابة جرأة كبيرة منهم، وهو ما جعله أكثر الأفلام كلفة في تاريخ السينما التركية.
في هذا الفيلم والذي عرض أول من أمس في ريل سينما بدبي مول بحضور طاقمه وعدد من المسؤولين الأتراك في الدولة، تمهيداً لطرحه في دور العرض رسمياً في 27 سبتمبر الجاري، لم يهمل مخرج الفيلم ومنتجه فاروق اكسوي الجانب الديني والذي كان مهماً بلا شك في هذا الفتح الكبير. فبداية الفيلم اتخذت شكلاً روحانياً عبر حوار الصحابي الجليل
أبو أيوب الأنصاري مع رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لم يظهر متجسداً على الشاشة، ثم نقله لحديث الرسول عن فتح القسطنطينية الى المسلمين بحسب الرواية الصحيحة للحديث الشريف "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش"، ليبدأ الراوي من بعدها برواية سيرة السلطان محمد الفاتح وعلاقته مع معلمه الشيخ آق إبراهيم شمس الدين، ووالده ومن حوله.
محاكاة حربية تاريخية
هذا الفيلم ومن الناحية الفنية، بدا واضحاً تأثره أو محاولته لتقليد الأفلام الحربية التاريخية الأميركية، متجاوزاً بذلك أخطاء السينما الأميركية في طريقه عرضه وتكثيفه للمعلومات التاريخية لهذه المرحلة من عمر الدولة العثمانية، وإن اختلف ترتيبها الزمني عن الروايات التاريخية بحكم الضرورة الفنية. وهنا يبدو أن المخرج آكسوي قد اسقط بعض المعلومات التاريخية غير المؤثرة في مجريات الأحداث التي تناولها في خط درامي، متبعاً بذلك أسلوب البريطاني ريدلي سكوت، الذي عادة يركز على ما يخدم القصة ويبتعد عما قد يؤثر عليها.
كما يبدو أن آكسوي تمكن من تحرير نفسه من نمطية الأفلام الوثائقية والتاريخية وجفافها عبر التركيز على قصص درامية مؤثرة بدت واضحة عبر مشاهد عدة تعكس علاقة محمد الفاتح بولده، وكذلك علاقة الحب بين المقاتل حسن أولباتلي وابنة صانع المدافع أوربان المجري، وطريقه استشهاده بعد سقوط المدينة وغيرها. يذكر أن الفيلم من بطولة دفريم أفين (السلطان محمد الثاني) وإبراهيم جوليكول (المقاتل حسن أولباتلي) وجنكيز جوشكون (القائد الجنوي جيوفاني جوستنياني) وإيردان ألقان (الصدر الأعظم خليلي جندرلي باشا) ورجب آكتوغ (بدور إمبراطور القسطنطينية). 6 ملايين مشاهد
رغم مقابلة الفيديو الإعلاني الأول للفيلم بسيل من ردود الأفعال الهجومية في الأوساط الإعلامية اليونانية، حيث وجه قراء المواقع الاعلامية اليونانية انتقادات وردود أفعال غاضبة عليه، إلا أن الاتراك اعتبروه، بمثابة ظاهرة في تاريخ السينما التركية والعالمية، حيث جذب في تركيا وحدها أكثر من 6 ملايين مشاهد، بالإضافة لنجاحه في مختلف بلدان العالم خاصة ألمانيا وكوسوفو وأميركا التي تتواجد فيها جاليات تركية، وترجع شعبية الفيلم إلى كونه يسلط الضوء على ماضي الإمبراطورية العثمانية.