في مراكز إيواء النازحين بقطاع غزة، ثمة مناطق منخفضة، تتعرض مع كل منخفض ماطر إلى غرق جماعي، إنه رعب الشتاء الذي أحال حياة النازحين إلى جحيم لا يطاق، وعاد كزائر ثقيل كي يهز مضاجعهم.
شتاء آخر في ظل الحرب، انتهت معه كل السقوف الزمنية لوقف إطلاق النار، وبدأت معالم معاناة إضافية للنازحين الذين يواجهون برد الشتاء ورياحه وأمطاره دون أي مقومات، فلا أغطية ولا ملابس شتوية ولا وسائل تدفئة، خيام تجري من تحتها الأمطار، ونازحون يتنفسون تحت الماء، ويغرقون مع ما تبقى من أمتعة متهالكة أصلاً.
يقول نازحون، إن مياه الأمطار التي اجتاحت خيامهم دون سابق إنذار، أول من أمس، أتلفت بالجملة ما تبقى لديهم من مواد تموينية وفرش وأغطية، مؤكدين أن الخيام التي يقيمون فيها لا تقوى على مواجهة الشتاء، فغالبيتها خيام صيفية مخصصة للرحلات!
ويروي عبد الله الباشا، النازح من جباليا البلد، أن انعدام شبكات الصرف الصحي وصعوبة تصريف مياه الأمطار في مخيمات النزوح، يتسبب بانسداد مجرى الأمطار في المناطق المنخفضة، ما يجعل الخيام عرضة للغرق، وفي أحيان كثيرة لا نستطيع الخروج منها، ناهيك عن تلف الأمتعة المتواضعة التي بالكاد حصلنا عليها.
ويضيف لـ«البيان»: «الأغطية لم تعد صالحة، وفي كل ليلة نتأمل فراشنا الغريق دون أن نستطيع النوم، وغالبية الشبان في المخيم تحولوا طوعاً إلى فرق إنقاذ للعالقين، ويعملون على فتح ممرات للتنقل بين الخيام والوصول إلى المرافق العامة، لكن الإمكانيات معدومة للحد من تأثير الأمطار.. أصبحنا كالغريق الذي يتعلق بقشة»!
وكما هي مخيمات النزوح، يعيش الغزيون في خيام من القماش مرت عليها رحلة الشتاء والصيف في خضم الحرب، فبدت رثة، أو في أحسن الأحوال، في «بركسات» صنعوها من الخشب والصفيح، لكنها غير آمنة خصوصاً مع هبات الرياح القوية، ويعاني الأهالي من ظروف معيشية غاية في الصعوبة، على كافة الأصعدة.
كوارث صحية
«الأمطار تزيد الطين بلة، وحياتنا أصبحت شبه مستحيلة» قال النازح منصور أبو جبل، منوهاً إلى كوارث صحية بدأت تظهر على النازحين في ظل برودة الطقس، وتحول مياه الأمطار إلى مستنقعات وانتشار الفيروسات، مضيفاً: «الأغطية شيء أساسي في مواجهة الشتاء، لكنها غير كافية، ولا معدات لدينا للتصرف في حال فاضت الأمطار إلى الخيام».
وتابع: مع كل عاصفة مطرية نصاب بالإرباك، ونجد أنفسنا وكأننا في حوض سباحة، الأمطار تعبث بممتلكاتنا شبه المعدومة، وأوضاعنا المعيشية بدأت تتفاقم، ونعيش في ظل ظروف مأساوية مع تزايد أعداد النازحين.
وبين أبو جبل أن كثيرين يضطرون للمبيت في العراء ويلتحفون السماء، ويبقى البرد يلسع أجسامهم، بعد تسرب مياه الأمطار إلى الخيام، وغرق كل ما لديهم من فرش وأغطية، مناشداً أصحاب الضمائر الحية في العالم، التدخل لإنقاذ النازحين من برد شتاء ثان في خضم الحرب.
واقع مؤسف
وغدت حياة النازحين في قطاع غزة، غاية في الصعوبة، فبعد أن تحولت منازلهم شبحية بفعل القصف والتدمير، اضطروا للنزوح إلى مراكز الإيواء، لكن الخيام التي نصبت لاستقبالهم «غرقت في شبر ميه» كما يقول أحدهم متهكماً.
وللعام الثاني توالياً، يواجه الغزيون هذا الواقع المؤسف مع دخول الشتاء، ولم تفلح كل محاولاتهم تمكين خيامهم، ما يعني مضاعفة معاناتهم إلى حين هدنة، أو حل يعيدهم إلى منازلهم.