افتتحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، ضمن البرنامج الثقافي للشارقة ضيف شرف الدورة الـ30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، النسخة المغربية من معرض «الخراريف برؤية جديدة»، الذي ينظمه المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، بالتعاون مع المجلس المغربي لكتب اليافعين، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية.
ويجمع المعرض خمسة فنانين إماراتيين، وخمسة فنانين مغاربة، أعاد كل منهم تخيل حكايات شعبية من ثقافة الآخر بأسلوب بصري معاصر، يمزج بين التراث والحداثة، ويمنح الجيل الجديد فرصة التعرف إلى شخصيات وأساطير شعبية شكلت جزءاً من الهوية الثقافية في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية. وقد جاء هذا التبادل الفني الإبداعي ثمرة بحث معمق من قبل المشاركين في مفردات الحكايات الشعبية للبلد الآخر، ليمثل كل عمل قراءة شخصية جديدة لحكاية متوارثة من جيل إلى آخر.
وقالت مروة العقروبي، رئيسة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين: «منذ انطلاق المشروع على هامش معرض بولونيا لكتاب الطفل عام 2022 ونحن نطمح إلى أن يتجاوز المفهوم حدود المعرض، ليصبح حركة ثقافية متكاملة، تسافر بالحكايات الشعبية من بلد إلى آخر. والنسخة المغربية تؤكد وجود شغف عالمي متزايد بإعادة اكتشاف الموروث الشعبي من خلال الفن».
وأضافت العقروبي: «نعمل على تحويل مشروع الخراريف برؤية جديدة إلى منصة دائمة تتيح لفناني كل بلد فرصة التعرف إلى حكايات البلد الآخر، والغوص في رموزها، وفهم سياقها المجتمعي، وبهذا نعيد للحكاية دورها التربوي والمعرفي، ونحولها إلى لغة عالمية للتقارب الثقافي».
وتُعد هذه النسخة السادسة من المشروع الفني المتنقل، بعد نسخ نظمت سابقاً في كل من إيطاليا والمكسيك وكوريا الجنوبية واليونان وروسيا، حيث نجح المعرض في مد جسور فنية وثقافية بين الشعوب، عبر إعادة تقديم القصص الشعبية برؤية جديدة تحتفي بالاختلاف والتشابه الإنساني في آنٍ معاً. وقد شكلت كل محطة من محطات المشروع مساحة للتفاعل والتعلم المشترك بين الفنانين والجمهور، إذ تجاوز المعرض كونه حدثاً بصرياً، ليصبح منصة مفتوحة للنقاش حول القيم الإنسانية المشتركة، والطرق المختلفة التي تعبر بها المجتمعات عن مخاوفها وأحلامها وذاكرتها، ما يجعله نموذجاً معاصراً للتبادل الثقافي الإبداعي العابر للحدود.
وضمت النسخة المغربية من المعرض أعمالاً فنية مبتكرة قدمها عشرة فنانين من الإمارات والمغرب، أعاد كل منهم رسم حكاية تراثية تنتمي إلى ثقافة البلد الآخر، بأسلوب بصري معاصر يعكس روحه الشخصية وتصوراته الفنية، فمن الجانب الإماراتي أعادت آمنة الكتبي تقديم حكاية «حديدان الحريمي»، التي تدور حول فتى ذكي هو الناجي الوحيد من بين إخوته، بعد أن ابتكرت له والدته بيتاً من الحديد يحميه من «أم الغولة»، أما خالد الخوار فاختار قصة «بنت الدرّاز»، التي تحكي عن فتاة كفيفة تعيل والدها وتواجه مصيراً غير متوقع، بعد أن تتوه في الغابة وتبدأ حياة جديدة تنتهي باستعادة بصرها، والزواج من ابن المرأة العجوز التي آوتها.
