أيام أربعة رفقة «المحار» ومنحدرات الأطلسي الخلابة

ما أول ما يخطر في بالك عندما تفكر بإيرلندا؟. للوهلة الأولى يخطر ببالي بيرس بروسنان أحد أبطال السلسلة الشهيرة جيمس بوند. فيلم هاري بوتر الذي صور في منحدرات موهر الساحرة. الرقص الايرلندي الشهير وفرقة "لورد أوف ذا دانس" والأساطير الإيرلندية التي تجسدها. اللون الأخضر الذي يعكس روح إيرلندا. الطقس الماطر. غالواي واحدة من أبرز محطات توقف سباق فولفو للمحيطات. جيمس جويس ورائعته يوليسيس.. والكثير التي تكتشف أنه مخزّن في ذاكرتك دون أن يكون هناك رابط واضح بين إيرلندا وبينه. إلا أن رحلة لاكتشاف الساحل الغربي الإيرلندي تثير كل هذه الأسئلة في بالك، لتندفع بكل قواك للاستمتاع واكتساب المزيد من المعارف، ولو في رحلة قصيرة استمرت أربعة أيام.

اليوم الأول: فندق التاريخ
لم أضبط هاتفي مبكراً يوم سفري مع «طيران الاتحاد» إلى دبلن، إلا أن اتصال خدمة التوصيل التي تقدمها طيران الاتحاد لركاب درجة رجال الأعمال كان سباقاً لرنة منبه الموبايل. طلبت الانتظار قليلاً ريثما أحضر نفسي، إلا أن السائق اعتذر بلباقة عن حضوره مبكراً، وطلب مني عدم الاستعجال لأنه حرص على الوصول مبكراً للاحتياط.
في صالة انتظار المسافرين المخصصة لركاب درجة رجال الأعمال، لم يكن العثور على معقد شاغر لمجموعة من أربعة أشخاص سهلاً، فالمكان مزدحم نوعاً ما، وهنالك العديد من الركاب يتناولون إفطارهم وقهوتهم ويطالعون الصحف والمجلات قبيل موعد مواعيد إقلاع رحلتهم. لكن حرص العاملين على راحة كل الضيوف أتاح للمجموعة المسافرة إلى دبلن بدعوة من هيئة السياحة الإيرلندية طاولة شاغرة، وصرفنا بقية الوقت في الدردشة والقهوة بانتظار موعد الرحلة.

يصعب أن تشعر بالوقت في المقصورة الفاخرة المخصصة لرجال الأعمال، سواء لناحية المساحة المتاحة للمسافرين، أو من ناحية الخدمة الفاخرة المتواصلة طيلة الرحلة، والتي تقدم لك خيارات متنوعة من الترفيه والأطعمة والمشروبات وكثير منها مخصص لدرجة الاعمال فقط، أو من ناحية المساحة المريحة التي يتيحها لك الكرسي المتحرك لتستمع بالسفر نائماً – إن رغبت. 8 ساعات للوصول من أبوظبي إلى مطار دبلن. لم تكن هذه زيارتي الأولى للعاصمة الايرلندية، لكن الوجهة هذه المرة كانت الساحل الغربي لإيرلندا، وتحديدا غالواي كنقطة انطلاق.

تبلغ المسافة من العاصمة دبلن إلى غالواي حوالي 220 كيلومتر، لكنك لن تشعر بطول المسافة مع المناظر الخضراء التي يعبرها الطريق السريع وتمر الساعتان وربع دون شعور بالتعب، وصولاً إلى فندق (Meyrick Hotel) التاريخي (تأسس عام  1852 وكان أبرز ضيوفه الإمبراطور نابليون الثالث) الذي يقع على ساحة Eyre Square.
في الفندق غرف متعددة وأجنحة مختلفة، ولن تحظ بغرف متشابهة فلكل منها روحها ومزاجها الخاص خصوصاً مع عراقة الفندق، وعمليات التوسعة التي خضع لها، إلا أن الانطباع العام للإقامة في شرفة مطلعة على ساحة آي سكوير، يثير الانتعاش. خصوصاً أن الجناح الذي نزلت فيه كان في الطابق الثالث حيث يمكن أن تحظى بمشهد لافت على غالواي من الأعلى، وأن تعيش في قلب المدينة النابض غير بعيد عن كل حراك نشاطات نهاية الأسبوع المرحة في المدينة، والتي يمكنك أن تكون جزءاً منها بكل سهولة، فالناس من الود لدرجة كبيرة ويرحبون بالغرباء، أو بالأحرى لا يمكن أن تشعر أنك غريب في غالواي.

