في ظل تأهب عسكري وأمني تركزت الأضواء امس على مرحلة ما بعد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي يوارى الثرى غدا الثلاثاء بمسقط رأسه في قرية القرداحة بحضور عدد من زعماء العرب والعالم والذي كانت آخر قراراته سحب الجيش السوري من لبنان وتأكيده بقرب حلول السلام في المنطقة. وحسم مرسومان اصدرهما عبدالحليم خدام الذي يتولى مهام رئاسة الجمهورية مؤقتا بصفته نائبا للرئيس بتعيين بشار الاسد نجل الرئيس الراحل قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة بعد ترقيته الى رتبة فريق ركن حالة الارتباك والغموض التي سادت الاجواء السياسية في دمشق. وعقب هذا التعيين اعلن وزير الدفاع وكبار قادة الجيش ولاءهم لبشار وذلك بعد تقارير حول صراع خفي بين جنرالات الجيش على السلطة. ويقضي المرسومان اللذان أصدرهما عبدالحليم خدام بترفيع بشار من رتبة عقيد الى رتبة فريق ركن أعلى رتب الجيش السوري فيما قضى المرسوم الثاني بتعيينه قائدا عاماً للجيش والقوات المسلحة وهو المنصب الذي كان يشغله والده. وقال مسئولون ان وفدا من كبار ضباط القوات المسلحة السورية التقوا أمس بشار الأسد المرشح لخلافة والده الراحل حافظ الأسد وأكدوا ولاءهم له. وقال المسئولون ان بشار استقبل كبار الضباط الذين كان في مقدمتهم وزير الدفاع العماد مصطفى طلاس ورئيس الاركان علي اصلان حيث تعهدوا له بالولاء. وذلك بعد تعيينه قائدا عاما للجيش. وكانت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم عقدت اجتماعا امس برئاسة الامين العام القطري للحزب سليمان قداح الذي أعلن في ختامه ترشيح بشار رسميا للرئاسة والابقاء على موعد المؤتمر القطري للحزب في السابع عشر من الشهر الحالي لانتخابه عضوا في قيادة الحزب. لكن الفترة الانتقالية للحكم في سوريا تشهد بعض الارتباك الناجم عن تضارب التصريحات للمسئولين السوريين. فقد أعلن أحد هؤلاء المسئولين ان عبدالحليم خدام تولى رسميا مهام الرئيس المؤقت الى حين انتخاب الرئيس الجديد واصدر امس القانون رقم 9 للعام 2000 بتعديل بند الدستور 83 لتخفيض سن الرئيس الى 34 الذي كان مجلس الشعب أقره امس الاول. لكن مسئولا سوريا آخر قال لرويترز مساء امس ان رئيس الوزراء السوري مصطفى ميرو هو الذي يتولى رسميا تسيير امور البلاد في الفترة الانتقالية. غير ان قناة (الجزيرة) ذكرت امس في تقرير لها انه تم تشكيل لجنة من تسعة أعضاء لتسيير البلاد في الفترة الانتقالية تضم خدام وميرو ووزيري الدفاع مصطفى طلاس والخارجية فاروق الشرع وآخرين. ورغم هذه الخطوات لانتقال السلطة الهادئ في سوريا تواردت تقارير غربية نشرتها صحيفتا (صنداي تايمز) و(اوبزرفر) حول قلق في الادارة الامريكية على استقرار الوضع في سوريا. وقالت (اوبزرفر) ان مسئولي الخارجية الامريكية ينشغلون الآن بما يصفونه (الصراع الخفي) على السلطة في دمشق على أساس ترجيح (تحركات قوية) من قبل قادة الجيش واطراف في الحكم وحتى العائلة الحاكمة في سوريا. وزعمت (صنداي تايمز) ان عددا من قادة الجيش المناوئين لحكم بشار الاسد اعتقلوا في الاسابيع القليلة الماضية. القلق الأمريكي هذا تزامن مع تصريحات لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك عقب اجتماع حكومته امس قال خلالها ان وفاة الرئيس السوري أدت الى نشوء (شرق أوسط مختلف) . واضاف انه (من المستحيل التنبؤ بما سيحمله المستقبل لكن من المعقول التنبؤ بحدوث تغييرات) رغم تأكيده انه على المدى المنظور سيسود الهدوء على الحدود بين اسرائيل وكل من سوريا ولبنان. وزير خارجيته ديفيد ليفي دعا من جهته الحكومة الاسرائيلية لمتابعة ومراقبة الوضع في سوريا عن كثب لأنها معنية بتحقيق الاستقرار في المنطقة حسب زعمه. واشار ليفي الى انه اذا اختار الرئيس السوري الجديد سلوك طريق السلام فانه سيجد اسرائيل مستعدة لاتمام السلام مع سوريا غير انه اذا واصل التردد.. فستبقى اسرائيل على أهبة الاستعداد لمواجهة اي طارئ اضافة الى ان يدها مازالت ممدودة للسلام وتأمل في ان يصافحها بشار الاسد. وفي اطار السلام هذا كشفت مصادر مطلعة لـ (البيان) ان القوات السورية انهت امس تجميع وحداتها وانسحابها من لبنان بناء على قرار كان الرئيس السوري الراحل أمر به قبل ساعات من وفاته امس الاول. وقالت المصادر ان الراحل الاسد ابلغ قرار الانسحاب هذا الى الرئيس اللبناني اميل لحود خلال اتصاله الهاتفي امس الاول عبر خلاله عن مشاركته لبنان (الفرحة التي طال انتظارها في دمشق وبيروت بانسحاب العدو الاسرائيلي) . ويقول مقربون من الرئيس اللبناني ان الاسد كان متأثرا جدا خلال الاتصال ومتهدج الصوت ولم يتمكن من اكمال كامل العبارات التي رددها مرارا للحود. وتضيف المصادر ذاتها ان العبارة الاخيرة التي قالها الاسد للحود كانت اشبه ببرنامج عمل للمرحلة المقبلة على الصعيد الاقليمي حيث قال (مبروك التحرير. حافظوا عليه من دون الطائفية انما بالتمسك (باتفاق) الطائف. السلام وشيك في المنطقة وهذا يدعونا الى التماسك و...) وهنا انقطع الاتصال. دمشق, بيروت ـ البيان والوكالات