تنهار حياة السكان في قطاع غزة ولبنان ساعة بعد ساعة. فقد مئات الآلاف كل ما بنوه وجنوه طيلة عقود. والسبب قرار اتخذه شخص قيادي في حركة حماس يقال إنه مصاب بـ "جنون العظمة" وهو زعيم الحركة، المختبئ في أنفاق غزة، يحيى السنوار، وصراعه مع طبقة قيادية أخرى مقيمة في الخارج ويتهمهم السنوار بأنهم "رجال الفنادق".
تهدمت غزة على رؤوس أهلها في الحرب التي تشنها إسرائيل منذ هجوم 7 أكتوبر 2023. وما زالت الحرب تتسع، وتضيق الخيارات أمام الأطراف المتحالفة مع حماس أمام تفوق إسرائيلي شامل.
وفق تقارير غربية ومصادر عربية، سيطر يحيى السنوار على قرار "حماس" من الأنفاق.
ونقلت صحيفة فاينانشيال تايمز عن مسؤول عربي مطلع على مسار جهود التهدئة أن "البطاقة الوحيدة التي تمتلكها حماس هي الرهائن. هذه هي بوليصة التأمين الخاصة بهم، ولن يتنازلوا عنها ما لم يحصلوا على شيء في المقابل. ولم تكن إسرائيل، منذ البداية، على استعداد لدفع الثمن السياسي لتحرير الرهائن". تحدث المسؤول عن أن "حماس يائسة" لكن إذا لم تضمن النجاة فلن تسلم الرهائن.
زوال إسرائيل وفلسطين!
يتفق أنصار حركة حماس بالإجماع على أن هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل ما كان ليحدث لو كان أصحاب القرار (يحيى السنوار) قد توقعوا أو تخيلوا أن الأمور ستأخذ هذا المنحى في تمكين إسرائيل من غزة ولبنان وإضعاف إيران وإحراجها.
صحيفة "وول ستريت جورنال" تتبعت منحى التنافس الداخلي في حركة حماس، وكيف تمكن مهندس الأنفاق من السيطرة على قرار السلم والحرب من أيدي رجال الفنادق؟
يقول مسؤولون استخباراتيون للصحيفة إنه بعد تولي يحيى السنوار السيطرة الكاملة على حماس خلال الصيف الماضي، أرسل توجيها إلى أحد كبار عملائه: الآن هو الوقت المناسب لإحياء التفجيرات الانتحارية.
بعد بضعة أيام دخل فلسطيني يرتدي نظارة طبية إلى تل أبيب حاملاً حقيبة ظهر زرقاء محملة بالمتفجرات. ورغم أن القنبلة انفجرت قبل أن يصل الرجل إلى هدفه، وأسفرت عن مقتله وحده، فإن الهجوم أرسل رسالة لا لبس فيها أن الرداء السابق لحماس قد تم تمزيقه وعادت إلى الوضوح في هدفها بالعمل على ما هو أبعد من حل الدولتين، وهو زوال إسرائيل حتى لو أدى إلى زوال الشعب الفلسطيني.
تتويج صراع داخلي
شكل صعود السنوار بعد اغتيال إسرائيل زعيم الحركة اسماعيل هنية، تتويجاً لصراع داخلي دام سنوات حول كيفية تحقيق التوازن بين رؤيتين متنافستين للمجموعة.
لسنوات، انقسمت حماس بين جناح أمني متشدد مثل السنوار، الذين يرون أن مقتل المدنيين (الإسرائيليين والفلسطينيين) ضروري لزعزعة استقرار الدولة العبرية (وفق إفادات مسؤولي الاستخبارات للصحيفة)، والمسلحين الذين يؤيدون العنف لكنهم يريدون من المجموعة الحفاظ على بعض الشرعية السياسية كطريق لتحقيق أهدافها المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية. والآن يفرض السنوار رؤيته الأكثر عنفًا على حماس بينما يضغط الجيش الإسرائيلي على المجموعة في غزة.
الأنفاق ضد الفنادق
يقول ماثيو ليفيت، وهو زميل بارز في معهد واشنطن للأبحاث، والذي كتب كتابًا عن حماس: " من المتوقع أن تكون حماس في عهد السنوار منظمة أصولية متشددة أكثر وضوحًا".