وتنوعت الأساليب الفنية بين الرسم الرقمي، والتصوير التوضيحي، وفن الملصقات، حيث عكست الأعمال تناغماً بصرياً غنياً جمع بين عمق الموروث وحيوية الخيال، مقدماً سرداً جديداً للحكايات الشعبية بأسلوب يفهمه الجيل الرقمي ويتفاعل معه. واستثمر الفنانون الرموز الثقافية والعناصر الأسطورية في الحكايات لإبداع لوحات تنبض بالحياة، مستخدمين الألوان والكتل والخطوط كأدوات سرد موازية للكلمة، ما أتاح للمشاهد الدخول في عوالم الحكايات دون الحاجة إلى شرح أو ترجمة.
شراكة ثقافية
وأكد أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، أن الإقبال اللافت والتفاعل الكبير مع جناح إمارة الشارقة في معرض الرباط الدولي للكتاب يجسد مكانة الإمارة مركزاً ثقافياً عربياً وعالمياً، ويعكس أثر وقوة الرؤية الثقافية التي أسسها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي تؤمن بأن الاستثمار الحقيقي يبدأ من الإنسان، وأن الثقافة حجر الأساس لبناء مجتمعات مستدامة.
وأوضح العامري أن حضور الشارقة في الرباط يمثل ترجمة عملية لمشروع ثقافي حضاري ممتد، مشيراً إلى أن الفعل الثقافي الحقيقي يُقاس بقدرته على التأثير العميق في الوعي العام، وقدرته على استحداث مبادرات ورؤى وأفكار تحقق استدامته وتجني ثماره.
وشدد على أن ما تشهده مشاركة الشارقة من اهتمام جماهيري ونخبوي واسع، هو ثمرة الدعم المستمر والتوجيهات السديدة للشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، التي حرصت على أن تكون مشاركة الإمارة انعكاساً لتنوعها المعرفي، وعمق رسالتها في تعزيز الحوار الثقافي العربي والعالمي.
وقال العامري: «الثقافة ليست ترفاً فكرياً، بل استثمار طويل الأمد في بناء الإنسان الواعي القادر على صياغة مستقبله، والانفتاح على تجارب العالم بثقة بجذوره وهويته»، وأضاف أن الثقافة تشكل الجسر الأوسع لتعزيز العلاقات الإنسانية بين الشعوب، وأن الحكاية العربية، التي تمتد بين المشرق والمغرب لا تزال حية وقادرة على بناء مستقبل مشترك.
واختتم العامري بالتأكيد على أن الشراكة الثقافية بين دولة الإمارات والمملكة المغربية، وبين الشارقة والرباط نموذج يحتذى به في تعزيز الفعل الثقافي العربي، قائلاً: «من الرباط اليوم نواصل الحكاية، ونؤمن بأن الثقافة ستبقى رهاننا الحقيقي نحو نهضة عربية مستدامة».
حوار شعري
وفي أمسية احتفت بالشعر والتلاقي الثقافي العربي نظمت هيئة الشارقة للكتاب، ضمن برنامج الشارقة ضيف شرف الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، أمسية بعنوان «مرايا الكلام: قصائد إماراتية ومغربية تحت سماء الرباط»، أحياها الشاعران عبدالله الهدية من دولة الإمارات العربية المتحدة، وأحمد الحرشي من المملكة المغربية، وأدارتها الكاتبة أمل السهلاوي.
جذور التشابه في اللهجات
وضمن برنامج فعاليات الشارقة ضيف شرف الدورة الثلاثين من معرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط نظمت «هيئة الشارقة للكتاب» جلسة حوارية بعنوان «المؤتلف والمختلف في لهجات العرب شرقاً وغرباً»، استضافت خلالها د. سلطان العميمي، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، والباحث الدكتور يحيى عمارة، وأدارتها الكاتبة شيخة المطيري.
وجدان العرب
في حوار ثقافي استعرض دور الحكاية الشعبية في تشكيل الوجدان العربي عبر العصور جمعت جلسة «جسر بين ضفتين: المشترك الإبداعي في مشرق العالم العربي ومغربه» الباحث الدكتور سعيد يقطين من المغرب، والكاتبة الإماراتية شيخة الجابري، وأدارتها الشاعرة شيخة المطيري، ضمن برنامج فعاليات الشارقة ضيف شرف الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط.