تدخل الاستدامة اليوم في قاموس جوهر عدد من الشركات وتشكل للبعض مسألة تلبية طلبات العملاء الساعين وراء سلع وخدمات تتسم بمسؤولية اجتماعية. وتتعلق بالنسبة للبعض الآخر بمعالجة الضغوطات من المساهمين بمن فيهم المستثمرون أو اتباع القيم الخاصة بالشركة. أما بالنسبة للبقية، سيما داخل البيئة محدودة الموارد، فتشكل الاستدامة مطلباً استراتيجياً مُلزماً.

وبمعزل عن الدافع فقد غدت الاستدامة أمراً نافذاً بحيث أصبح تحديدها وتنفيذ البرامج التجارية والمنتجات والممارسات بالاستناد إلى مضاعفاتها البيئية والاجتماعية معياراً إدارياً ضرورياً.

وأثبتت الاستدامة للبعض أنها مدخل ذات قيمة يخوّل تحديد فرص كانت لتكون ضائعة سيما لجهة تخفيض النفقات وتقليص الحوادث وتوليد العائدات. وتتسم حركة الاستدامة بالمطواعية والمرونة وتضم مناصرة البيئة وإدارة الموارد وحوكمة الشركات وحقوق الإنسان بحيث يمكن للمدراء في مختلف المناطق الشعور بالحماسة حيال مجهوداتهم الخاصة دون الأخذ بالاعتبار المنظار الأوسع للشركة. وغالباً ما تكون الجهود من التجزئة بما لا يرتقي إلى خلق قيمة جوهرية للمجتمع والشركة على السواء.

ولحسن الحظ أن حلّ المشكلة معروف ويرتكز إلى اعتماد الشركات المزيد من الانضباط في مبادرات الاستدامة وتطبيق المبادئ المرتبطة عادةً بإدارة الأداء، أي الإبقاء على تركيز وجهة البرامج، وتحديد أهداف محددة لها، وإنشاء نظام محاسبة الأداء، وتبيان الأثر الاقتصادي.

ولا يقلص توزّع الاستراتيجيات القيمة الاجتماعية والبيئية، بل الاقتصادية كذلك. إذ كشفت دراسة أجرتها شركة «ماكينزي» العالمية للاستطلاع بأن الشركات ذات الاستراتيجية الموحدة والأولويات الاستراتيجية التي لا تتعدى الخمس كانت ثلاث مرات أكثر ترجيحاً لاحتلال مرتبة الشركات الأقوى أداءً مالياً وبالتوافق مع معايير الاستدامة.

ولا بدّ، من أجل تحديد أولويات واضحة، من البدء بتحليل الأمور الأكثر أهمية على طول سلسلة القيمة، عبر إجراء تحليلات داخلية واستشارات مع المساهمين بمن فيهم العملاء والمنظمون والمنظمات غير الحكومية. وتمكّن العملية الشركات من تحديد قضايا الاستدامة ذات الإمكانيات الأعلى على المدى الطويل. ويلي خطوة تحديد الأولويات إنشاء قاعدة حقائق ينبثق منها تحليلاً مالياً واستدامياً مفصلاً.

ويتم كخطوة لاحقة لاستكمال التحليل المبدئي، ترجمة المعلومات على شكل أهداف خارجية تضخُّ داخل مقاييس الشركة. ولا بدّ للأهداف أن تكون محددة، طموحة، قابلة للقياس تستند إلى خط أساس معتمد كانبعاثات الغازات الدفيئة مثلاً، ويجب أن تتسم بتوجه طويل الأمد، تتكامل مع استراتيجية العمل. ولا بد، أخيراً من أن تكون الغاية غير قابلة للبس.

وتكمن إحدى طرق الاستجابة المثمرة في جعل الاستدامة تنتج مردودها وتتخطاه. ولا بدّ من القيام بذلك بحماسة معززة ببيانات مالية مغطاة التكلفة بالكامل ومطروحة بلغة الأعمال.

يمكن لمبادرات الاستدامة أن تكون محفوفةً بالتحديات لجهة قياسها، لأن الادخار أو العائدات قد تخضع للتقسيم عبر مختلف قطاعات الشركة، وأن تدخل بعض الفوائد كالسمعة مثلاً في إطار غير المباشر. وعليه، فإنه من المهم ألا تخضع القيمة للتعداد الكمّي فقط.

