يختزل مشهد أطفال غزة وهم يركضون خلف الشاحنات المحملة بمياه الشرب، ويحملون العبوات الفارغة بطموح أن يعودوا بها ممتلئة، المعاناة اليومية لسكان القطاع في ظل الحرب، الأمر الذي تسبب لهم بمتاعب صحية ونفسية.
في قطاع غزة المتعطش للحياة، يضرب العطش ملء قسوته، ويواجه النازحون مشقة كبيرة في رحلة البحث عن الماء، لاسيما مع تشديد الحصار، إذ خلافاً لما كانت عليه العادة قبل الحرب، بأن تصل المياه للمنازل عبر الأنابيب بات الأطفال يلهثون خلف الصهاريج، ويزيد من معاناتهم، عودتهم بالجالونات المملوءة والسير بها مسافات طويلة في الطريق إلى الخيام.
يقطع الطفل عمر جادالله، يومياً مسافة طويلة في كل مرة ينقل فيها عبوات الماء إلى عائلته، التي تحتاج لأكثر من 150 لتراً بشكل يومي لاستخدامات مختلفة، ما تسبب له بشكوى دائمة من آلام في الظهر والمفاصل كما يقول والده عبداللطيف جادالله، قائلاً:
«بُعد المسافة، والأوزان الثقيلة التي يحملها كل يوم، فضلاً عن الانتظار في الطابور الطويل أمام صهاريج الماء، أصابته بإرهاق شديد، ودائماً يشكو من قلة الراحة حتى أثناء النوم».
ويهيم أهالي غزة عطشاً، بانتظار الحلول التي تروي ظمأهم، إذ أجبرت ظروف الحرب، ما يزيد على نصف مليون عائلة نازحة، إلى البحث عن الماء في رحلة محفوفة بالصعاب.
وبالكاد توفر الحد الأدنى من احتياجاتها، وبعضها تلجأ إلى الآبار الزراعية البعيدة، رغم مخاطر تكرار الغارات التي تشنها الطائرات الإسرائيلية الحربية بين الحين والآخر.
يقول عامر أبو موسى من خان يونس: «لا حياة دون الماء.. وثرواتنا ومواردنا الطبيعية دمرتها الحرب»، منوهاً إلى انعدام الاحتياجات الأساسية للحياة وعلى رأسها الماء، مضيفاً:
«تعبنا من هذه المعاناة، ونريد العودة إلى حياتنا التي كانت قبل الحرب، عندما كانت المياه تصلنا إلى بيوتنا ودون عناء.. أولادي الثلاثة يعانون من آلام متعددة بسبب صعوبة نقل الماء، ولا أجد لهم أي مسكّنات، لكن ماذا نفعل، إذا فقدنا الماء فقدنا الحياة».
ويضيف بينما انهمك في جر عربة محملة بعبوات بلاستيكية مملوءة بالماء: «بعد انتظار طويل، نجحت بالحصول على كمية قليلة، هنالك ضغط هائل في أعداد النازحين الفارين من القصف، والأزمة تطال كل نواحي الحياة، لكن الماء يبقى العنصر الأهم».
ويعاني قطاع غزة من أزمة غير مسبوقة في المياه الصالحة للشرب، إما نتيجة للأضرار التي ضربت البنية التحتية ومحطات ضخ ومعالجة المياه، وإما بسبب نقص الوقود والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، علاوة على الحاجة لإنشاء مراكز نزوح جديدة بعد تجدد الحرب.
دمار واسع
ووفق وزير سلطة المياه الفلسطينية، زياد الميمي، بلغت نسبة الدمار في مرافق المياه والصرف الصحي بقطاع غزة نحو 85 % ما أدى إلى تراجع نصيب الفرد من المياه إلى أقل من الحد الأدنى، بينما حذرت بلدية غزة من موجة عطش كبيرة تتربص بقطاع غزة، نتيجة لاستمرار إغلاق المعابر ومنع دخول الوقود والمعدات اللازمة.
وتوقف خطوط مياه عدة عن العمل، ما يهدد الحياة الإنسانية. وسواء كان عذباً فراتاً، أو ملحاً أجاجاً، يحتاج مواطنو قطاع غزة إلى الماء، للبقاء على قيد الحياة، وفي حال استمر العجز عن تشغيل المولدات ومحطات التحلية، سيتعاظم الشعور بالخوف من الموت عطشاً.