دخول المرأة الخليجية عالم الدبلوماسية سفيرةً في الدول والمنظمات الأجنبية جاء متأخراً عن شقيقاتها العربيات، على أن الخليجيات تمكنّ بفضل اجتهادهن وتحصيلهن العلمي وحراكهن الاجتماعي من فرض أنفسهن على السلك الدبلوماسي الذي كان لسنوات طويلة مقتصراً على الكوادر الذكورية. ومع إثبات جدارتهن في الأعمال التي أسندت إليهن في دواوين وزارات الخارجية، وفي سفارات بلدانهن بالخارج كموظفات أو ملحقات، استطعن الارتقاء في السلم الوظيفي فوصل العديد منهن إلى رتبة «سفير».
بعد الكويت التي كانت أول من عين امرأة سفيرة له، جاء دور عُمان التي عيَّنت في سبتمبر 1999 إحدى مواطناتها وهي حنينة بنت سلطان المغيرية، أول امرأة عُمانية بمنصب سفيرة في كل من هولندا وألمانيا، قبل أن تدخل الأخيرة التاريخ عام 2005 كأول سفيرة لدولة خليجية في واشنطن، إضافة إلى منصب السفيرة غير المقيمة لدى المكسيك، علماً أن السفيرة العُمانية الثانية كانت الدكتورة زينب بنت علي القاسمية التي عـُيِّنت في ألمانيا.
سفيرات البحرين
وفي البحرين، نجد تجليات اقتحام المرأة للوظائف الدبلوماسية العليا، في تعيين الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة سفيرةً لدى فرنسا في يناير 1999، وبقيت في المنصب حتى منتصف 2005 وشغلت خلال هذه الفترة منصب السفيرة غير المقيمة لدى إسبانيا وبلجيكا وسويسرا، ومنصب المندوب الدائم لدى منظمة «يونسكو»، علماً أنها انتخبت في يونيو 2006 رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة، فأصبحت أول عربية ومسلمة، وثالث امرأة في العالم تشغل هذا المنصب.
أما السفيرة البحرينية الثانية، فكانت بيبي السيد شرف العلوي، التي عُيّنت في يونيو 2007 سفيرةً فوق العادة مفوضةً في الصين. وفي يونيو 2008 تم تعيين سفيرة ثالثة هي هدى عزرا نونو التي تولت قيادة البعثة الدبلوماسية في واشنطن بين عامي 2008 و2013، وفي يوليو 2011 صدر مرسوم ملكي بتعيين أليس سمعان سفيرةً لدى بريطانيا قبل أن تعين في السنة التالية سفيرةً غير مقيمة لدى إيرلندا.
أما السفيرة الخامسة فكانت بهية الجشي التي عينت في أغسطس 2015 سفيرةً فوق العادة مفوضةً لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي، ثم أضيف إلى عملها بدءاً من فبراير 2017 تمثيل البحرين كسفيرة معتمدة لدى دوقية لوكسمبورغ، ومن ثمّ سفيرة غير مقيمة لدى الدانمارك.
السعودية
أما آخر الملتحقات بالركب من السعودية التي سمّتْ في فبراير 2019 أول امرأة في تاريخها كسفيرة، هي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان التي عينت سفيرةً في واشنطن، علماً أن سعودية أخرى هي الدكتورة منال حسن رضوان الحاصلة على الدكتوراه من جامعة «جورج ميسون» الأمريكية مثلت بلدها كسكرتير أول بوفد المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة، وتحدثت بهذه الصفة أمام مجلس الأمن الدولي عام 2015.
وإذا ما عدنا إلى الكويت نجد أن سفيرتها الثانية بعد نبيلة الملا، هي أمل مجرن الحمد التي تشغل منذ عام 2017 منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية من بعد توليها على مدى 16 عاماً منصب رئيس بعثة مجلس التعاون الخليجي لدى الاتحاد الأوروبي، ونجد أن سفيرتها الثالثة هي ريم محمد الخالد وهي موضوع حديثنا هنا.
اختيار
في 5 نوفمبر 2015، أصدر الشيخ صباح الخالد الصباح، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي، القرار الوزاري رقم 50 لعام 2015، والذي قضى بتعيينات دبلوماسية، ومما لفت النظر في تلك التعيينات اختيار ريم محمد خالد الزيد الخالد، مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الأمريكيتين.
