للوهلة الأولى قد يبدو الحديث عن فكرة تسيير الطائرات اعتمادا على الطاقة الشمسية مجرد شطحة من شطحات الخيال العلمي وفرط التفاؤل في مستقبل الطاقة البديلة، إذ تحتاج الطائرة الواحدة نظرياً إلى ألواح طاقة بمساحة عدة ملاعب كرة قدم، لكن إنجازات مهمة توصل إليها العلماء أخيراً على صعيد تحويل أشعة الشمس إلى وقود سائل عن طريق عملية التوليد الضوئي الاصطناعي ربما تفتح الباب لجعل هذا الأمر ممكناً بالفعل في يوم من الأيام.
ما حدث فوق سلسلة جبال جورا السويسرية ربما يعتبر يوماً ما لحظة تاريخية حاسمة لعصر "استدامة الطاقة". فلقد تم رفع طائرة إلى السماء بواسطة أربع مراوح شبه صامتة. وتمت تغطية أجنحة الطائرة العريضة جداً بالنسبة لحجمها بخلايا ضوئية تحول ضوء الشمس إلى كهرباء، لتزود الطاقة إلى محركات الطائرة فضلاً عن شحن البطارية. حلقت الساعة لمدة 26 ساعة متواصلة، حيث وفرت لها البطارية المشحونة بضوء الشمس في النهار الطاقة للتحليق أثناء الليل.
وتعتبر هذه الطائرة السويسرية المطورة بتمويل خاص والتي أطلق عليها اسم "سولار إمبالس" إنجازاً غير مسبوق بين سلسلة من الطائرات الشمسية التي بم بناؤها على مدار العقود الماضية، لكنها تسلط في الوقت نفسه الضوء على فجوة خطيرة في الطاقة المتجددة. فبرغم أن عرض جناحي الطائرة يقارب عرض جناحي طائرة بوينغ 747، فإنها لم تحمل سوى راكبين وحلقت بسرعة بطيئة للغاية لم تتجاوز 45 ميلاً بالساعة.
ومن غير المرجح بالطبع أن تحل الطائرات الشمسية محل أساطيل العالم من الطائرات السريعة التي تحلق بواسطة الوقود التقليدي. وحتى لو وجدت مراوح كهربائية قادرة على دفع الطائرة بسرعات تتجاوز 500 ميل بالساعة، فإن الطاقة اللازمة لتشغيلها ستمثل عائقاً أساسياً، إذ تشير التقديرات إلى أن طائرة من طراز بوينغ 400-747 بالحمولة الكاملة تحتاج إلى خلايا طاقة شمسية من أحدث نوع منشورة بمساحة 200 ملعب كرة قدم لكي تحلق. وإذا أرادت التحليق من نيويورك إلى لندن على البطارية، ستحتاج إلى بطارية تزن مليون رطل أي حوالي عشرة أضعاف الوقود الذي تحتاجه مثل تلك الرحلات بطريقة الطيران التقليدية الآن. أي أنه لن يكون هناك أي متسع لحمولات الشحن أو الركاب على متن الطائرة.
والمشكلة الأزلية التي تواجه مصادر الطاقة البديلة هي أن الوقود العضوي السائل يختزن من الطاقة أكثر بكثير مما تختزنه البطارية مقابل كل أونصة من وزنهما. وإذا أراد العالم التحول إلى الطاقة المتجددة دون التخلي عن النقل الجوي، فلا بد له من إيجاد طرق جديدة لإنتاج الوقود السائل. ولطالما أدرك الباحثون في الأوساط العلمية هذه الحقيقة منذ زمن بعيد، لكن ارتفاع أسعار الوقود في السنوات الأخيرة لفت إليها انتباه أوساط الأعمال أيضاً.
وقام ناثان لويس، عالم الكيمياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ببناء خلايا ضوئية تقوم بتفكيك جزيئات الماء لتوليد غاز الهيدروجين، وهو شكل من أشكال الوقود. وتقوم تلك الخلايا بتحويل ضوء الشمس إلى طاقة كيميائية بفعالية تزيد بـ 10 إلى 40 مرة عن معظم المحاصيل الزراعية.
ويقول لويس أنه يمكن توقع التوصل إلى بناء نموذج أولي لهذه التكنولوجيا خلال خمسة أعوام."
ويقول شونشان سونغ، المهندس الكيميائي في جامعة ولاية بنسلفانيا، "ليس هناك عمليات معتمدة تجارياً لفعل ذلك. ولقد مولت صناديق الاستثمار المشتركة نحو 100 شركة للبحث عن طرق أخرى للتوصل إلى أصناف وقود بديلة.
ومن بين هذه الشركات "إو بي إكس بيوتكنولوجيز" الأمريكية التي تستخدم ميكروبات مهندسة وراثياً لتحويل غاز التصنيع، الذي يعتبر من المخلفات الصناعية ويحتوي على هيدروجين وأحادي أكسيد الكربون، إلى هيدروكربونات ثقيلة على أمل أن تتمكن الشركة من إعادة تكريرها إلى وقود طائرات.
وثمة شركات أخرى تستخدم الهندسة الجينية لتطوير طحالب تنتج زيوت شبيهة بالديزل. ويمكن لتلك الطحالب أن تكبر في المياه المالحة، وهو أمر بغاية الأهمية من أجل عدم المساس بالأراضي الزراعية ومصادر المياه العذبة الضرورية لإنتاج المحاصيل الزراعية.
لكن المشكلة الأساسية هنا هي أن مزارعي الطحالب يجب أن يخفضوا تكلفة إنتاجهم إلى العشر لكي يتمكنوا من إنتاج الوقود بأسعار منافسة. وهذا يعني أن على مثل هذه الشركات أن تبدأ بجني المال قبل أن تصل إلى ذروة أدائها في مجال تطوير أصناف الوقود البديلة. وهذا بالضبط ما تحققه شركة "أو بي إكس" بميكروباتها المنتجة لأسيد الأكريليك، العنصر الكيميائي المستخدم في تصنيع الطلاء والذي يباع بأسعار أعلى من سعر الوقود. خيارات مطروحة
من بين الخيارات المطروحة على طاولة البحث الآن بالنسبة لوقود المستقبل خيار "التوليد الضوئي الاصطناعي" ، فإذا كان الوقود هو أفضل طريقة لتخزين الطاقة، لماذا لا نحول ضوء الشمس مباشرة إلى وقود عوضاً عن تحويله إلى كهرباء؟
وسيتمثل التحدي الأكبر في دمج الهيدروجين مع ثاني أكسيد الكربون لتشكيل الهيدروكربونات التي توجد في الديزل وفي وقود الطائرات. وهذا ممكن كيميائياً، لكنه ربما يتطلب عمليات مقعدة تتضمن عشرات الخطوات.