بعد الرحلة الطويلة/القصيرة من دبلن إلى غالواي كان لا بد من بعض الاستراحة، والخروج بعدها لتناول الطعام الايرلندي اللذيذ، وقصدنا مطعم ماك سوينغز والذي يعد واحداً من المطاعم التي تقدم مأكولات محلية شهية في غالواي. المميز في المكان طبعاً اللحوم الإيرلندية الشهيرة (اللحوم بمعظمها عضوية لأن الحيوانات تقتات على العشب الأخضر، فالمطر يهطل 10 أشهر في السنة وبالتالي الحيوانات تتغذى بطريقة مثالية)، إضافةً إلى تراث كامل من المأكولات البحرية التي تتميز بها المدينة الساحلية، ولك أن تضيع مع الخيارات المميزة والتي تحظى برضى وذوق المسافر العربي بالتأكيد.

اليوم الثاني: المتحدثون بالــ «غيليك»
كان من المفترض أن تنطلق رحلتنا إلى جزيرة Inishmore  التي تتميز بطبيعتها الصخرية اللافتة، بالطائرة من مطار Connemara إلى الجزيرة وتستغرق حوالي 7 - 10 دقائق في الأحوال الطبيعية، لكن بالتأكيد للطقس الماطر كلمة في جزر الضباب الجميلة، وهو الأمر الذي يتفق مع رغبة السيدات في الفريق الصحفي بألا تكون رحلتنا بالطائرة، وهذا ما حصل. إذ تواطئ الطقس الماطر مع رغبة السيدات، وحجب الرؤية في الجزيرة لذا تم تحويل الرحلات إلى العبارة البحرية في الميناء القريب. وبحسب دليلنا السياحي فإن الطريق بالبحر اكثر أمناً واستقراراً حتى مع أعتى أيام الشتاء البارد، ولا يتوقف الطريق إلا في يوم واحد فقط طيلة العام ويكون الأعتى موجاً، وهو ما لم تنطبق عليه مواصفات يوم رحلتنا.

طبعاً بمقارنة الوقت فإن الرحلة بالعبارة تستغرق أكثر من ساعة مقابل 10 دقائق، إلا ان هنالك فرصة ان تشاهد دولفيناً سابحاً إلى جانبك. إينيش مور (7635 فدان) تعتبر أكبر جزر آران الواقعة في خليج غالواي، وتتميز بثقافتها الإيرلندية الخالصة، حيث تتعرف على شعب يستخدم اللغة الغييلية (Gaeilge) في حياته اليومية وتعتبر لغته الأولى، لكن الإنجليزية مستخدمة مع السياح بشكل خاص.

يسكن في الجزيرة حوالي 100 عائلة لكن عدد السكان يزيد في مواسم السياحة، ودليلك إلى مواسم السياحة راكبوا الأمواج حيث يخبرنا دليلنا المحلي في الجزيرة (يعمل في الزراعة وترصيف الحجر في الشتاء، ودليلاً سياحياً في موسم السياحة)، أن وجود هؤلاء "الركمجيين" دليل على بدء موسم السياحة، إذ تتمتع المنطقة بمزاج ساحر لركوب الأمواج مما يجعلها قبلة لهؤلاء، لكن الملفت في الجزيرة هو وجود كاهن واحد، ورجل شرطة واحد، وبالطبع مركز بريد واحد فقط، وطبيب واحد، لكن في حالات الطوارئ فإن سفينة إسعاف طبية في الخدمة، كما أن طائرة هليكوبتر جاهزة حين الطلب.

 

الرحلة الأميز في هذه الجزيرة هي تسلق التلة التاريخية للوصول إلى قلعة Dún Aengus والتي تقع على ارتفاع 300 على حافة المحيط الأطلسي، والتنقل في الحصن الذي تبلغ مساحته 11 فداناً من كتل الحجر الجيري. عليك طبعاً أن تكون متحضراً بالحذاء المناسب للمطر والملابس الواقية، وإن أردت اصطحاب مظلة فعليك بواحدة إيرلندية لن حجمها بالتأكيد مختلف عن تلك التي يمكن اصطحابها من بلدك.
وجبة الغذاء كانت في Tí Joe Watty’s ويمثل عينة من الأماكن الإيرلندية الدافئة، والمتميزة بوجود الموقد التقليدي الدافئ والطعام اللذيذ طبعاً، والعودة إلى غالواي تحت الامطار التي لم تتوقف إلا قليلاً جداً، وتركتك مبلل القدمين لأنك غير متحضر للرحلة الماطرة المباغتة.

