غزة تنتظر «هدنة بعيدة المنال»

مسنة فلسطينية تحمل جثمان طفل في دير البلح وسط قطاع غزة
مسنة فلسطينية تحمل جثمان طفل في دير البلح وسط قطاع غزة

تترنح غزة فوق فوهة أسئلة مروعة، تتطاير على تخوم العام الأول للحرب الطاحنة، التي يشهدها القطاع، في أعتى الحروب، التي شهدتها غزة منذ العام 1948، وشكلت المجاعة ومشاهد النزوح أعلى موجاتها، فضلاً عن الأعداد الهائلة للضحايا.

ومن بين ركام الحرب ترتسم أسئلة كبرى عند الفلسطينيين على نحو: ماذا ينتظر غزة بعد عام الحرب؟ وعلى ماذا سينجلي المشهد بعد انتقال مطرقة النار إلى لبنان، وإصرار «حزب الله» على عدم فك المسارين بين غزة وبيروت؟ فسكان غزة ملوا من الحرب وينتظرون هدنة، لكنها حسب بعض المحللين بعيدة المنال.

ومع اشتعال جبهة لبنان، يخشى الفلسطينيون في قطاع غزة من غياب الاهتمام الدولي، خاصة مع بدء الغزو البري في جنوب لبنان، في موازاة الضربات الجوية المتواصلة.

يقول يوسف بعلوشة من غزة: «مع اشتداد الحرب على لبنان تراجعت غزة على لائحة الأخبار والاهتمام العالمي، ولا يمكن التنبؤ بما هو قادم، لكن على الأرجح لن يكون هناك جديد أو تغيير على أحوالنا».

ويضيف: «كنا نستأنس بأخبار الاتصالات السياسية وجولات المفاوضات، ونشعر بالأمل بعض الشيء بأن ينتهي هذا الجحيم، لكن اليوم (ولا على بال أحد)، ولا نعلم ماذا ينتظرنا، سئمنا من الانتظار ومراوحة المكان»، بينما يقول سلمان المصري، من بيت لاهيا: «حرب غزة أصبحت أشبه بحكاية تراجيدية، المجتمع الدولي تخلى عنا، والكل منشغل اليوم بالحرب على جنوب لبنان، وغزة تركت يتيمة تلاطم الحزن والدمار».

وفيما لا تزال غزة منهمكة في لملمة آثار عام من الحرب، يسود الترقب في صفوف الغزيين، حول مجريات وتداعيات الحرب على لبنان، مع أن الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة لا تتوقف، ويومياً تشيع غزة ضحاياها. ويجمع مراقبون على أن الاهتمام ينصب في الأروقة السياسية على أهمية التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار على كلتا الجبهتين «غزة وجنوب لبنان»، وفي الشارع الفلسطيني لا يزال السؤال مبكراً، لكنه مشروع: كيف ستنعكس حرب لبنان الثالثة على واقع غزة ومستقبلها؟

يقول الباحث والمحلل السياسي رائد عبد الله، إن المنطقة لن تنعم بالأمن والاستقرار، إلا بحل شامل لكل الصراعات والقضايا العالقة، لكن طالما تجري الاتصالات السياسية تحت النار، فهذا يعطي فرصة أكبر للحرب المفتوحة، مضيفاً: «بنك الأهداف الإسرائيلية استنزف، خصوصاً بعد تصفية قادة في حركة حماس وحزب الله، لكن يبدو أن شهية نتنياهو ما زالت مفتوحة للمزيد، وعلى الاتجاهين».

وربما حطمت غزة ولبنان الرقم القياسي على مستوى سفك الدماء في الشرق الأوسط، من خلال الحروب المتوالية والصدامات المستمرة مع إسرائيل، فانهارت المباني فيهما، وتحولت الشوارع إلى ساحات أشباح، لكن يبدو أن المسافة صفر من وقف الحرب لم ترتسم بعد على خريطة المدينتين.

وفي حين يرتدي سكان غزة ثوبهم الأسود منذ عام، ويلف الحزن خيام نازحيها، تنفطر قلوبهم على آلاف المدنيين في بيروت هذه الأيام، الذين اضطروا للنزوح، خوفاً من الحرب، الذي بات شبحها أقرب من أي وقت مضى، وهي التي لم تبرأ بعد من جحيم الحروب، إذ ما زالت مشاهد اجتياح العام 1982 وحرب العام 2006 ماثلة في ذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء.