في غزة، رائحة الموت تستوطن المكان، والأهالي يمنون الأنفس بالتقاط الأنفاس، بحيث تنجح المساعي السياسية التي نهضت أخيراً، في إخماد مطرقة النار، وتمكينهم من استعادة شيء من الهدوء، لكن ليس من الواضح إن كانت الحرب في مراحلها الأخيرة، كما رشح من البيت الأبيض، وتم التصويت على وقفها أخيراً بأغلبية ساحقة في الأمم المتحدة، فما أن تطل ملامح وقف الحرب، حتى تدور طائرات الموت لتعكر صفوها من جديد.
تنحبس الأنفاس، على وقع مواصلة عمليات القصف والتدمير، ومحاولات محو غزة عن الخارطة، في واحدة من أخطر عمليات التهجير القسري والتطهير العرقي، تتسابق كرة النار مع الدبلوماسية، في واقع يتمنى فيه الفلسطينيون أن يستيقظوا من نومهم، ليجدوا غزة بلا صواريخ أو هدير طائرات أو جنازات ودموع. لا تزال غزة مضرجة بالدماء والدمار، وتبدو في هوة سحيقة، إذ يعيش الغزيون ساعات عصيبة، بانتظار ما سينجلي عليه المشهد، خصوصاً في ظل التعثر المستمر لمحاولات وقف النار، بحيث يقابلها قصف هستيري ومجازر دموية في كل مرة، فيما يبدو وكأنه محاولة لإغراق غزة أكثر في دمائها، في سياق النسق الضاغط، والتفاوض تحت النار.
ولا يختلف الفلسطينيون على أهمية وقف الحرب ونفض غبارها عن أي بقعة في المنطقة، لكن ما يأملونه أن تنصب الجهود السياسية الآن على إيقاف عجلة الحرب في قطاع غزة.
وتبدو إشارات وقف الحرب على غزة خجولة، إذ يثير عبث المقاتلات الحربية في أجواء غزة، المخاوف من استمرارها على هذه الجبهة، أقله حتى 20 يناير المقبل، وعليه، فالحديث عن اتفاق يلوح في الأفق بشأن غزة، ما هو إلا «مهدئ» لمجريات الحرب، كما يقول مراقبون.
استناداً إلى الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية سليمان بشارات، فقد منح اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، الفرصة لإسرائيل كي تلتقط أنفاسها، وتعيد ترتيب أولوياتها في المنطقة، لكنه فتح النقاش مجدداً حول مستقبل الصراع في الإقليم، مبيناً أن فصل الساحات كان هدفاً استراتيجياً لإسرائيل منذ بداية الحرب.
سرية
وحسب بشارات فالحراك السياسي الجاري يعمد إلى السرية بعض الشيء، لتجنب تعطيل المساعي من قبل نتنياهو، الذي اعتاد أن يواجه أي مسعى دبلوماسي بالنار، وليس أدل على ذلك من ارتفاع وتيرة الغارات الإسرائيلية في الأيام التي لاحت فيها بوادر اتفاق.
على الأرض، يصعب وصف تفاصيل يوميات الحرب والدمار في قطاع غزة، والظروف المعيشية المرافقة، فالقصص الواردة من هناك، تنفطر لها القلوب، حيث الجثث التي مزقتها الصواريخ تنتشر في الشوارع، والنساء يندبن الضحايا بلوعة، فيما مشاهد النزوح ما زالت تتسيد المشهد.
تمويه
ويروي النازح حمد الكفارنة من بلدة بيت حانون شمال غزة، مشاهد صادمة، مبيناً أن جثث الضحايا في الشوارع باتت تنهشها الهوام، نظراً لصعوبة نقلها أو حتى دفنها، خصوصاً في ظل نقص الأكفان، إذ استعاض عنها المشيعون بستائر الشبابيك والشراشف المنزلية.
ويضيف لـ«البيان»: أحياناً نضطر للتمويه على الطائرات الحربية والمسيّرة بكثرة الحركة والتنقل المتعمد، خشية أن نكون أهدافاً لها، لكن هذا لا يحمينا من إمكانية القتل بالقصف العشوائي، ولا تسلم منطقة أو مركز نزوح في غزة من الغارات.