هذا الاختيار لم يأتِ من فراغ، إذ راكمت الخالد خبرات دبلوماسية وسياسية وبحثية وتفاوضية طويلة منذ أن انضمت عام 1988 إلى قسم الأمم المتحدة بإدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية الكويتية كباحثة سياسية، وبهذا سجلت ريم اسمها في تاريخ بلادها ضمن الجيل الثاني من مواطناتها العاملات وممن برزن على صعيد الأنشطة التطوعية والاجتماعية والتحقن بالعمل الحكومي. وفوق ذلك رسخت موقعها بنيل الشهادات العليا، ففي 1999 نالت الماجستير في الدراسات الدولية والدبلوماسية من كلية دراسات الشرق الأوسط والشرق الأقصى التابعة لجامعة لندن.
كما استزادت خبرة من عملها عام 2001 كملحقة دبلوماسية في سفارة الكويت لدى النمسا وفي الوفد الدائم لبلدها لدى المنظمات الدولية بفيينا، ناهيك عن الخبرة التي اكتسبتها من عضويتها عام 2005 ضمن وفد الكويت المشارك في المؤتمر 49 للوكالة الدولية للطاقة الذرية في العاصمة النمساوية.
وفي السياق، كتب الباحث اللبناني المقيم بالكويت حمزة عليان في كتابه «وجوه من الكويت» (دار ذات السلاسل ـ الكويت ـ 2012) ما مفاده بأن الخالد «دخلت عالم الطاقة الذرية من بوابتها الشرعية، واطلعت عن كثب على مجمل الملفات العالقة، واحتكت بالمندوبين، بل وأدارت جملة من المواضيع المطروحة على بساط البحث لاسيما الموقف من البرنامج النووي لكوريا الشمالية، والمسائل العالقة بين حكومة طهران ووكالة الطاقة الدولية، وموضوع تبني التطبيقات السلمية للتكنولوجيا النووية».
وفي سبتمبر 2006 عـُينت الخالد سكرتيراً أول في السفارة الكويتية بواشنطن، وبهذه الصفة مارست خلال الفترة 2006 ـ 2010 دور المستشار للسفارة المختص بملف الكونغرس الأمريكي، علاوة على ملف الشؤون الثقافية. وقد أبلت بلاءً حسناً وأظهرت مواهبها الدبلوماسية الفريدة التي تمثلت في نجاحها بنسج شبكة من العلاقات الجيدة مع وزارة الخارجية الأمريكية وأعضاء في الكونغرس الأمريكي، وذلك من خلال التحدث إليهم باللغة التي يجيدونها، الأمر الذي استحقت عليه الإشادة من قبل السفير الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح.
دروس
على أن ريم كانت قد تعلمت الكثير من الدروس العملية من واقعة الغزو العراقي لبلدها صيف 1990. حيث إن ولاءها لبلدها، وإيمانها بالعلاقة المتبادلة بين المواطن والوطن وواجبات الأول حيال الثاني في الملمات، كانا وراء بقائها داخل الكويت، ومشاركتها في الأعمال التطوعية الهادفة للإبقاء على زخم الصمود والمقاومة. وبعد التحرير، وتحديداً في الفترة بين 1991 و1992 تابعت عن كثب الأعمال الأممية الخاصة بتأسيس لجان المراقبة الحدودية بين الكويت والعراق، ليتم تكليفها في الفترة من 1992 لـ1998 بمسؤولية متابعة شؤون بعثة الأمم المتحدة المكلفة بمراقبة الحدود بين الكويت والعراق، والتي عـُرفت اختصاراً باسم «يونيكوم».
ومما لا شك فيه أن النقلة الكبرى في حياة الخالد كان يوم أن صدر قرار عام 2011 بترقيتها من رتبة سكرتير أول في واشنطن إلى رتبة سفير مفوض لدى جمهورية تشيلي، ثم صدور قرار آخر عام 2013 بتعيينها سفيرةً غير مقيمة لدى كل من الإكوادور والبيرو. وبهذا دخلت ريم تاريخ بلدها ليس كثالث سفيراته فحسب وإنما كأول سفيرة خليجية في قارة أمريكا اللاتينية، عهدتْ إليها حكومتها بتأسيس سفارة من الصفر في العاصمة التشيلية سنتياغو. غير أن بقائها في هذه القارة لم يستمر طويلاً، إذ تمت ترقيتها عام 2018 إلى منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمريكيتين ليخلفها في منصبها السفير محمد مفلح الجديع.