صعد السنوار وهنية إلى السلطة بعد استقالة زعيم حماس السابق خالد مشعل من منصبه كرئيس للمكتب السياسي لحماس في عام 2017. وحل هنية محله كرئيس للمكتب السياسي وأصبح السنوار الزعيم في غزة.
قاد هنية والسنوار الحركة نحو علاقات أوثق مع إيران. ولكن التوترات تصاعدت بينهما، فاسماعيل هنية بدأ يعتقد أن نظيره في غزة أمضى وقتًا طويلاً في السجن الإسرائيلي وكان يفشل في فهم أن حماس بحاجة إلى تصوير نفسها كمنظمة سياسية شرعية للتعامل مع الدول العربية، وفقًا لمسؤولي الاستخبارات المشاركين في الوساطة بين الرجلين.
ونظم اجتماع في يوليو 2023 لتوحيد موقف الفصائل الفلسطينية في الخارج. ورفض السنوار الحضور، وقال إنه قلق من أن جناح هنية قد يطيح به أثناء وجوده خارج القطاع، حسبما قال هؤلاء المسؤولون. وبعد بضعة أشهر، شن السنوار هجمات السابع من أكتوبر.
وفي حين كانت القيادة السياسية لحماس، بقيادة هنية، على علم بالهجوم المحتمل، فإن توقيت الهجوم كان بمثابة مفاجأة بالنسبة لها. ولم تقدم إيران وحزب الله سوى مساعدة محدودة في أعقاب الهجوم.
ورغم أن مسؤولي حماس في الدوحة أشادوا علناً بالهجوم، فقد بدأوا في انتقاد السنوار سراً ووصفه بأنه "مصاب بجنون العظمة"، وفقاً لمسؤولين عرب ومسؤولين في حماس. لقد وصف قادة حماس السنوار بعبارات مهينة مثل: "لقد ارتكب خطأ، وأنه هاوٍ سياسي".
لقد أدى الغزو البري الإسرائيلي لغزة إلى تفكيك الهياكل العسكرية لحماس. وبدأت القيادة السياسية لحماس في لقاء الفصائل الفلسطينية الأخرى في أوائل ديسمبر لمناقشة المصالحة وخطة ما بعد الحرب دون التشاور مع السنوار .
وكان هنية منفتحا على نزع السلاح والضغط على السنوار والجناح العسكري لحماس للقبول باتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وفي رسالة إلى الزعماء السياسيين، انتقد السنوار الطريق الالتفافي ووصفه بأنه "مخزٍ ومثير للغضب" وبدأ في انتقاد هنية وخالد مشعل بشكل خاص.
وقال إيهود يعاري، الكاتب الإسرائيلي الذي أجرى حواراً مطولاً مع السنوار، إن الأخير أطلق على قادة حماس في الخارج اسم "رجال الفنادق".
لكن كانت حسابات السنوار المتطرفة خاطئة. فمع انغماس الجيش الإسرائيلي في مستنقع الحرب، أصبح السنوار أكثر ثقة في أن الانتقادات الدولية لإسرائيل ستجبر جيشها على وقف إطلاق النار، الأمر الذي سيترك حماس على حالها. لكن نتانياهو سبح عكس التيار، وواصل الحرب، ونجح في تقديم الهدف بعيد المدى (القضاء على حماس) على الهدف قريب المدى (إطلاق الرهائن). وكان هذا الانقلاب السياسي في أولويات إسرائيل نقطة قاتلة أصابت حسابات السنوار ويدفع سكان غزة ولبنان ثمن هذه الحسابات التي اعتقد بصحتها حزب الله اللبناني أيضاً.
بعد مقتل هنية، اقترح الأعضاء أولاً مشعل لخلافته، فقاطعه السنوار برسالة مفادها أن الزعيم الجديد يجب أن يكون شخصًا قريبًا من إيران. ثم أرسل أعضاء الجناح العسكري لحماس، كتائب عز الدين القسام، رسالة مفادها أن الزعيم يجب أن يكون السنوار .
ورغم أن البعض تكهن مؤخرا باحتمال وفاة السنوار ، فإن مسؤولين عربا يتوسطون في وقف إطلاق النار قالوا إنهم تلقوا رسائل باسمه في الأسبوع الماضي. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن انضباطه في استخدام وسائل الاتصال البدائية ربما يساعد في إبقائه على قيد الحياة.. حتى الآن!