عالمنا بوتيرته السريعة، ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية وأخيراً ما تجسّد بأزمة وباء عالمية، يستحث التفكير العميق بالإنسان، وتحديداً الأبعاد النفسية لواقعه اليومي، وهو ما انعكس بشكل لا لبس فيه بأزمات صحة نفسية نأمل بمكافحتها من البداية واجتثاث جذورها أو حتى إيقافها منذ البداية.

وفي ضوء الممارسات العالمية التي يمكن التطرق إليها في هذا الصدد، المبادرة اللافتة من المملكة المتحدة، حيث تم عام 2018 تعيين أول وزيرة تُعنى بشؤون «الوحدة» ومعالجة الأوضاع البائسة التي يعاني منها ملايين الأشخاص في المملكة المتحدة، نتاج حقيقةٍ محزنة لأبعاد الحياة العصرية التي نعيشها اليوم.

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، تم إعطاء الحقيبة الوزارية الجديدة في ذلك الوقت لوزيرة الرياضة تراسي كراوتش، لوضع خطط لمواجهة قضايا «الوحدة» التي تهدد الشباب وكبار السن. وتعهدت كراوتش بالتعاون مع مختلف الأحزاب السياسية لتأدية مهامها في الوزارة الجديدة، لمواجهة «التحدي الممتد عبر أجيال» للتعامل مع قضية تطال ملايين الأشخاص في بريطانيا. وقد أطلقت كراوتش (42 عاماً) وعودها بالتعاون مع مختلف الأحزاب السياسية لتأدية دورها.

من الناحية العلمية، أظهرت الأبحاث أن تأثير غياب العلاقات الاجتماعية على الإنسان مُضر بالصحة تماماً كتدخين 15 سيجارة يومياً، كما وقد يؤدي لأمراض قاتلة. ومن هنا ندرك أهمية الخطوة التي بدأتها بريطانيا لتبرز الحقيبة الجديدة مدى انتشار مشكلات الصحة النفسية في البلاد وأبرزها «الوحدة»، فضلاً عن كونها خطوة استراتيجية للحكومة هناك في الطريق نحو التعامل والتصدي للوحدة التي يتحملها المسنون والشباب، ومن فقدوا أحباءهم، ولنا أن نتخيل بأننا وخلال القرن الواحد والعشرين هنالك فئة من الأشخاص الذين ليس لديهم أحد للحديث معه وتبادل أفكارهم وخبراتهم معه.

وزيرة مكافحة الانتحار

وفي خطوة مماثلة من العام نفسه، عينت الحكومة البريطانية عام 2018 وزيرة لمكافحة الانتحار والأمراض النفسية، في وقت استضافت فيه البلاد أول قمة عالمية للصحة النفسية. وأوضحت رئيسة الوزراء البريطانية وقتها، تيريزا ماي، أن تعيين الوزيرة جاكي دويل برايس لهذا الدور الجديد سيساعد في التعامل «مع قضية الانتحار»، فرغم الانخفاض المستمر في معدلات الانتحار، يقتل نحو 4500 شخص أنفسهم سنوياً.

كما تعهدت الحكومة بتقديم مزيد من الدعم في المدارس، وتوفير فرق دعم خاصة للصحة النفسية، والمساعدة في قياس مستويات صحة الطلاب، من بينها رفاهيتهم النفسية، بحسب «بي بي سي».

وقالت ماي: «يمكننا القضاء على الشعور السيئ الذي يدفع الكثيرين إلى المعاناة في صمت، ومنع مأساة الانتحار التي تسلب الكثيرين حياتهم». إلى جانب ذلك، تعهدت رئيسة الوزراء البريطانية بتقديم 1.8 مليون جنيه إسترليني لمنظمة «السامريون» المعنية بخدمات الصحة النفسية، لمساعدتها في مواصلة تقديم خدماتها المجانية عبر الهاتف لأربع سنوات قادمة.

دراسة

أظهرت دراسة أجرتها الجمعية التعاونية والصليب الأحمر البريطاني عام 2017 أن أكثر من 9 ملايين شخص دائماً أو غالباً ما يشعرون بالوحدة، في حين وجدت أن نحو 200 ألف من كبار السن لم يتحدثوا مع صديق أو قريب مدة أكثر من شهر.