حفيدة «الأول»
في عنوان المقال وصفناها بحفيدة الطواويش، وهي كذلك بالفعل. فجدها هو الوجيه خالد زيد الخالد، الذي يُــعرف عند كويتيين كثر بـ «الرجل الأول»؛ لأن اسمه ارتبط بتأسيس أوائل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في الكويت في المرحلة الانتقالية ما بين حقبتي ما قبل النفط وما بعد النفط. فالرجل الذي بدأ عمله طواشاً وتاجر لؤلؤ عام 1932 قبل أن يتاجر في الأقمشة والمواد الغذائية، هو أول رئيس لمجلس إدارة أول شركة طيران كويتية وطنية، وهو أيضاً أول رئيس لمجلس إدارة بنك كويتي وطني (بنك الكويتي الوطني المؤسس في عام 1952) وهو من أوائل من فكروا وساهموا في تأسيس أول شركة مساهمة للسينما سنة 1954.
ولأن في الكويت أكثر من عائلة تحمل اسم الخالد، فقد ميزت الأسرة التي تنتمي إليها السفيرة ريم نفسها بـ«أسرة الخالد أصحاب الديوان في منطقة القادسية»، وهذه الأسرة جاءت إلى الكويت في أوائل القرن 19 من البادية وسكنوا منطقة الجبلة (القبلة)، وبنوا لأنفسهم عام 1854 منزلاً كبيراً عُرف باسم «البيت العود»، وهو البيت التي منحوه لاحقاً للدولة التي حولته إلى المدرسة المباركية (نسبة إلى الشيخ مبارك الصباح) قبل قيام بلدية الكويت بهدمه عام 1968، كما أن المنطقة الحاضنة لمنزلهم نُسبت إليهم، فسُميت بـ«فريج الخالد»، وكان مجاوراً لفريجي الحميضي والسديراوي.
أما نسبهم فيعود إلى الشملان من السلقا من عنزة وهم ذرية خالد خضير علي بن شداد، طبقاً لموقع «تاريخ الكويت» الإلكتروني، وكان جدهم الكبير يدعى كُليب بن علي الذي أنجب من الأبناء سلطان وعلي، ومن البنات لطيفة، ومارس التجارة بين الكويت والأحساء، علماً أن الابن علي تزوج بسبيكة عبدالرحمن الزبن، وأنجب منها فرحان ومشعان وخالد ومشاري، علاوة على خضير.
وخضير بن علي بن كُليب بن علي هذا عمل بالتجارة بين الكويت والدرعية، فأعجب به الأمير سعود بن عبدالعزيز الأول الذي رأى فيه من الخصال الحميدة ما دفعه إلى تعيينه أميراً للحجاج المتوافدين من إيران والخليج، وظل كذلك إلى أن توفاه الله سنة 1246 للهجرة.
ومن ضمن أسرة الخالد، شخصيات كثيرة؛ منهم من امتهن الطواشة مثل جدّ الأسرة النوخذة خالد الخضير والطواش زيد الخالد صاحب البوم «الواطي» والطواش حمد الخالد والطواش عبدالرزاق الخالد؛ ومنهم من مارس التجارة مثل أحمد سعود الخالد وخالد زيد الخالد وغسان أحمد الخالد؛ ومنهم من شغل مناصب حكومية أو نيابية مثل حمود زيد الخالد (عضو المجلس التأسيسي ووزير العدل الأسبق) وأحمد فهد الخالد (عضو مجلس الشورى في العشرينيات) وعبدالرزاق زيد الخالد (عضو مجلس الأمة في الستينيات) وسليمان حمود الخالد (وزير المواصلات الأسبق) وفيصل عبدالرزاق الخالد (وزير التجارة الأسبق) وطارق زيد الخالد (الوكيل المساعد في ديوان الخدمة المدنية) وفضة أحمد سعود الخالد (الوكيل المساعد في وزارة التربية والتعليم)، ومنهم من مارس الأدب والشعر مثل مهلهل حمد الخالد، وفرحان فهد الخالد، والأديب الشاعر خالد سعود الزيد الخالد.
