ترجل عمران بن سالم العويس، أحد أهم المؤرخين الذين سجلوا أبرز محطات تاريخ الدولة المشرف والمضيء، وأمضى حياته ابناً باراً لوطنه، بعد حياة مديدة أمضاها بالعطاء الوطني والعلمي.
وقد نعاه معالي د. أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في تغريدة نشرها أمس على تويتر قال فيها: «افتقدنا اليوم العم الجليل عمران بن سالم العويس، عضو مجلس أمناء مؤسسة سلطان العويس الثقافية.. سنفتقد أدبه الجم، واطلاعه الموسوعي على تاريخ الإمارات والخليج.. رحم الله بوراشد، وأدخله فسيح جنانه، وصبّرنا، وصبّر أسرته على هذا الفقد المؤلم.. وإنا لله وإنا إليه راجعون».
وقد رحل الفقيد عن عمر مديد، أضحى خلاله موسوعة تاريخية مهمة حمل في قلبه تاريخ الإمارات ودول الخليج العربية كافة.
وولد المؤرخ وعضو لجنة التراث والتاريخ وأحد المؤسسين لندوة الثقافة والعلوم عمران بن سالم العويس في عام 1932، انتقل خلال دراسته بين ثلاث مدارس هي مدرسة الإصلاح التي افتتحها الشيخ محمد بن علي المحمود، وبعدها إلى مدرسة الفلاح بدبي، ومن ثم التحق بمدرسة خاصة لتعلم اللغة الانجليزية للمرحوم عبدالله القرق، وتلقى دروساً للغة العربية والشعر والخط على يد عدد من المدرسين، كما حصل على شهادة تعادل الثانوية العامة في مدرسة (بربيرتي هاي سكول) في الهند، ودبلوم اللغة الانجليزية من المعهد العالي للغات بالهند أيضاً، والتحق عام 1958 بالمدرسة الكويتية التي أنشأتها الكويت لتعليم أبناء الجالية الكويتية والعرب المقيمين.
امتهن الراحل الكبير التجارة، وعرف عنه ولعه بكتب التاريخ والأنساب ونظراً لبحثه واطلاعه المستمر فقد أصبح مرجعاً لكل ما يتعلق بالتاريخ والأنساب في الإمارات والخليج العربي، حيث ساهمت دراسته للغة الانجليزية في الهند من الإطلاع على مختلف المصادر باللغة الانجليزية التي مكنته في هذا الجانب..
بلال البدور: أحد أهم مؤرخي الإمارات
وقال بلال البدور رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم: بوفاة عمران العويس تفقد الإمارات واحداً من أهم مؤرخيها الذي عكف على دراسة تاريخها وتاريخ المنطقة حتى صار مرجعاً هاماً في هذا الجانب.
كان كثير من الذين اهتموا بالتاريخ يرجعون إليه، أمثال: راشد بن أحمد بالوتاه وعبدالعزيز بن عبدالله المطوع والشيخ محمد بن غباش.. وغيرهم، فكان نائباً لرئيس لجنة التراث والتاريخ. وكان صادقاً ودقيقاً فيما يرويه، مطلعاً على تاريخ الوطن العربي وجغرافيته، له علم بأسماء الأماكن والبقاع ما اتفق منها وما اختلف.
وتابع البدور: كان عف اللسان حيياً إذا حضر مجلساً، فلا يتحدث كثيراً، كلامه على قدر السؤال وإذا أجاب كان جوابه الجواب الشافي ولا يتحدث إلا فيما هو متأكد منه وإذا جاءه سؤال ليس لديه إجابة له أو كان من بين الحضور من قد لا يفهم القصد من الكلام رد قائلاً لم أقف على شيء من هذا، خشية أن ينقل عنه كلاماً يسيء للآخرين. رحم الله عمران وأسكنه فسيح جنانه وأعان أبناءه ومحبيه لإخراج كتاباته التي دونها ولم ترَ النور.
علي الهاملي: مكانه شاغر
وقال علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، في كلمة نعى فيها الراحل (رحم الله أبا راشد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. كان، رحمه الله، دمث الأخلاق حييّاً، لا تكاد تسمع صوته إذا تكلم، رغم أن داخله كان صاخباً، يضج بعلم غزير وأدب رفيع. كان، رحمه الله، قليل الكلام، فإذا تكلم أتى بالخبر اليقين والرأي السديد.
قضى حياته كلها في رحلة بحث عن العلم والمعرفة منذ صغره وحتى انتقل إلى جوار ربه، فما أن يتم افتتاح مدرسة حتى يلتحق بها للنهل من منابع العلم والمعرفة، بدءاً من الشارقة، حيث وُلِد وترعرع ونشأ، وانتقالاً إلى دبي، ثم في الهند حيث أكمل دراسته، في زمن كان طلب الرزق فيه مُقدَّما على طلب العلم، وكان السفر فيه مشقة ما بعدها مشقة.
لكن عزيمة عمران العويس، عليه رحمة الله، كانت أقوى من كل المشقات، ورغبته في طلب العلم كانت تهوّن عليه الصعوبات. سيظل مكان المرحوم عمران العويس شاغراً في مجلسنا الأسبوعي بندوة الثقافة والعلوم، وستظل أعماله خالدة في تاريخ الوطن، وستظل آثاره بيننا، حتى لو غابت صورته عنا.
محمود نور: هرم ترجل عن جواده
العينُ من فقْـدِ الأحِبَّـةِ تَدْمَـعُ
والقلْبُ يُحْزِنُهُ الفِراقُ الموجِعُ
لكنَّمـا الدنيـا وهـذا شأنُهـا
فيهـا الجَمِيـعُ مُـوَدِّعٌ ومُـوَدَّعُ
تُغْوي ابنَ آدمَ بالبقاءِ وبالغِنَى
تَلْـقــاهُ بالآمـال وَهْيَ تُشَـيِّـعُ
بهذه الأبيات نعى محمود نور المدير العام لمجلس العويس الثقافي الفقيد الراحل عمران بن سالم العويس، وقال: هذا هرمٌ ثقافيٌّ تراثيٌّ موسوعيٌّ يترجَّل عن صهوة البحث إلى مستقرِّه الأبديِّ تاركاً في مشاعرنا وأفكارنا صوراً وحكاياتٍ لحقائقَ استخلصها من تراث وتاريخ وطنه.