جمعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بين سلسلة بالغة الغرابة من الإشادة بها والانتقاد القاسي في آنٍ واحد. فبينما أشاد المعجبون بقدرتها على الصمود في الساحة السياسية الألمانية الصعبة وبتحقيقها لنتائج مدهشة على الصعيدين الأمني والاقتصادي، لم يتردد منتقدوها في إلقاء الضوء على ما وصفوه بالفضائح المتعلقة بصلاتها بواشنطن، وذهب بعضهم إلى حدّ وصفها بأنها «كلبة وكالة الأمن القومي الأميركية المدللة».

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في تقرير مطول نشرته، أخيراً، أن ميركل حصدت الكثير من المديح، الذي أعقب صدارتها لقائمة أقوى خمسين امرأة في العالم، وتركز هذا المديح بصفة خاصة حول استطاعتها الصمود في منصبها لسنوات طويلة، مستندةً إلى حصاد كبير من النجاح على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

كشف المستور

وفي إطار الفضيحة الجديدة، كشف النقاب عن تقارير تحدثت عن اتفاق بين ميركل، عبر مساعديها ومسؤولين كبار في الإدارة الأميركية، على نقل محطة تجسس إلكترونية كبيرة من الولايات المتحدة إلى بافاريا في ألمانيا، في إطار صفقة أبرمت بين البلدين لتمكين الجواسيس الألمان والأميركيين من الاستمرار في تشغيل المحطة للتنصت على المكالمات في أوروبا والشرق الأوسط، وتقاسم حصيلة الرصد.

وبلغت هذه الفضيحة ذروتها بعد شهر من الاتصالات بين الجانبين الأميركي والألماني، ومطالبة العديد من الدوائر بكشف تفاصيل اتفاق محطة التجسس بين الجانبين، فيما ذكر مراقبون سياسيون مطلعون في برلين أن ميركل تشهد من جديد الصعوبات العملية والسياسية للتباعد الذي حدث، أخيراً، على مستوى علاقات أجهزة الاستخبارات بين أميركا وألمانيا.

واتهم منتقدو ميركل المستشارة الألمانية بأنها تعد بمثابة كلب المختبرات المدلل لوكالة الأمن القومي الأميركي، وقالوا إن أجهزة المخابرات التابعة لها لم تتردد في تسهيل التجسس على شركتين أوروبيتين اثنتين على الأقل، هما «يوروبيان إيرونوتيك ديفنس أند سبيس» و«يوروكوتا»، وكلاهما جزء من مجموعة «إيرباص» الحالية.

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن تسرب رسائل البريد الإلكتروني بين المسؤولين الألمان والأميركيين قد فاقم فضيحة ميركل، وأكدت أن الجهد الذي دار الحديث عنه طويلاً في عامي 2013 و 2014 لإيجاد مجموعة من القواعد، التي توقف أي تجسس أميركي على الأراضي الألمانية لم يكن حقيقياً، وأن المسؤولين الألمان الذين دفعوا باتجاه التوصل إلى اتفاق بهذا الصدد قد أطلقوا على هذه القواعد اسم «قواعد اللاتجسس»، في حين اعتبرها المسؤولون الأميركيون مستحيلة التطبيق منذ البداية.

وعلى الرغم من حدوث فضائح تجسس مدوية في الماضي، إلا أن هذه المرة تبدو مختلفة، حيث تقوم لجان برلمانية باستدعاء المسؤولين الألمان بصورة يومية تقريباً، بينما تعجز ميركل بوضوح عن إبرام صفقة استخبارية مع الجانب الأميركي، فيما يتفاقم الضغط عليها وعلى حلفائها.

تحقيقات

وخلال جلسة استجواب استغرقت أكثر من ساعة عقدتها اللجنة البرلمانية الألمانية للتحقيق فيما أصبح يعرف في الصحافة الألمانية ب«فضيحة وكالة الأمن القومي الأميركية»، شهد البريجيدير جنرال هارتموت بولاند، مدير قسم المخابرات التكنيكية التابع لوكالة المخابرات الأميركية، بأن الألمان متخلفون عن الكثير من حلفائهم في التكنولوجيا، وشدد على أن أساليب البحث لم تكن قضيةً مطروحة للنقاش قبل انطلاق مزاعم الفضيحة الأميركية الأخيرة. وقد رفض المسؤولون الأميركيون مناقشة المزاعم الأخيرة، واكتفوا بالقول إن العمل الذي طلبته وكالة الأمن القومي الأميركي لا ينتهك الحظر الأميركي المفروض على التجسس الصناعي.

ورفض المسؤولون الأميركيون تأكيد ما إذا كانت حوارات أو رسائل إلكترونية في الشركات التي تم التجسس قد تم رصدها بالفعل، ولكنهم ألمحوا إلى أن ما وصفوه بقضايا أمن قومي ملحة فرضت نفسها في ذلك الوقت، عندما كان متسللون روس وصينيون وجواسيس غيرهم يسعون وراء تقنيات دفاعية.

ووصلت فضيحة ميركل الأخيرة إلى ذروتها مع قيام صحيفة «سوديتش زايتونغ» الألمانية بزيادة النقاش احتداماً، عبر تغطية نشرتها لمقتطفات مطولة من الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين المسؤولين الأميركيين والألمان حول الوصول إلى «اتفاقية اللاتجسس».

تبرير

نقلت صحيفة " نيويورك تايمز"عن مصادرها تأكيدها أن ميركل تشكل نموذجاً نادراً لصانعة السياسات التي تمكنت من حشد المؤيدين، وفي الوقت نفسه تفادي الضربات التي يوجهها إليها خصومها.

وأوضحت المصادر نفسها أن تصدّر ميركل لقائمة أقوى خمسين امرأة في العالم لم يكن من قبيل الصدفة، وإنما جاء ثمرةً لجهود حياة سياسية توجت بسلسلة نادرة من الإنجازات.

وتضاربت هذه الموجة من المديح للمستشارة الألمانية مع ما وصف بفضيحة تجسس جديدة، تركتها في وضعية من الضعف نادراً ما كانت عليها.