عزا الأشخاص المستطلعة آراؤهم السبب الأولي لإخفاق الشركة في فهم القيمة الكلية للاستدامة إلى غياب الحوافز الإيجابية والسلبية. وتبين ووفقاً للميثاق العالمي للأمم المتحدة بأن واحدة من أصل 12 شركة تربط بين المكافأة وأداء الاستدامة، وأن شركة واحدة من أصل 7 شركات تكافئ المزودين لحسن الأداء في مجال الاستدامة، ومن بين المستجيبين سمى شخص من أصل ثلاثة ضغوط الأرباح وغياب المحفزات كسببين رئيسيين لضعف نتائج الاستدامة، فيما عزا شخص من أصل أربعة الأمر إلى غياب مؤشرات الأداء الأساسية وعدم كفاية الموارد.

قاتل الاستدامة

بينت الدراسات أن قوة الأهداف تشجع على الابتكار، وتدفع الناس وتحفزهم باتجاه إيجاد السبل الآيلة لتحقيق الهدف. في حين أن غياب الأهداف يعتبر قاتلاً للاستدامة فإن مقولة «ما يخضع للقياس، يخضع للإدارة» تصح على الاستدامة كما على وظائف الشركات الأخرى كافةً.

1000

تتمحور التحديات الأكبر التي تواجه الشركات في مجال الاستدامة حول الحصول على أكبر قدر من انتباه القيادات. وقد أظهرت دراسة للميثاق العالمي للأمم المتحدة أن 84 بالمئة من الشركات العالمية الألف التي خضع مديروها التنفيذيون للاستطلاع قولهم إن الشركة «يجب أن تقود المساعي لتحديد وطرح أهداف جديدة تتعلق بالمسائل الأولوية العالمية» فيما اعتبر الثلث أن «الشركات تقوم بما يكفي للتعامل مع تحديات الاستدامة العالمية».

وتبدّى بالملاحظة أن مشكلة عدد من الشركات تكمن عادةً في التركيز. وتبيّن أن ثلثي الشركات في عيّنة تمثيلية من «إس و بي 500» لديها أكثر من عشرة مواضيع تركيز خاصة بالاستدامة، فيما لدى البعض 30 موضوعاً. ويعتبر هذا الرقم كبيراً إذ يصعب تخيّل كيف لأجندة استدامة تتضمن ما يزيد على 10 محاور تركيز أن تحقق أهدافها وتنجح. إذا لم تعمد الإدارة لوضع الأولويات، فإن وحدات العمل الخاصة لن تفعل وستأتي النتائج مقسّمة، لامركزية، ولا تتناغم بالضرورة في ما بينها ومع الأهداف العليا للشركة.

التأثير المالي

من الأهمية إيجاد دعم داخلي تحقيقاً للغايات، وقد وجدت الأبحاث أن الشركات التي تفوقت في تحقيق أهداف الاستدامة كانت تلك التي حرصت على إشراك قادة الشركات المسؤولين عن تطبيقها منذ البداية.

ورغم أهمية الاستثمار بالاستدامة، فإن العديد من المسؤولين التنفيذيين يقاومون الفكرة ويتصدون لها بالتشكيك. ويمنح بعضهم مباركتهم الشفوية للاستدامة دون تخصيص رأس المال. وأشار أحد المسؤولين للمسألة بالقول: «في ما يتعلق بشركاتنا، فإن مساعي الاستدامة لا بدّ من أن تتنافس بشكل مباشر مع المطالب الأخرى، مما يعني أن التأثير المالي هو الأساس».

جبل النفايات المتكدس هذا لا يعكس لامبالاةً حيال مواردنا الطبيعية وحسب بل مشكلة صحية واقتصادية خطيرة.

جيمي كارتر - الرئيس الأميركي الأسبق

إن أعظم ما يتهدد كوكبنا هو اعتقادنا بأن أحداً آخر سينقذه.

روبرت سوان - كاتب بريطاني

لن نعرف أهمية الماء إلى أن تجف البئر.

توماس فولر - مؤرخ بريطاني