ثمة دلائل عدة على مرحلة مقلقة، استهلها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب عندما فاجأ العالم، وعاد يتحدث عن خطته تهجير أهل غزة، غير عابئ بما كرسته خلاصات القمة العربية بالغة الأهمية في القاهرة، ما ينذر بخروج قاطرة السيطرة والتحكم عن سكتها، بعد مهلة الـ 10 أيام التي منحها لحركة حماس للإفراج عن الرهائن، وإلا فالبديل هو الجحيم.
ربما صدقه حليفه نتنياهو، المتحفز للعودة إلى الحرب، لكن الأهم ما طغى على قمة القاهرة من لاءات عربية ضد التهجير والتوطين وتصفية القضية الفلسطينية، ولم يكن أدل على ذلك من بيانها الختامي الذي رد على كل مخططات تهجير الفلسطينيين، وإن كان هناك ثمة تحديات كبيرة، ستواجهها لاءات القمة، لعل أخطرها الموقف الإسرائيلي الأمريكي بشأن مستقبل قطاع غزة.
ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، لا رغبة لنتنياهو في ولوج الطور الثاني من المفاوضات، بقدر اهتمامه بالعودة إلى القتال في قطاع غزة، وربما إشعال جبهة الضفة الغربية إلى ما هو أبعد من جنين وطولكرم ونابلس، التي تشهد اجتياحاً موسعاً منذ إبرام الهدنة في 19 يناير الماضي، ضمن مفهوم «اليوم التالي» بالنسبة لائتلاف نتنياهو الحاكم في إسرائيل.
ووفق مراقبين، فوعيد استئناف الحرب في قطاع غزة، موجه للقمة العربية أكثر منه لحركة حماس، ضمن المخطط الإسرائيلي وقوامه تغيير وجه الشرق الأوسط وإعادة صياغة خريطة المنطقة.
وبذلك تسعى إسرائيل لإفشال قمة القاهرة، على غرار قمة بيروت 2002، التي انبثقت عنها مبادرة السلام العربية استناداً لحل الدولتين. ويعلق أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، عبد المجيد سويلم.
موضحاً أن المرحلة الحالية لم تعد تحتمل الحالة الضبابية التي تفصل بين التفاؤل والتشاؤم، فالقمة العربية رفضت بشكل قاطع فكرة تهجير الشعب الفلسطيني، أو حتى أن تتم عملية إعادة إعمار غزة بإخراج أهلها وفق قاعدة الإعمار دون تهجير، منوهاً بأن الموقف العربي كان تبلور قبل قمة القاهرة، وقبل أن يطلق ترامب العنان لأطماعه بـ«ريفييرا غزة».
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، أن إسرائيل استبقت القمة بقرار إغلاق المعابر في قطاع غزة ومنع إدخال المساعدات الإغاثية، وأطقلت العنان لجيشها في الضفة الغربية، كرد أولي، ربما أرادت من خلاله تذكير العرب باجتياحها قبل قمة بيروت 2002، مضيفاً:
«تريد إسرائيل من وراء ذلك، إيصال رسالة رفض وغضب من قرارات القمة الرافضة للتهجير، دون ادخار رد الفعل على الأرض، بحصار غزة وتجويعها، وتوسيع رقعة الاجتياح في الضفة الغربية».
ويخشى مراقبون من دخول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ممراً ضيقاً لا يوفر هامشاً كافياً للمناورة السياسية للوسطاء، بل إن الأحداث الضاغطة في غزة والضفة الغربية تشتد تأزماً بعد الاختراق الذي حققته الدبلوماسية العربية وأفضت إلى هدنة وصفقة لتبادل الأسرى، إذ ثمة تعاون إسرائيلي أمريكي يؤسس لدور أوسع لهما في قطاع غزة والضفة الغربية، في موقف مثير من شأنه عرقلة مستقبل التسوية السياسية. ولعل من الواضح للنخب السياسية، أن في رغبة وتهديد تحالف نتنياهو ترامب، ما قد يلهب الأوضاع في غزة من جديد.