بطلة رياضية
ومن الأمور التي ذكرها الكاتب حمزة عليان عن السفيرةً ريم أنها رياضية عاشقة وممارسة للعبة الأسكواش، بل مثّلت الكويت عالمياً فيها وحصدت بعض البطولات، ودربت الآخرين عليها من أعضاء «نادي الكويت»، الذي تنتمي إليه وتتعصب له بشدة، خصوصاً عندما يتواجه الأخير مع نادي القادسية. ويُقال إن تعصبها لنادي الكويت تعصب وراثي؛ لأن والدها محمد الخالد عضو مؤسس للنادي، ولأن خالها مشعان الخضير رئيس سابق له.
حصلت ريم على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس التشيلي تقديراً لجهودها في تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين والتي تأسست عام 1961. كما نالت التكريم من رئيس بيرو، التي كانت لها مواقف مشرّفة وداعمة للكويت في مجلس الأمن أثناء أزمة الاجتياح العراقي للكويت، ومن رئيس الإكوادور التي لطالما تعاونت مع الكويت من خلال عضويتهما في منظمة «أوبيك».
وفي عام 2017 تم اختيار 23 سيدة يمثلن معظم مجالات التميز في المجتمعين الكويتي والدولي، مثل مجال الأعمال الخيرية والاجتماعية ومجالات الفنون والطب والسياسة والاقتصاد والاختراع، وذلك ضمن إعلان «جائزة المرأة العربية - الكويت» فكانت ريم الخالد إحداهن. وفي 20 سبتمبر 2019 أصدر مجلس الوزراء الكويتي مرسوماً بتعيين ريم محمد الخالد سفيرةً لدولة الكويت لدى كندا، لتبدأ رحلة مثيرة أخرى في عوالم الدبلوماسية ودهاليزها.
1993
تاريخياً، تعد دولة الكويت أول دولة خليجية تعيِّن إحدى مواطناتها سفيرة في الخارج، والإشارة هنا إلى نبيلة الملا التي تم تعيينها عام 1993 سفيرةً لبلادها لدى زيمبابوي، ثم شغلت في الفترة من 1996 إلى 1999 منصب سفير فوق العادة مفوض لدى جنوب أفريقيا، ومنصب سفير غير مقيم لدى ناميبيا وموريشوس وبوتسوانا وموريتانيا وزيمبابوي.
وفي الفترة بين 1999 و2003 كانت سفيرةً للكويت في النمسا وسفيرةً غير مقيمة لدى المجر وسلوفاكيا وسلوفينيا، ثم انتقلت في نهاية عام 2003 إلى نيويورك سفيرةً دائمة للكويت في الأمم المتحدة، فكانت بذلك أول عربية ومسلمة تمثل بلدها لدى المنظمة الدولية الأهم، ولاحقاً، في عام 2006، تبوأت منصب سفيرة الكويت لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي، قبل أن تعيَّن في عام 2007 سفيرةً غير مقيمة في جزر باهاماس.
دبلوماسيات الإمارات
في دولة الإمارات، استحوذت النساء على مناصب بالسلك الدبلوماسي عام 2013 بنسبة 20% (ارتفعت النسبة إلى 30% في عام 2018)، بينهن 27 دبلوماسية في الخارج، و153 دبلوماسية في ديوان وزارة الخارجية والتعاون الدولي. ومن الجدير بالذكر أن الإمارات عينت أول سفيرتين لها بالخارج في سبتمبر 2008 وهما حصة عبدالله العتيبة، سفيرةً في إسبانيا (نقلت لاحقاً إلى هولندا)، ونجلاء محمد سالم القاسمي، سفيرةً في السويد.
وعيَّنت الإمارات بين عامي 2013 و2019، العديد من السفيرات في الخارج، بينهن لانا زكي نسيبة، سفيرةً دائمة لدى الأمم المتحدة، وفاطمة خليفة سالم المزروعي، سفيرةً في الدانمارك، وحنان خلفان العليلي، سفيرةً في لاتفيا، وحفصة عبدالله العلماء، سفيرةً في البرازيل، ونورة محمد جمعة، سفيرةً لدى فنلندا، إلى جانب نبيلة عبدالعزيز الشامسي، قنصل عام في هونغ كونغ.
صفحة مُتخصّصة بالتأريخ الاجتماعي لمنطقة الخليج العربي