واشنطن ولندن تتجاوزان انقسام مجلس الأمن بإعلان موعد الحرب

السبت 5 محرم 1424 هـ الموافق 8 مارس 2003 تنازع أعضاء مجلس الأمن الدولي أمس تقييمات مفتشي الأسلحة عن مدى تعاون العراق في نزع أسلحته، وتجاهل معسكر الحرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا كل الايجابيات التي جاءت في تقريري كبير المفتشين هانز بليكس ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، اللذين أكدا عدم العثور على ما يدين العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل مكذبين ادعاءات واشنطن ولندن اللتين تجاهلتا التقرير وتجاوزتا الانقسام في مجلس الأمن بمنح العراق مهلة لا تزيد على عشرة أيام حتى 16 أو 17 مارس للالتزام بنزع سلاحه أو مواجهة الحرب، وقدمتا هذه المهلة في النسخة المعدلة من مشروع قرارهما الى مجلس الأمن لاجازه غزو العراق، لكن فرنسا مدعومة من روسيا والصين والمانيا وسوريا تعهدت باحباط صدور أي قرار يجيز العمل العسكري. قال الرئيس الأميركي جورج بوش قبل اجتماع المجلس أنه لا يحتاجه لاعلان الحرب (التفاصيل ص 20 -23) وشهدت مداولات مجلس الأمن بعد ان استمع الى تقرير المفتشين جدلا بين معسكري الحرب والسلام كان أبرزها كلمة وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الذي قدم مرافعة انفعالية عن الهوس البريطاني الاميركي للحرب في رده على نظيره الفرنسي دومينيك دوفيلبان الذي دعا الى تعزيز عمل المفتشين. كما وصف وزير الخارجية السوري فاروق الشرع ان اعلان حرب على العراق ما هو الا عملية «سطو مسلح». وفي أعقاب جلسة الاستماع لتقرير المفتشين عدلت الولايات المتحدة وبريطانيا، امس، مشروع قرار لمجلس الامن يجيز استخدام القوة ضد العراق، لاتاحة مزيد من الوقت للرئيس العراقي صدام حسين لنزع سلاحه قبل أن يواجه حربا محتملة. وستحدد مسودة للقرار المعدل موعدا يتراوح بين يومي 16 و17 مارس الجاري لينزع العراق اسلحته في محاولة لاجراء تصويت في المجلس في اقرب وقت ممكن. وجاء في المسودة التي اطلعت رويترز عليها أن العراق سيكون قد احجم عن استغلال الفرصة لنزع سلاحه ما لم يظهر تعاونا كاملا وغير مشروط وفوريا ونشطا تجاه التزاماته بنزع السلاح. وتأمر المسودة العراق بأن يسلم مفتشي الاسلحة كل الاسلحة المحظورة ونظم اطلاقها ودعمها بموجب قرارات الامم المتحدة وكذلك المعلومات المتعلقة بتدمير مثل هذه المواد. ويهدف تعديل مشروع القرار البريطاني الأميركي الى كسب تأييد اعضاء مجلس الأمن الذين لم يحددوا موقفهم والذين يعارضون أي قرار يؤدي الى نشوب حرب على العراق. وكان وزير الخارجية البريطانية جاك سترو قد قدم مرافعة انفعالية في مجلس الأمن متجاهلاً تقرير المفتشين ومتهما العراق بالخداع ومهاجما السياسة الفرنسية تجاه الحل السلمي كاشفاً عن الهوس الأميركي البريطاني للحرب. وقال وزير خارجية فرنسا دومينيك دو فيلبان امس ان باريس لا يمكنها قبول اقتراح بريطاني يمنح العراق مهلة نهائية لنزع اسلحته بحلول 17 مارس او يواجه الحرب. وقال دومينيك دو فيلبان وزير الخارجية الفرنسي للصحفيين بعد كلمة القاها امام مجلس الامن «تكمن وراء اقتراحه (وزير خارجية بريطانيا) فكرة منح مهلة نهائية حتى 17 مارس. هذا منطق الحرب. نحن لا نقبل هذا المنطق». واضاف «لن نقبل قرارا يؤدي الى حرب. لن نقبل اي مهلة نهائية». وتقود فرنسا العضو دائم العضوية في مجلس الامن حملة معارضة بين اعضاء المجلس الخمسة عشر لمسعى اميركي بريطاني لاصدار قرار يمهد الطريق لعمل عسكري ضد العراق. وتقول الولايات المتحدة وبريطانيا انهما ينويان طرح مشروع القرار للتصويت في الاسبوع المقبل. لكن دو فيلبان قال امام مجلس الامن في وقت سابق امس ان فرنسا لن تسمح بتمرير قرار يفوض بالاستخدام التلقائي للقوة ضد العراق. وكان كبير مفتشي الامم المتحدة هانز بليكس قد قال في تقريره ان فرقه لم تعثر على اي دليل يدعم التأكيدات الاميركية ان العراق يخفي اسلحة محظورة في مختبرات نقالة. وقال بليكس خلال اجتماع حاسم لمجلس الامن الدولي حول العراق ان «اجهزة الاستخبارات افادت ان اسلحة دمار شامل تنقل في العراق على شاحنات وان هناك خصوصا وحدات انتاج نقالة للاسلحة البيولوجية». واوضح «جرت عدة عمليات تفتيش على علاقة بمنشآت الانتاج النقالة لكن لم يتم العثور على اي دليل حول وجود نشاطات محظورة». واعتبر كبير مفتشي الامم المتحدة هانز بليكس امام مجلس الامن الدولي امس ان نزع اسلحة العراق قد يستغرق «اشهر». وقال ان «التحقق من نزع الاسلحة