اليوم الثالث: مهرجان المحار
لم ينبهنا مضيفونا أن علينا عدم تناول طعام الإفطار- ربما ظنوا من غير اللياقة ألا نتناول طعام الإفطار في الفندق، لكن أهم شرط لبدء جولة مع «شينا ديجنم» دليلك السياحي إلى نكهات «غالواي» هي ألا تخضع لمغريات الفطور الإنكليزي الشهي، ومن المفضل أن تحرص على وجبة ثقيلة في عشاء اليوم الأسبق حتى لا تكون شهيتك مفتوحة بشكل كبير منذ الصباح الباكر، لأنك بهذا ستفوت على نفسك مذاقات ربما لم يخطر ببالك تذوقها، حيث التقيناها في شارع المتاجر، وغير بعيد كان تجمع لمأكولات الشارع (يقام في عطلة نهاية الأسبوع) حيث بدأت الجولة.

كما كانت الفترة التي زرنا فيها غالواي متزامنة مع مهرجان المحار الشهير (Galway International Oyster Festival) حيث كان أحد بائعي المحار التقليديين محطة من محطات الطعام التي توقف الوفد عندها. أبرز المحطات كان من المفترض أن تكون عند مطعم كاي لكن الجولة اللذيذة لم تترك مجالاً للقمة إضافية (يقع المطعم قريباً من الميناء حيث يعتبر المكان خارج المدينة نوعاً ما حيث كانت هذه المناطق للصيادين لكن سرعان ما وصلتها المدينة وصارت جزءاً يفصلها جسر هادر فقط).

الموعد التالي في المساء كان مهماً ولذيذاً بالضرورة، فمهرجان المحار يتوج الفائزين ويقيم المسابقات ويستضيف وفدنا على شرف هذه المناسبة التي تشتهر بها المدينة. طبعاً الطعام المقدم بحري بالضرورة، وهناك تجرب المحار الصخري الذي تشتهر المدينة بإنتاجه، كما يمكنك تذوقه مطهواً مع عصرة ليمونة، ووقتها يمكنك المقارنة واختيار ما تريد. طبعاً الأقرب إلى المذاقات المألوفة في المنطقة العربية هي المحار المطهو، لكني وجدت المحار الطازج لذيذاً أيضاً. المفاجأة كانت أن كثيراً من أبناء غالواي لا يتناولون هذا النوع من المحار، ولا يستسيغونه، وعقد رهان على الطاولة المجاورة يفوز فيه من يتناول واحدة فقط! في الوقت الذي ينال فيه إعجابي.

اليوم الرابع: منحدرات موهر وهاري بوتر
تستيقظ في يومك الأخير في غالواي ومقاطع من فيلم هاري بوتر تمر في بالك. أنت على وشك الذهاب إلى (Cliffs of Moher) حيث صور فيلم Harry Potter & the Half Blood Prince. لا يشبه الخيال الواقع. كلما حاولت مقاربة الخيال تصطدم بصورة الواقع. ويعتبر المكان من أبرز المعالم في الساحل الغربي لإيرلندا ومن مناطق الأكثر جذباً للسياح، حيث يمتد الجرف الصخري على امتداد 5 كيلومترات ويمتاز بإطلالة ساحرة.

المكان المحفور في الجبل خصيصاً ليكون مركزاً يمكن فيه الاطلاع على أفلام تعريفية، وشراء الهدايا التذكارية تتوقع أنه كان مركزاً حربياً في السابق، لكن المفاجأة أن هذا بني خصيصاً لدعم السياحة، لكن يبدو أن قلة عدد السياح العرب إلى تلك المنطقة لم يلفت نظر القائمين على المنشورات السياحية فتحضر كثير من اللغات ومنها اليابانية وطبعاً لغات الأمم المتحدة المتعارف عليها عدا العربية. بالتأكيد لا يعني هذا ضعف مقدرة السائح العربي في القراءة بلغات أخرى، لكن هذا جانب يجب الاهتمام به عند التوجه إلى المناطق العربية وترويج الوجهات السياحية الخارجية، وهذا ما أجده غير منطقي إذ خصصت هيئة السياحة الايرلندية صفحات على فيسبوك بالعربية لتوجيه السائح، وتعريفه بمناطق وعادات وأفكار لا يمكن التعرف عليها إلا في ايرلندا.

حان موعد الغذاء وهنا توجهنا إلى مطعم أوكونورز لتناول آخر وجباتنا على الأراضي الايرلندية قبل التوجه إلى دبلن في رحلة العودة إلى أبوظبي مع طيران الاتحاد.