غزة.. حرب ضروس وتهدئة بعيدة المنال

فلسطينيون يتفقدون آثار الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية في مخيم النصيرات وسط القطاع
فلسطينيون يتفقدون آثار الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية في مخيم النصيرات وسط القطاع

ثمة ما هو أكثر من تصعيد وأقل من حرب، ذلك الذي تشهده مناطق الضفة الغربية، أما في قطاع غزة، فلم يسبق أن ضربت الحرب بمثل هذه القسوة، لدرجة استعصت على تقديرات المراقبين وتحليلاتهم، فالمواجهة الدموية متواصلة،
رغم الاتصالات السياسية التي نهضت من جديد، في محاولة لاحتوائها. ناهز عدد الضحايا الـ 45 ألفاً، وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمفقودين، وأصبح أكثر من نصف غزة على الأرض، بفعل القصف العنيف والمركّز، الذي يستهدف كل شيء، ودخلت الأوضاع الإنسانية أشد مراحل الخطورة، مع تشديد الحصار، لا سيما في الشمال، ونهضت مبادرات سياسية عدة، مع أن ذلك لم يمنع استمرار الحرب في غزة، بل إن فتيلها أشعل القدس والضفة الغربية. غوص في المجهول، وتوقعات متشائمة، ولا يعتقد كثيرون أن التوصل لاتفاق يوقف الحرب، سيكون من السهل دون تنازلات صعبة، تجنّب غزة إراقة المزيد من الدماء، والدخول في موجات نزوح وخراب جديدة.

إحياء مفاوضات

وعادت القاهرة من جديد تتصدر المشهد الدبلوماسي، محاولة تحريك المياه الراكدة، وإحياء مفاوضات التهدئة، والتوصل لاتفاق يفضي إلى لجم الحرب، وإبرام صفقة لتبادل الأسرى، لكن العقبات ما زالت كبيرة، والهوة واسعة، كما يقول مراقبون.

يقول الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية، نهاد أبو غوش، إن المواقف الإسرائيلية المتصلبة، تشكل عقبة صعبة أمام الاتفاق، فإسرائيل ترفض دفع الحد الأدنى لثمن وقف الحرب، بما يشمل سحب قواتها من قطاع غزة، لكن يبقى الرهان على ضغط أمريكي جاد، ينسجم مع رغبة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، قبل دخوله البيت الأبيض، 20 يناير المقبل.

وحذر أبو غوش، من ضغوطات إسرائيلية مضادة، من قبل اليمين الإسرائيلي، الذي يدفع على الدوام باتجاه الاستمرار في الحرب، بل وأبعد من ذلك، إعادة السيطرة الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة، فضلاً عن أن نتنياهو نفسه ما زال يماطل في قبول الصفقة، خشية محاسبته سياسياً أو قضائياً.

مربع أول

بدوره، يرى المحلل السياسي، خليل شاهين، أن اتفاق وقف إطلاق النار ليس بالضرورة أن ينهي الحرب، ما يعيد الأوضاع في قطاع غزة إلى خانة المربع الأول، مبيناً أن الصورة تبدو سوداوية، بينما المشهد يحتاج لقرارات جراحية، وحلول ومبادرات أكثر عقلانية. وفي قطاع غزة، ثمة سباق بين التسوية والحرب، يرتسم بالنار، ما يبقي الأرضية التي تستند إليها مفاوضات التهدئة هشة، ولا يمكن البناء عليها، أو بلورة اتفاق بموجبها، ولا توحي الأجواء الملبدة بدخان الحرب، بأن المسار السياسي معبد أمام الحل، فالبركان مشتعل، والدبلوماسية مكبلة، رغم حرص الأطراف الراعية على إعلاء ألوية الحل السياسي وإخماد النار.

نفق مظلم

وتنبئ المؤشرات الميدانية التي لاحت من شمالي غزة أخيراً، عن اشتداد وطأة الحرب، فمؤشر عداد الضحايا إلى ارتفاع، والمجازر في كل مكان، تلاحق النازحين إلى خيامهم التي يفرون إليها من جحيم الغارات، والمقاتلات الحربية تجوب سماء غزة، وتضرب أرضها بلا هوادة، ولعل هذا الضرب من الغارات المثقلة بالضحايا والدماء، أصبح السمة الرئيسة لمجمل التوجه الإسرائيلي باستمرار الحرب.

هكذا تنام غزة وتستيقظ على تخوم الشهر الـ 15 من الحرب الدامية، في مشهد مخيف، يسقط معه كل تنبؤات الحلول السياسية، ويأخذ احتمالات التفاؤل نحو نفق مظلم، بينما تفيد تقديرات المراقبين، بأن هامش المناورة الدبلوماسية بدأ يضيق، فيما احتمالات وقف الحرب آخذة بالتراجع.