إن كانت حصيلة الضحايا متتالية ومتراكمة في قطاع غزة، بفعل عودة جحيم الحرب، فإن الإحصاءات القادمة من شمال الضفة الغربية تؤشر إلى نتائج مريعة على مستوى هدم المنازل والنزوح والخسائر في الممتلكات، وما يترتب على عملية التدمير الممنهج من تداعيات اقتصادية واجتماعية.
في غزة والضفة، لم يعد الحديث محصوراً في «بنك أهداف» للجيش الإسرائيلي بإقامة مناطق عازلة، أو نصب دفاعات أرضية حول المستوطنات، بل إن العملية العسكرية فيهما تحولت إلى سياسة فعلية للتهجير، وترك المنطقتين خراباً على خراب.
الأرقام تتحدث عن نفسها، إذ قتل الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة نحو 500 فلسطيني في غضون أيام، بعد استئناف الحرب، بينما دمر نحو 800 منزل في جنين وطولكرم منذ اجتياحهما قبل نحو شهرين، ويضاف إلى هذه القائمة نزوح ما يزيد على 45 ألف مواطن، ما ترتب على ذلك تشريد عائلات فلسطينية، جرى إخلاؤها قسراً بعد أن دُمرت منازلها، غالبيتها اضطرت إلى الانتقال إلى منازل الأقارب، بينما بقيت عائلات أخرى تقيم في مرافق عامة.
وثمة تدمير وترحيل ممنهج في مخيمات جنين وطولكرم ونابلس، أخذ يتطور شيئاً فشيئاً، تحت مسمى «الاجتياح العسكري» ومن ثم تضاعف مع نسف المربعات السكنية التي أضحت تأخذ شكل العقوبات الجماعية، ويمكن للأوضاع أن تبدو أكثر تعاسة عندما تكشف تقارير «الأونروا» أن عشرات الآلاف في غزة والضفة الغربية أصبحوا بلا مأوى.
لا حياة
يقول الباحث والمحلل السياسي خليل شاهين: «إسرائيل تريد غزة خالية من كل أشكال الحياة» مقدماً أمثلة على ذلك في محور صلاح الدين، حيث يتواصل تهجير السكان هناك، مضيفاً: «لا يختلف الحال في شمال الضفة الغربية، وهذه دلائل سابقة في تاريخ الصراع، وتحمل بين ثناياها إنكار متعمد للهوية الفلسطينية، وطمس معالم الوجود الفلسطيني».
وبتوقعات متشائمة، لا يعتقد القيادي الفلسطيني نبيل عمرو أنه سيكون من السهل تجاوز المرحلة الحالية من دون إراقة المزيد من الدماء والدخول في موجات خراب وتدمير في غزة والضفة، قائلاً: «أصبح واضحاً حاجة نتانياهو لاستمرار الحرب على كل الجبهات، لجذب انتباه الشارع الإسرائيلي عن القضايا الداخلية المتفجرة في وجهه، والتي تهدد بإطاحته».
بينما وزير فلسطيني سابق (لم يشأ الكشف عن هويته) يرى أن الوساطة السياسية تبدو أضعف من احتواء اندفاعة نتانياهو نحو الحرب، ومنعه من الوصول إلى أهدافه، بفرض السيطرة الإسرائيلية على غزة والضفة.
مؤشرات للأسوأ
ولا يبدو أن جنين وطولكرم ونابلس وطوباس، ستتخطى عتبات مآسٍ جديدة اشتعل فتيلها من الحرب في غزة، بل إن المؤشرات المختبئة خلف ركام المنازل ونيران المدافع وأنات الضحايا، تحمل في حناياها منعطفات أسوأ.
هي حالة خراب تعمّ غزة والضفة، ولم يسبق وأن ضربت بمثل هذه القسوة، ومن المرجح أنها ستستمر كما يرى مراقبون.
وإذ يتواصل القصف الإسرائيلي على غزة، بالرغم من المساعي السياسية التي أخذت تنهض أخيراً للعودة إلى اتفاق الهدنة، ثمة أمر واحد يفرض نفسه: نار الحرب شبّت، ولا يضيرها أن تحرق الأخضر واليابس، وعداد الضحايا في غزة، ومؤشر التدمير في الضفة يؤكد ذلك.