حتى مع تعاون العراق النشط لن يستغرق اسابيع او سنوات بل اشهر». وقال محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية امس ان الوثائق التي تؤيد مزاعم اميركية وبريطانية بأن العراق حاول شراء يورانيوم من النيجر «ليست اصيلة». وقال محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريره الى مجلس الامن «بناء على تحليل دقيق .. خلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى ان هذه الوثائق التي مثلت اساس التقارير الاخيرة بشأن صفقات يورانيوم حديثة بين العراق والنيجر هي في الحقيقة غير اصيلة». وقال البرادعي «ومن هنا خلصنا الى ان هذه المزاعم تحديدا لا اساس لها». وزعمت بريطانيا والولايات المتحدة ان العراق حاول احياء برنامجه للاسلحة النووية الذي حيدته الامم المتحدة قبل توقف عمليات التفتيش في ديسمبر 1998 عشية قصف اميركي بريطاني بدعوى عدم تعاون بغداد. والزعم بأن العراق حاول شراء اليورانيوم كان حيويا بالنسبة للاتهامات الاميركية حيث انه لن يحتاج اليورانيوم لاي شيء اخر خلاف برنامج للاسلحة النووية. وقد تباينت ردود فعل الدول الأعضاء في مجلس الأمن على تقريري هانز بليكس والبرادعي بشأن التعاون العراقي مع مفتشي الأسلحة الدوليين. فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي كولن باول أمام الجلسة الخاصة للمجلس أن العراق مازال يرفض التعاون بالشكل المطلوب مع المفتشين الدوليين وقال إن تقرير المفتشين جاء «حافلا بأمثلة عدم التعاون». واتهم باول العراق بالسعي في دولة أوروبية ـ لم يذكر اسمهاـ لشراء أنابيب من الألومنيوم لاستعمالها في برامج التسلح. وأضاف أن «الخطوات الصغيرة التي اتخذها العراق ليست مبادرات، لقد انتزعت انتزاعا تحت التهديد بالقوة والتعاون في كثير من الأحيان ظاهري وليس حقيقيا». واعتبر أن المسألة الوحيدة التي يجب ان يبحثها المجلس هي ما إذا كان العراق يتعاون تعاونا كاملا في نزع السلاح. وأضاف أن العراق لم يتخذ القرار الإستراتيجي الخاص بنزع السلاح. وأعلن وزير الخارجية الأميركي أن بلاده ستطرح مشروع القرار الجديد بشأن العراق قريبا جدا للتصويت من جهته قال وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف إن روسيا تدعم بقوة مواصلة عمليات التفتيش الدولية في العراق معبرا عن أمله في تسوية هذه الأزمة بالوسائل السياسية. أما وزير الخارجية الفرنسية دومينيك دو فيلبان فقد اعتبر أن تقريري بليكس والبرادعي يؤكدان تعاون العراق مع المفتشين مشيرا إلى أن هذا التعاون يختلف عن الممارسات مع اللجان السابقة. وأكد أنه يجب تحقيق النزع الفعال لأسلحة الدمار الشامل العراقية وفقا للقرار 1441 موضحا أن فرنسا لن تسمح بتمرير قرار يسمح اللجوء تلقائيا إلى القوة. وطالب دو فيلبان بأن يكون الاجتماع المخصص للتصويت على مشروع القرار الأميركي البريطاني الإسباني بشأن العراق على مستوى رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في مجلس الأمن. واعتبر أن «الخطر الذي يشكله العراق اليوم أقل مما كان في عام 1991». وطرح دو فيلبان مقترحات لدعم عمليات التفتيش تتضمن أن يحدد المفتشون مهلة وبرنامج عمل لنزع الأسلحة مع تقديم تقرير مرحلي كل ثلاثة أسابيع عن نتائج عملياتهم. وقال وزير الخارجية الصيني تانغ غياسوان أن عمليات التفتيش يجب أن تستمر في العراق واعتبر أن تقريري بليكس والبرادعي يشيران إلى إحراز تقدم كبير في عمليات التفتيش عن الأسلحة. وحث الوزير الصيني بغداد على إبداء مزيد من التعاون والالتزام بالقرار 1441 وقال إن بلاده لا تؤيد صدور قرار جديد من مجلس الأمن. ورأى وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر عقب عرض التقريرين أن هناك فرصة حقيقية لتجنب الحرب ونزع أسلحة العراق بالطرق السلمية. أما وزير الخارجية السوري فاروق الشرع فجاءت كلمته شديدة اللهجة حيث اعتبر أن الحرب الأميركية على العراق ستكون بمثابة عملية سطو مسلح معربا عن دهشته من منطق السماح لإسرائيل بامتلاك أسلحة دمار شامل رغم أنها تحتل الأراضي العربية. وانتقد الشرع بشدة التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مجال تطوير وصناعة الصواريخ بعيدة المدى في حين يجري تدمير صواريخ متواضعة في العراق. وأكد الشرع أن بغداد تعاونت بفعالية مع مفتشي الأمم المتحدة مشيرا إلى أنه لا حاجة لقرار ثان يسمح باستخدام القوة. كما طالب الوزير السوري بحماية دولية تحت إشراف مجلس الأمن من أي هجمات قد تشنها إسرائيل في حالة الحرب على العراق.